«السارق مجهول».. والبضاعة «على عينك يا تاجر».. أبرزها سوق الجمعة وشارع عبدالعزيز وعزبة أبوحشيش ■ محمد يسترد حذاءه من سوق الجمعة بالقوة .. وبائع بشارع عبدالعزيز لضحية: «امشى يا مغفل» ■ اتفاقيات سرية بين الباعة واللصوص فى أبوحشيش حينما تطأ قدماك إلى مناطق سوق الجمعة وشارع عبدالعزيز وعزبة أبوحشيش، تجد كل شىء تريده وبسعر زهيد للغاية، قد تنتابك الدهشة بعدما تجد منتج أو جهازاً يصل سعره إلى عشرات الآلاف ليباع هناك بمئات الجنيهات. روايات عديدة تقف وراء بيع السلع والمنتجات هناك بأسعار رخيصة جداً، البعض يرجعها إلى إن أغلبها بضاعة «مستعملة»، وآخرن يرون أن أغلبها «مسروق»، لدرجة أن بعض الأشخاص يذهبون إلى هناك للبحث عن مفقوداتهم.. «الفجر» نزلت فى جولة ميدانية إلى هذه المناطق. 1- سوق الجمعة بمجرد أن تطأ قدماك سوق الجمعة التى تمتد من منطقة السيدة عائشة حتى طريق «الأوستراد»، تجد فيه كل شىء من الإبرة إلى «الصاروخ، فالسوق مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، الأول خاص بالحيوانات والطيور وسمك الزينة، وعلى بعد أمتار سوق أخرى لتجارة الملابس المستعملة والمسروقة والساعات والنظارات الأصلى والتقليد، لتنتهى بسوق ثالثة فى شارع «16» بالقرب من طريق الأوتوستراد، وهو الخاص ببيع الأثاث المنزلى القديم، فتجد أشياء سعرها يتعدى آلاف الجنيهات، وتباع بمئات الجنيهات. أثناء تجولك فى مملكة «سوق الجمعة»، تتفاجأ بأشخاص يصرخون من حين لآخر بصوت عال مرددين عبارة «دى بتاعتى»، وهى عبارة يدرك معناها المترددون على السوق، وتشير إلى أن شخصاً ما وجد الشىء الذى سرق منه فى يد أو على فرشة بائع بالسوق، ليخلفها مشاجرة وتراشق قديعقد بعدها صفقة لرجوعها لصاحبها. شاب قوى البنيان يدعى «محمد» تمسك بحذاء ذات ماركة عالمية، ومصر على أخذه دون دفع أى مقابل، ربما قوته وإرادته جعلته يحصل على حذائه بعد أن تنازل البائع لشعوره أنه سيدخل فى مشاجرة خاسرة. وهناك من يفضل دفع ثمن الشىء المسروق مرة أخرى حتى يسترده، وهو ما لجأت إليه إحدى السيدات التى ظلت تبحث عن الكلب الخاص بهابعدما تمت سرقته من أمام منزلها بالمهندسين ونصحها البعض بالبحث عنه داخل أروقة سوق الجمعة، وبالفعل وجدته وفضلت التفاوض مع البائع، واشترت الكلب منه بمبلغ 250 جنيهاً رغم أن سعره الحقيقى يقدر بالآلاف لأنه من سلالة نادرة جداً. رجل فى آواخر الثلاثينيات، يساعده ابنه ذات ال 15 عاماً فى بيع الأحذية ذات الماركات العالمية، سعر الواحد منها 150 جنيها فى حين أن ثمنه الأصلى يتراوح ما بين 600 إلى 800 جنيه، وبجواره آخر يبيع نفس الحذاء بمبلغ 250 جنيهاً، وبسؤاله هل هذه الأحذية بها عيوب تسببت فى فارق السعر، رد مازحاً «أصله مسروق». ما يؤكد هذه الرواية، شهادة محمد أحد رواد سوق الجمعة، الذى اشترى حذاء ب100 جنيه، فى حين أن ثمنه الأصلى ألف جنيهًا. ومن الأحذية إلى الساعات ونظارات الشمس ذات الماركات العالمية