هذا لسان حال الصابرين، أغنية أحمد شيبة «آه لو لعبت يا زهر» تنتشر، تتوغل، تحولت فى غضون أسابيع إلى ما يشبه النشيد القومى، من التوك توك إلى الميكروباص حتى رنات الموبايل، «آه لو لعبت يا زهر واتبدلت الاحوال»، البلد يعزف لحنه الحزين، وصوت «شيبة» المجروح يلمس القلوب الملتاعة، يحزن البيوت الخاوية من الزاد، «بس خلاص أنا نفسى اتسدت بعد ما إيدى للواطى اتمدت»!!
شيوع هذه الأغنية من صالات السينما فيلم «أوشن 14» إلى الأزقة والحوارى والشوارع مؤشر على التحول الحادث فى المزاج الشعبى العام نحو أغانى الحزن والألم والشكوى ووقف الحال وضيق ذات اليد، الناس أيديها ممدودة للسلف والقروض على المرتبات، مرتبات الموظفين رهينة للبنوك «الحَوْجة مُرَّة وياما بهدلت أبطال».
كنا ودعناها، الله يرحم رمضان البرنس و«عملت إيه يا زمن»، عدنا إلى أغانى الحزن ومواويل الصبر مجدداً، الناس تعبانة، محزونة، تضج بالشكوى، لا تسمع فى الجوار إلا الشكوى، الكل يشكو مُرَّ الشكوى، لعل آذان كبار المسؤولين تلقط مقاطع هذا اللحن الحزين.
هذا مؤشر حزين، لو كنت من رئيس الوزراء شريف إسماعيل لتوقفت ملياً أمام شيوع أغانى الشكوى والألم والصبر، لذهبت سريعاً إلى بحث هذه الحالة من الحزن الوطنى، حتما ولابد أن يتوقف ملياً أمام هذه النبرة الحزينة التى تلمس مع المصريين، ولَسعيت سعياً لإحداث نقلة فى المزاج الشعبى، والعمل على إشاعة الأمل محل الألم، ضخ دفقات من الأمل فى عروق تيبست من الحزن.
الناس اتحوجت يا باشا، تبات مكسورة الخاطر، تصحو على نغم حزين، اسمع يا شريف باشا هذا المقطع: «كسر بخاطرى ساعتها ودوقنى ضيقة الحال.. أعمل معاه الصح أنا واسنده لو مال».. ممكن تسنده بالمال لو مال.. شوية سيولة لله، الميه نشفت، والحالة جيم، ضنك!
«شيبة» كالطير يرقص مذبوحاً من الألم، واللى بيشكى حاله لحاله، واللى بيبكى على مواله، ويشكو ضيق ذات اليد، مع أنه لم يقصر أبدا مع الوطن، حتى بيصبَّح على مصر بجنيه من كارت الشحن، وواقف جنب وطنه فى المحن وكمان طويل البال، صحيح طولة البال تبلغ الأمل، وحبال الصبر طويلة، ولكن استمرار الحال من المحال، والصبر فرغ من صبرى، «آه لو لعبت يا زهر واتبدلت الاحوال»، إمتى تتبدل الأحوال يا عمنا؟
«وركبت أول موجة فى سكة الأموال، وأكون طويل البال، وأعرفه إن الفلوس ما بتعملش رجال، الحَوْجة مُرَّة وياما بهدلت أبطال»، أبطال الشعب المصرى لايزالون أبطالاً، أبطال ينحتون فى الصخر، وراضيين بالحال، وينتظرون أملاً لو لاح، مَن يشيع الأمل فى النفوس العطشى، مَن يحمل لهم أملاً فى الغد القريب، إمتى الزمان يسمح يا جميل!
«اللى له قرش ما بينامش، ما بالك بقى باللى عليه»، كلنا إلا المحظوظين علينا، الناس مديونة لبعض، واللى عليه دين مبينامش، يجافيه النوم، البلد سهرانة تعد الديون، لا ينام إلا أبوقلب خالى، لا ينام جائع أو خائف أو مديون، الحمد لله على الأمن، ومستورة والحمد لله، ولكن الناس مديونة لبعضها، تكمل شهرها بالسلف بالدين، كم من مستورين أفلسوا وصاروا مديونين، والدين مذلة بالنهار وهمّ بالليل، والليل طال، وصبح وما الإصباح منك بأمثلِ.
أغنية «شيبة» لحن صارخ بما آل إليه الحال والأحوال، «شيبة» يراهن على الزهر، آه لو لعبت يا زهر واتبدلت الاحوال، ويتشعلق بلو، ولو حرف أصلاً متشعلق فى الجو، والناس متشعلقة جواً فى حبال الأمل وهى تقف على الأرض، وصبر جميل!.