أجيال على مدار قرن من الزمان، سياسيون ودبلوماسيون، كتاب وصحفيون، وفنانون، وزراء وسفراء، ومندوبو رؤساء دول وأمراء، حاليون وسابقون، توافدو على العزاء الرسمي، الذي أقامته الدولة للقيمة والقامة الراحلة، شيخ الصحفيين، محمد حسنين هيكل، الذي قضى 94 عامًا، منذ عهد الملك فاروق الأول، وحتى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، مر خلالهما ب10 شخصيات حكمت مصر، من الملكية للجمهورية، ومن الثورية للعسكرية، ومن الإسلامية للمدنية، جعلته شاهدًا على القرن، ومجاورًا لمطبخ صناعة القرار، ومستشارًا له قبل صدوره إن غاب حضوره، فلقب «حاكم مصر الفعلي»، الذي حظي به في عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر لم يكن من فراغ، بل جاء نتيجة اعتماده عليه فى معظم الأمور، وقت أن كان رئيسًا لتحرير جريدة الأهرام. الوضع لم يختلف كثيرًا فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ولمن لم يقرأ التاريخ السياسي من الأجيال الشابه، علىه بمشاهدة فيلم «ايام السادات»، والذي أظهر القائمون عليه دوره التاريخي فى غرف صناعة القرار المغلقة فى مصر. بدأت شمس «هيكل» تغيب عن المشهد السياسي، فى أوائل حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ليعتزل الكتابة المنتظمة عام 2003، ويظل أدق وصف له،الذي قاله أنتوني ناتنج (وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية في وزارة أنتوني إيدن) ضمن برنامج عن محمد حسنين هيكل أخرجته هيئة الاذاعة البريطانية ووضعته على موجاتها يوم 14 ديسمبر 1978 في سلسلة «صور شخصية»: »عندما كان قرب القمة كان الكل يهتمون بما يعرفه... وعندما ابتعد عن القمة تحول اهتمام الكل إلى ما يفكر فيه»، ومن هنا تصاعدت وتيرة الكتاب والصحفيين ووسائل الإعلام العربية والعالمية، للتطلع نحو «ماذا يدور فى ذهن الاستاذ». محطات لا تحسب قاد فيها هيكل قطار الحياة السياسية فى مصر، فمؤلفاته وكتاباته، ومشاركاته الدولية ظلت شاهدًا على التاريخ المعاصر لمصر، وستظل لأمد التاريخ. يقول واصل طه، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي، إنه حضر من مدينة الجليل بفلسطين، ليقدم التعازي فى الفقيد، والذي وصفه بالمدرسة فى السياسية والدبلوماسية والإعلام، مضيفًا: «تقبلنا الخبر بحزن شديد». ويضيف واصل: التقيت الفقيد أكثر من مرة، وتحدثنا عن صمودنا فى 1948، وكان دومًا مساندًا لنا ومطلعًا على قضايانا. وقال المفكر السياسي، الدكتور مصطفى الفقي، نشعر بالحزن لفقدان شخصية وقامة كبيرة، فى تاريخنا الوطني، فكان الفقيد ضمير أمة، وكان له دور دائم لا يتأرجح ولا يتغير، وكان يحدد بوصلة الاتجاه الصحيح للدولة المصرية فى كل العهود، وكان أقوى من كل المناصب والقلادات والأوسمة. ووصف كمال ابو عيطة، وزير القوى العاملة السابق، إن مصر تمر بحالة من اليتم الفكري، بعد رحيل الاستاذ محمد حسنين هيكل، موجهًا رسالة لمن اسماهم بالمخبرين: «أمامكم درس عظيم فى نموذج هيكل». فيما رآي فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، أن الراحل، رمز عظيم لا يمكن أن يتكرر عبر التاريخ. وقال الدبلوماسي، الليبي، أحمد قذاف الدم، لن ننسي للاستاذ مواقفه العظيمة معنا ومع أمتنا، مضيفًا: «عرفنا هيكل قبل الأهرام رفيقًا لعبدالناصر، بدوره الصحفي والقومي فى الدفاع عن الأمة وسيظل رمزًا من رموز الصحافة العربية تستحق الاحترام». ووصف الدكتور أحمد دراج، رحيل هيكل بأنه: «أخر الرجال المحترمين»، مضيفًا: رجل يحمل تاريخ وأسرار مصر على مر 3 مستويات، وصولًا إلى الأن. وطالب الكاتب الصحفي محمد عبدالقدوس، بتفعيل مشروع هيكل لتكريمه، قائلًا: «نحن بحاجة إلى هيكل جديد يطور الصحافة الألكترونية»، مضيفًا: «يشرفني الانضمام للتيار الإسلامي، واحترمه، فهو كان ينضم لمصر وليس لتيار بعينه، فهذا جيل العمالقة، وأعرفه منذ طفولتي». وقال الكاتب الصحفي، عبدالحليم قنديل، هيكل عاش طويلًا بالطول والعرض والعمق، وظل حتى موته بلا سلطة، وخارجها وضدها، وعلاقته بجمال عبدالناصر لم تكن علاقة صحفي بسلطان، وجعلته فوق السحاب والمنافسة. ونعي الكاتب الصحفي عادل صبري، رحيل الاستاذ، قائلًا: «اتفقنا او اختلفنا معه، لكن نتفق على مهنيته الكبيرة، فقد كان علمًا بين الصحفيين، على مستوى العالم، وأصبحت الساحة الإعلامية خالية من الريادة، ورحلت برحيله». ووصف صبري، الراحل بأنه كان صحفي شامل، يتمتع بثقافة غزيرة وواسعة، وعلاقات منحته القدرة على الأعمال التاريخية، التى تدخل فى منهج البحث العلمي الرفيع. وعلق الكاتب الصحفي، جمال فهمي، على فقدان هيكل، قائلًا: «ما حققه من مكانة لم يكن صدفة، بل كان حصيلة موهبة أدبية وفنية وصحفية، ولم يكتفي بل ثقف نفسه وأطلع حتى النفس الأخير»، مضيفًا: «ترك للأمة نموذج يعلم أجيال مقبلة». فيما اعتبر حمدين صباحي، مؤسس التيار الشعبي، أن هيكل كان أعظم رجل يمثل القوة الناعمة للوطن العربي، واصفًا رحيل هيكل، بالخسارة العالمية، مضيفًا: «هيكل كان نموذجا لبناء الأهرام، وعندما تركها لم ينقص ذلك من قدره». وقال الحقوقي، سعد الدين إبراهيم، نرجو أن يعوضنا الله عنه خيرًا، فالاستاذ ترك ألاف من التلاميذ، وكان مدرسة، وظل يتعلم ويعلم حتى نفسه الأخير. ووجه إبراهيم، رسالة لتلامذة هيكل بأن يسيروا على دربه وطريقه، وأن يعوضوا مصر عن فقدانه. وقال الحقوقي، خالد على، إن كفائة الفقيد ومهنيته، فرضت عليه النجاح، مؤكدًا أنه شكل وعى الكثيرين وصناعة القرار فى مراحل مختلفة من حياتنا. وقال الكاتب الصحفي، حسام عيسي، إن هيكل منذ أن ترك الأهرام، وهو يحاول الدفاع عن مشروع النهضة العظيم، موجهًا حديثه لشباب الصحفيين، بأن يسيروا على درب المهنية الرفيعة، وأن يربطوا كتاباتهم بقضايا الوطن. وأوصي الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد، شباب الصحفيين بأن يرعوا تراث هيكل الصحفي، وأن يتأملوا سياسة هيكل العملية.