قبل ساعات من اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يوافق غدًا الثلاثاء، انتهكت قوات الأمن حرم نقابة الصحفيين باقتحامه للمرة الأولى في تاريخها، وألقت القبض على صحفيين اثنين دون إخطار أو حضور النقيب، فيما عدّه قانونيون انتهاكًا يجرمه الدستور. حوالي الساعة التاسعة مساء الأحد، اقتحمت قوة أمنيّة مكونّة من نحو 30 فردًا –بحسب نقيب الصحفيين- نقابة الصحفيين وألقت القبض على رئيس تحرير بوابة يناير عمرو بدر والزميل محمود السقا، خلال اعتصامهما داخل النقابة اعتراضًا على مداهمة قوات الأمن لمنازلهما أكثر من مرة. شغل عصابات "شغل عصابات".. بتلك الكلمات وصف نقيب الصحفيين يحيى قلاش ما حدث من وزارة الداخلية تجاه النقابة. وقال "أصبحنا نعيش في دولة اللاقانون"، مناشدًا خلال مداخلة هاتفية عبر برنامج "ساعة من مصر" على قناة "الغد العربي"، الرئيس عبدالفتاح السيسي بالتدخل شخصيًا، موضحًا أن الزميلين لجأوا للنقابة، من أجل اتخاذ التدابير اللازمة لتسليمهما بشكل يليق بهما. وتنص المادة 70 من قانون نقابة الصحفيين على أنه "لا يجوز تفتيش مقار نقابة الصحفيين ونقاباتها الفرعية أوضع أختام عليها إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة وبحضور نقيب الصحفيين أو النقابة الفرعية أو من يمثلهما". ويرى قانونيون أن اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحفيين جريمة يعاقب عليها القانون باعتبارها كيانًا مستقلًا وفقًا للمادة 76 من الدستور والتي تنصت على: "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون.وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتساهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم. وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، ولا يجوز إنشاء أي منها بالهيئات النظامية". وكذلك المادة 77 التي نصت على أن: "ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية. ولا تُنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة. وال يجوز فرض الحراسة عليها أو تدخل الجهات الإدارية في شئونها، كما لا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المتعلقة بها". الداخلية: لم نقتحم النقابة تقول وزارة الداخلية على لسان متحدثها الرسمي اللواء أبو بكر عبدالكريم، إن "قوات الأمن لم تقتحم نقابة الصحفيين"، إنما ما حدث أن عددًا محدودًا من الضباط لا يتجاوز عددهم نحو خمسة أفراد اتجهوا إلى النقابة لتنفيذ قرار بضبط وإحضار عمرو بدر، ومحمود السقا، لاتهامهما بالتحريض على خرق قانون تنظيم حق التظاهر والإخلال بالأمن ومحاولة زعزعة الاستقرار بالبلاد. متحدث الداخلية أكد خلال مداخلة هاتفية برنامج "هنا العاصمة" على فضائية "سي بي سي" مساء الأحد، أنّ الوزارة كانت لديها معلومات تفيد باختباء الصحفيين الصادر بحقهما قرارًا بضبط وإحضارهما، وهما ليسا أعضاء بالنقابة. وفي الساعات الأولى من فجر اليوم الإثنين، أصدرت وزارة الداخلية بيانًا رسميًا اعتبرت فيه أنّ جميع الإجراءات تمت في إطار القانون وتنفيذًا لقرارات النيابة العامة، وأنّه لم يتم اقتحام النقابة بأي شكل من الأشكال أو استخدام أي نوع من القوة في ضبط "بدر" و"السقا"، مؤكدة أنهما "سلما أنفسهما بمجرد إعلانهما بأمر الضبط والإحضار" وتضاربت تصريحات متحدث الداخلية والبيان الرسمي حول عدد أفراد الأمن الذين اتجهوا إلى النقابة إذ قال الأول أن نحو خمسة أفراد بينما ذكر البيان أن مأمورية أمنية مكونة من ثمانية ضباط اتجهت إلى النقابة واستعلمت من مسؤول الأمن المذكور عن مكان تواجدهما، واصطحبهم لمكانهما وتم إعلانهما بقرار النيابة العامة في القضية، و"سلّم الصحفيان أنفسهما طواعيةً وتم اصطحابهما لعرضهما على النيابة المختصة كطلبها". البيان الرسمي لوزارة الداخلية اعتبر عمرو بدر ومحمود السقا اللذان أعلنا اعتصامهم السبت الماضي داخل النقابة تنديدًا بمداهمة قوات الأمن لمنزليهم، أنهما