دائماً ما يتباهى بفقره، ويتخذه عنواناً للسعادة، وابتسامة تفترش وجهه ذو السمار الصعيدي، ورغم أنه غاب عن دنيانا، إلا أن قصائده لازالت عالقة بالقلوب وتترد على ألسنتنا، وتشعل حماساتنا حتى الآن، وتحيى ذكراه، فهو الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، أو "الخال" كما يطلق عليه في الأوساط الفنية والثقافية. واستطاع "الخال"، أن يحافظ على الزخم الثوري لشعره، وفي نفس الوقت على علاقته بالسلطة، فعرف بمواقفه السياسية والوطنية، وتحل علينا اليوم ذكرى وفاته الأولى، ولكنه رحل بجسده ولكن تظل كلماته تترد على ألسنتنا، فهو عاصر تحولات مصر السياسية في عهد الرؤساء بدءً من جمال عبد الناصر وأنور السادات ورغم انتقاده لكلا النظامين من خلال قصائده الساخرة إلا أنه كان متمسكاً وموالياً ل "عبد الناصر"، ويحسب له أن علاقته لم تتوتر بالسادات إلا في ست سنوات وهي الخمس سنوات الأخيرة من حكم "السادات" والسنة التي حكم فيها المعزول محمد مرسي، حتى أطلق عليه شاعر "السلطة". السجن في عهد "عبد الناصر" عرف "الخال" بشغفه الشديد للراحل جمال عبد الناصر، ورغم سجنه في عهده لم يتخل عن تأييده لعبد الناصر حتى مماته، وكان يرى أن الأزمة تكمن في من أحاطوا به، وقال في ذلك: "لا نستطيع أن ننكر دور الزعيم عبد الناصر.. أما عن المآخذ عليه، فأنا أتخيل نفسى رئيس دولة ومن حولي 5000 من الشخصيات الأمناء الذين أثق فيهم ويقدمون لي التقارير، هل أنزل بنفسي للتحقق من صحة هذه التقارير.. عندما يصبح هؤلاء الأمناء ليسوا أمناء، فهم خائنون". وتختلف وجهة نظر "الخال" في "عبد الناصر"، حيث ظل يدافع عنه ويواليه، رغم شعره الساخر قائلاً: "لا ننسى أن عبد الناصر هو الذي قال ارفع رأسك يا أخي.. انتهى عهد الاستعباد"، ورد علي الهجوم علي عبد الناصر قائلا "يا من تهاجمون عبد الناصر قولوا لنا: ماذا فعلتم؟ لولا عبد الناصر ما استطاع الفقراء من أمثالي أن يتعلموا. شعره الموالي ل "عبد الناصر" وحملت دواوينه الشعرية تأييدًا ل "المشروع الناصري"، وفي مقدمتها ديوانه "الأرض والعيال" عام 1964، ثم ديوانه "الزحمة" الصادر عام 1967، و"عمّاليات" عام 1968، ثم ديوانه "جوابات حراجي القط" 1969. علاقته المتوترة ب "السادات" ومع بدية حكم الرئيس الراحل أنور لسادات، كانت العلاقة بينه وبين الأبنودي طبيعية، وكتب قصيدة "صباح الخير يا سينا" التي تحدثت عن حرب أكتوبر عام 1973، وغناها المطرب الراحل عبد الحليم حافظ واحدة من أهم الأغاني، إلى أن توترت العلاقات في عام 1975، وحكى "الأبنودي بنفس السبب قبل رحيله، قائلاً: تلقيت اتصالاً من فوزى عبد الحافظ، مدير مكتب السادات، يطلب مني الحضور، وبالفعل ذهبت فقابلني السادات بجملة "أنت جيت يا عبدالرحمن"، فرد: "أهلًا سيادة الرئيس"، ومد الأبنودي يده ليسلم على الرئيس لكن كانت الطاولة بينهما طويلة بحيث يضطر للانحناء أثناء المصافحة، وهنا