التى يبيعها شخص يدعى «رفيق» للمترددين عليه بأسعار زهيدة للغاية لدرجة أن أسعار الساعات « الكاسيو» لديه تتراوح بين 150 و200 جنيه، ولديه ساعات أخرى تصل أسعارها إلى 40 جنيهًا. وعلى بعد أمتار منه يجلس رجل عجوز على الأرض فى العقد السادس من عمره، يضع أمامه شنطة «لاب توب» سوداء عليها ما يقرب من 10 ساعات أصلية أسعارها تتراوح من 65 إلى 140 جنيهاً. المفاجأة أننا أثناء تجولنا بشارع «16» وجدنا أثاثاً قديماً منه «المسروق»، وآخر «روبابيكيا»، إلى جانب بعض صور المشاهير الموجودة داخل «براويز» ملقاة على الأرض منها صور نادرة للفنان الراحل « كرم مطاوع». 2- شارع عبدالعزيز ومن سوق الجمعة إلى شارع عبدالعزيز، الذى يعتبر من أشهر أسواق الأدوات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية فى مصر، وبالأخص التليفونات المحمولة، ومن يسرق منه هاتفه، تجده متوجهاً إلى هناك، ذلك لأن هذا المكان معروف أن بائعيه لا يمانعون شراء الأجهزة المسروقة، وبيعها بأسعار زهيدة. بمجرد أن تدخل إلى الشارع، تجد الباعة يصطفون طوابير متفرقة على يمين ويسار الشارع ، لا يتركون قدماً تغزو الشارع إلا ويسألون صاحبها «تبيع التليفون بتاعك يا باشا»..هكذا هو المشهد هناك يسيطر عليه «العشوائية» فى ظل غياب الرقابة. «هيثم .أ» شاب فى الثلاثين من عمره خرج من محطة مترو «غمرة»، متوجهاً إلى منزل شقيقته بحى الظاهر، وقف على يسار شارع بورسعيد، واستخرج هاتفه المحمول ماركة «سامسونج جلاكسى إس 3» من جيبه ليرد على مكالمة، حتى جاء شاب من خلفه مستقلا دراجة نارية وسرق هاتفه وفر هارباً، فتوجه إلى قسم الشرطة وحرر محضراً ضد السارق لكن دون جدوى. فكان الخيار الأخير لدى الضحية أن يتوجه إلى شارع عبدالعزيز، وظل يفتش للبحث عن هاتفه المفقود حتى عثر عليه فى إحدى «الفاترينات الموجودة بالشارع، فصرخ للبائع، قائلا: هذا هو هاتفى. ليرد عليه الرجل: «أنت راجل مغفل وامشى من هنا». ومن هيثم إلى عبدالحميد، الشاب العشرينى الذى سرق منه هاتفه المحمول فى محطة مترو العتبة، فتوجه مسرعاً إلى مكتب ناظر المحطة ورد قائلاً: «مش هقدر أعمل لك حاجة»، بعدها أشار علّى أحد المارة بضرورة الذهاب إلى شارع عبدالعزيز، وبالفعل توجهت إلى هناك، وظللت أبحث عن تليفونى داخل الفاترينات المنتشرة بالقرب من قسم شرطة الموسكى، حتى وجدته، وحينما سألت صاحب الفاترينة عن بائع التليفون له، رد: «مش من حقك تسأل.. عاوزه .. ادفع ألف جنيه واشتريه، متابعاً دفعت هذا المبلغ لأن الموبايل سعره كان يتجاوز ال3 آلاف جنيه. «إحنا واقفين ناكل لقمة عيش، كل يوم نشترى من 50 ل 100 تليفون.. هفتش واسأل كل صاحب تليفون إذا كان سارقه ولا لأ».. بهذه الجملة دافع صاحب إحدى الفاترينات عن الاتهامات الموجهة إليهم بأن بضاعتهم أغلبها «مسروق»، ليلتقط طرف الحديث آخر، قائلاً باستنكار: «طبعاً بنشترى البضاعة المسروقة عشان نكسب فيها لقمة عيش حلوة.. واحنا مش بنضر حد ولا بنضحك على حد.. احنا بناكل عيش بالحلال». 