يختبآن داخل مقر النقابة واتخذوها ملاذًا للهروب لمحاولة الزج بالنقابة في مواجهة مع أجهزة الأمن واستغلال ذلك لافتعال أزمة يشارك فيها عددًا من "العناصر الإثارية" لإحداث حالة من الفوضى. إهانة للدولة قرار الاقتحام أثار صدمة وغضب عارم في الأوساط الصحفية، لاعتداء الأجهزة الأمنية على قلعة الحرية والرأي والفكر، واستنكر عدد كبير من الصحفيين الواقعة، ومن بينهم ضياء رشوان، ومكرم محمد أحمد، وخالد البلشي، وإبراهيم عيسى، وحنان فكري، وخالد صلاح، وعماد جاد، وجمال عبدالرحيم، ويوسف الحسيني. أما الكاتب الصحفي مجدي الجلاد فقال إن اقتحام النقابة إهانة للدولة، وعلى الجماعة الصحفية الحفاظ على النقابة وقدسيتها، مؤكدًا أنّ أجهزة الأمن تتعامل بقوة مفرطة، ولابد من إعادة تصحيح مفاهيم علاقة الأمن بالمجتمع. ويقول الإعلامي وائل الإبراشي إن "الثمن المدفوع سيكون كبيرًا، ونعزي كل المنتمين لمهنة الكلمة والصحافة في اقتحام النقابة في سابقة الأولي من نوعها. واستنكر الإعلاميان عمرو أديب ولميس الحديدي، اقتحام مقر نقابة الصحفيين، لأنها "سابقة هي الأولى من نوعها". وترى الأخيرة إن اقتحام النقابة غياب للعقل السياسي للدولة، مؤكدة أنه لم يكن هناك داع لاقتحام النقابة وترويع الناس.
السيسي لا يعلم ياسر رزق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم والمقرب من مؤسسة الرئاسة، رأي أنّ اقتحام قوات الأمن نقابة الصحفيين يسيء لسمعة مصر، مؤكدًا أنه اتصل بمسؤولين بالرئاسة حول الواقعة وأكدوا أنهم ليسوا على علم مسبق بالواقعة وغير راضين عنها، متابعًا "أنا متأكد أن الرئيس السيسي لا يرضى مطلقا بهذا الإجراء وهناك شبه تعمد للإساءة للرئيس". اعتصام مفتوح وبعد نحو نصف ساعة من الاقتحام، تجمع عدد من الصحفيين على سلالم النقابة، ورددوا الهتافات الرافضة للاقتحام والمناهضة للقبض على عمرو بدر ومحمود السقا. وانضم إلى الشباب الصحفيين الذين أعلنوا اعتصامهم داخل النقابة الكاتب خالد داوود، وعضو مجلس النواب خالد يوسف، وكارم محمود وإسراء عبدالفتاح وماجد عاطف. وطالب الصحفيون بإقالة وزير الداخلية والإفراج عن جميع الصحفيين المعتقلين. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تصدّر هاشتاج "نقابة الصحفيين" قائمة الأكثر تداولا على موقع التدوينات المصغرة "تويتر"، وعبر رواد الموقع عن غضبهم تجاه ما حدث مطالبين بالرد من جانب الجماعة الصحفية. هجمة بربرية وفي الساعات الأولى من فجر اليوم تلا نقيب الصحفيين يحيى قلاش بيان مجلس النقابة الذي اجتمع لبحث الأمر. واعتبر البيان أن الاقتحام "بهجمة بربرية واعتداء صارخ على كرامة الصحافة والصحفيين ونقابتهم، في سابقة لم تحدث في تاريخ مصر والنقابة التي احتفلت منذ أيام بمرور (75) عامًا على إنشائها". وأكد البيان أن "هذا العدوان الذي استباح مقر النقابة بالمخالفة للقانون والدستور ولكل الأعراف السياسية والوطنية والدولية، لا يمكن غسل عاره إلا بإقالة فورية لوزير الداخلية". قرر مجلس النقابة الدعوة لاجتماع عاجل لأعضاء الجمعية العمومية، الأربعاء المقبل، ودعوة الزملاء رؤساء تحرير جميع الصحف القومية والحزبية والخاصة، والنقباء وأعضاء مجالس النقابة السابقين والصحفيين أعضاء مجلس النواب، للتشاور في ما يلزم من إجراءات لصد هذا العدوان على النقابة. كما دعا المجلس رؤساء ومجالس كافة النقابات المهنية لتدارس واقعة اقتحام مقر النقابة، باعتباره واقعة غير مسبوقة وتؤشر على منهج جديد لتعامل السلطات المعنية مع النقابات المهنية، كما قرر المجلس دعوة جميع المؤسسات المعنية بحرية الصحافة والحريات العامة في مصر والوطن العربي والعالم، لاعتبار هذا الحدث الجلل هو العنوان الرئيسي للبيانات الصادرة عنها في مناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة. وأكد المجلس أنه في حالة انعقاد دائم، وبدء اعتصام مفتوح لأعضاء الجمعية العمومية في مقر النقابة، حتى انعقاد اجتماع الأربعاء المقبل.