ظهر مصور من العدم، والتقط تلك الصورة أثناء مصافحته للسادات وهو "منحنى"، ويقول الأبنودي في هذا الشأن إنه أحد "ألاعيب السادات". وكان لهذا اللقاء دوراً في تحول العلاقة بينهم، وبانضمام الأبنودي لحزب التجمع غضب "السادات"، وبعدها أصبح "الأبنودي"، ضمن رواد "أمن الدولة". معارضته لكامب ديفيد وحاول "السادات" أن يجذب صوت "الأبنودي" وتأييده لاتفاقية كامب ديفيد، وأعلن رغبته في تعيينه وزيراً للثقافة الشعبية؛ إلا أنه لم ينجح حيث كان ل "الأبنودي" موقف مضاد من الاتفاقية وأصحابها، وكتب قصيدته الشهيرة "المشروع والممنوع"، وبسبب هذا الديوان، جرى التحقيق مع الأبنودي أمام المدعي العام الاشتراكي بموجب قانون سمي "حماية القيم من العيب". تنبؤه بمقتل "السادات" وفي فبراير من عام 1981 ألقى في عيد الطلاب قصيدته "المد والجزر" التي تنبأ فيها بمقتل السادات، فترت العلاقة أكثر وأكثر بين السادات والأبنودي، وفي نفس التوقيت كتب قصيدته "لا شك أنك مجنون"، وصارت قصائد الأبنودي بمثابة الصداع في رأس نظام السادات. وفي نفس العام، صدقت توقعات الأبنودي، واغتيل السادات، وعلق على ذلك بقوله: "كنت حاسس إن رحيله في هذا الوقت نعمة، بغض النظر عن أنه اغتيل، لأنى ضد الاغتيال". علاقة دافئة ب "مبارك" واتسمت علاقة "الخال" بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بالدفء، فكان الكثير من الأوبريتات الغنائية التي تغنى في حفلات "مبارك" من تأليف الأبنودي، ومنحه مبارك جائزة الدولة التقديرية عام 2001. معارض ل"مرسي" وعرف "الأبنودي" بالشاعر المعارض لنظام حكم جماعة الإخوان المسلمين المتمثلة في المعزول محمد مرسي، وكان من أشد المؤيدين للخروج على مرسي في 30 يونيو 2013، وله قصائد في مدح هذا التظاهرات. مدحه في "السيسي" وأعلن الأبنودي، دعمه للرئيس عبد الفتاح السيسي مع إعلان ترشّحه لانتخابات الرئاسة الأخيرة، وكتب فيه أكثر من رباعية في ديوانه الأخير "الرباعيات"، واحتفظ بعلاقة طيبة مع "السيسي"، وكان في مقدمة المثقفين الذين التقوا به عقب انتخابه ضمن وفد من المثقفين المصريين الذين التقوه، وله قصيدة في مدحه. "السيسي" ناعيه ورحل "الخال" عن دنيانا في 21 أبريل 2015، وفور علم "السيسي" بنبأ الوفاة هم بالاتصال هاتفيًا بأسرة الفقيد لتقديم واجب العزاء، بحسب بيان للرئاسة. وجاء في بيان الرئاسة "أن مصر والعالم العربي فقدا شاعرًا عظيمًا وقلمًا أمينًا ومواطنًا غيورًا على وطنه وأمته العربية". وأضاف البيان لقد "أثرى شعر العامية من خلال أشعاره وأزجاله الوطنية التي عكست أصالة المواطن المصري وواقع البيئة المصرية، لاسيما في صعيد مصر، وعبرت عن الوطن في أفراحه وأحزانه، وفي انتصاراته وآلامه، وسيظل الفقيد وعطاؤه الممتد، رمزًا وطنياً وعربياً نفخر بأنه من أبناء مصر الأوفياء الذين أضافوا إلى سجل إبداعها فصلاً ثرياً زاخراً بصدق المعاني وروعة الأسلوب".