3- عزبة أبوحشيش وبالقرب من منطقة غمرة، تقع عزبة أبوحشيش، التى تشتهر بالاتجار فى المخدرات وأعمال السرقة والبلطجة، ويعيش بها أكثر من 6 آلاف نسمة فى فقر مدقع، يسكنون فى أكواخ من الخشب والصاج، ويعيشون حياة غير آدمية، تفتقر لكثير من الخدمات والمرافق، فالشوارع مليئة بمياه الصرف الصحى وأكوام القمامة وبقايا الأخشاب المحترقة وانتشار البلطجة والسلب والنهب والأمراض المزمنة والمنازل الآيلة للسقوط. داخلها تجد سوقًا كبيرة تباع فيها كل شىء، ويفترش البائعون الطرق ببضائع مختلفة ما بين الملابس والأدوات الكهربائية مثل الكاسيت، والمكواة، والمكنسة، والثلاجات والغسالات، ومستلزمات السيارات بكل أشكالها. أحد أهالى العزبة، رفض ذكر اسمه، قال ل«الفجر»: أغلب البضائع المعروضة فى السوق «مسروقة»، متابعاً: أكبر دليل على ذلك الاتفاقيات التى تتم سراً ما بين بعض البائعين، وأشخاص لا نعرف هويتهم. وأضاف: كل ليلة تأتى عربات محملة بأى شىء تتخيله من أدوات منزلية ومفروشات ويتسلمها البائعين، ويخزنونها فى «دكاكين» صغيرة داخل العزبة يتعذر على الشرطة الوصول إليها. خلال تجولنا فى «العزبة»، شاهدنا رجلاً عجوزاً يجلس أمام «فرشته» عليها عدد كبير من الكاسيتات ذات الماركات الغالية، حملنا واحداً منها، وسألناه عن سعره، فرد قائلاً: «40 جنيهاً، لم نصدق ما سمعناه لنعاود سؤاله:كم يبلغ ثمنه جديداً قال 500 جنيه، لكن مفيش زبون هييجى هنا يشترى ويطلع مئات الجنيهات، الناس هنا عايزة تيجى تشترى الرخيص واحنا بنوفره للناس الغلابة اللى مش لاقية». على بعد أمتار قليلة، وجدنا بائعاً آخر يفترش الأرض بمجموعة من الكشافات الكهربائية مدون عليها «صنع فى الهند»، سألناه عن ثمن الكشاف الواحد فرد علينا 60 جنيهاً على الرغم أن سعره الطبيعى يتجاوز ال 300 جنيه- حتى وجدنا ثلاث سماعات من الحجم الكبير، فسألنا عن سعرها فقال كلها ب 100 جنيه على الجانب الأيمن من شارع «عزبة أبوحشيش» وجدنا محلاً صغيراً يعرض مستلزمات السيارات بكل أنواعها من المواتير للعجلات والجنوط، وعدداً كبيراً من الفوانيس الأمامية والخلفية للسيارات الحديثة التى تباع بأسعار زهيدة للغاية. حينما سألنا صاحب المحل عن مصدر بضاعته، بدت عليه علامات القلق، ورد قائلاً: «انتم بتسألوا على حاجات مالكوش فيها.. عايز تشترى قول عايز أى.. لو مش هتشترى أمشى أحسن بدل ما تمشى بالإجبار». أحد الباعة اعترف بأن أغلب البضائع تباع بأسعار رخيصة لأنها «مسروقة»، قائلاً: دى حقيقة لازم نعترف بها، متابعاً: الدليل على ذلك أن أكثر ما يباع هنا هى فوانيس وجنوت السيارات لأنها سهلة «الفك». بجواره محل يبيع أجهزة كهربائية، فسألنا صاحبه عن سعر «مكنسة» ماركة ناشيونال جديدة داخل كرتونتها ومعها الضمان، فرد قائلاً: سعرها 120 جنيهاً وممكن ينزل كمان مفيش مشكلة وأنت جى تشتري»، وهو ما أدهشنا خاصة أن سعرها الحقيقى 750 جنيهاً.