جرجس صفوت- أسماء حسنين - شيماء عبدالغنى سُجن منذ عامين بسبب ارتدائه «تى شيرت» مدون عليه «وطن بلا تعذيب» فى زنزانة بنى مزار بتهمة ازدراء الأديان.. وإحالة 8 آخرين إلى الجنايات بسبب مظاهرة أطفال صغار لم يرتكبوا جرائم قتل أو فساد لكنهم فقط عبروا عن آرائهم بأشكال وطرق مختلفة ربما نرفض طريقتهم فى التعبير عن الرأى، وبالتأكيد نرفض تسمية هذه الآراء التى تتسق مع صغر أعمارهم وقلة خبرتهم فى الحياة. كان لكل منهم طريقته فى التعبير عن رأيه لرفض الواقع، بعضهم ارتدى «تى شيرت» مدوناً عليه عبارة ترفض بعض سياسات النظام، وآخرون وجدوا ضالتهم فى مسيرات ومظاهرات انضموا إليها سواء عن قصد أو غير قصد، لكنهم تلاقوا جميعاً داخل الزنازين. صغر سنهم لم يشفع لهم لعدم دخول السجن، بعضهم محبوس منذ عامين، وآخرون تمت إحالتهم للجنايات، رغم أن ذلك يتعارض مع المواثيق الدولية وقوانين حقوق الطفل، التى كفلت حق حرية التعبير عن الرأى لكل طفل.. «الفجر» تفتح ملف سجناء الرأى من الأطفال. 1 حكايات من خلف القضبان محمود، الطفل الذى لم يتجاوز عمره 12 سنة، أصبح سجيناً سياسياً بعدما تم القبض عليه، لمجرد ارتدائه «تى شيرت» مدون عليه عبارة «وطن بلا تعذيب».. فى حينها لم يكن يعلم معناها، إلا بعدما تم القبض عليه يوم 24 يناير 2014، أى منذ قرابة ما يزيد على عامين، دون مشاركته فى أى مظاهرات أو احتجاجات، وإلى الآن لا يزال محمود خلف قضبان السجن تحت طائلة الحبس الاحتياطى، رغم أن المحكمة إلى الآن فى جميع جلسات المرافعة لم تبد أى أسباب لحبس هذا الطفل. ربما تبدو الواقعة غريبة لكن محمود لم يكن الطفل الوحيد الذى تم القبض عليه لمجرد تعبيره عن الرأى أو حتى مجرد ارتدائه لتى شرت مطبوع عليه لفظة أو كلمة لا يريدها النظام، ولكن تكررت الواقعة مع أربعة أطفال آخرين أعمارهم تتراوح ما بين «14 – 16 سنة» هم محمد أشرف، عبد الرحمن صالح، محمد أسامة جعفر، ومحمد أحمد، تم القبض عليهم فى محافظة السويس، لمجرد ارتدائهم الأربعة «تى شيرت» مدون عليه عبارة باللغة الإنجليزية فسرها رجال الشرطة بأنها تسىء لوزارة الداخلية. الغريب أن الأمر تطور إلى قضية تنظرها محكمة السويس تحمل رقم 8324، ووجهت إليهم تهمًا عديدة منها التجمهر أمام دائرة قسم الأربعين بغرض منع وتعطيل القوانين واللوائح والتأثير على رجال السلطة العامة فى أداء أعمالهم باستعمال القوة وتهديد السلم العام بأن تجمعوا فى شارع عمربن عبد العزيز بدائرة قسم الأربعين معطلين الحركة المرورية للسيارات. الأطفال فى أقوالهم أكدوا عدم فهمهم لكثير من هذه العبارات والتهم، معربين عن استغرابهم، مؤكدين أنهم لم يتظاهروا أمام القسم على الإطلاق. 2 من مظاهرة فى الجامعة إلى السجن مباشرة لم يكن يدرك كريم وأحمد وشادى وصهيب وخالد وعمر ويوسف وعبدالله، الطلاب بجامعة المنصورة، الذين لم يتجاوز عمرهم 17 سنة، أن تنظيمهم لمظاهرة داخل أسوار الجامعة للتنديد بمعاملة بعض الأساتذة لهم، وممارسات وزارة الداخلية، تكون سبباً فى وضعهم خلف القضبان رغم كونهم أطفالاً طبقاً لقوانين حقوق الطفل. هؤلاء الأطفال تمت إحالتهم لمحكمة جنايات المنصورة، وحبسهم فى القضية رقم «6675» فى عدة تهم من بينها الانضمام إلى جماعة الإخوان الإرهابية، والدعوة إلى تعطيل الدستور وأحكام القانون، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين، وتكوين عصابات لمهاجمة الشرطة وأساتذة الجامعات، وحيازة منشورات لمهاجمة الشرطة، وإشعال النيران فى السيارة الخاصة بأحد أعضاء هيئة التدريس. قضية مشابهة بقرية مطاى بمحافظة المنيا اتهم فيها محمود أحمد زغلول، ونجل شقيقه حاتم أحمد زغلول البالغ من العمر «17 سنة»، الذى وجهت له عدة اتهامات فى القضية رقم 8473 من بينها الانتماء لجماعة إرهابية محظورة، بالإضافة إلى الاشتراك مع مجهولين فى ارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص والممتلكات واستعراض قوة وشروع فى قتل واستعمال قوة مع موظفين عموميين وتخريب مبانٍ مملوكة للدولة وإتلاف أموال عامة بمركز شرطة مطاى، بالإضافة إلى تعطيل أعمال مركز شرطة مطاى، وإتلاف الدفاتر والسجلات الأصلية من أوراق المصالح الأميرية الخاصة وإحراز بنادق وأسلحة وخرطوش وأسلحة بيضاء وأدوات حارقة كالمولوتوف والانتماء لجماعة غرضها تعطيل الدستور والقانون واللوائح، والإضرار بالوحدة الوطنية. ورغم قائمة الاتهامات فإن المواثيق الدولية ترفض حبس الأطفال «تحت سن 18 سنة طبقا للقانون»، حيث يتم إيداعهم فى بيوت إصلاحية خاصة بهم. 3 اللعب فى المنطقة المحرمة من أكثر النماذج سخونة وإثارة الجدل واقعة أطفال «بنى مزار»، لأن الواقعة تتعلق بتهمة ازدراء الأديان، ونحن نرفض أى إهانة أو سخرية من كل الأديان، ولا نتدخل فى أعمال القضاء المصرى الشامخ، لا هذا ولا ذاك.. لكن قبل أن تصدر حكماً على هؤلاء الأطفال اقرأ كيف انتهى لعبة أطفال، بالوصول إلى غياهب السجون. تفاصيل الواقعة بدأت – بحسب كلام ماهر نجيب، المحامى بالنقض والمحكمة الإدارية العُليا، ودفاع المتهمين الخمسة، بانطلاق الأطفال الأربعة مع مدرسهم والذى يخدمهم فى ذات الوقت بالكنيسة الرسولية التابعة للطائفة البروتستانتية فى مصر، فى مؤتمر روحى ترفيهى بأحد الفنادق الكائنة بمنطقة إطسا بمركز سمالوط بمحافظة المنيا، فى الفترة التى أعقبت حادث ذبح تنظيم داعش الإرهابى ل20 مسيحيًا مصريًا من نفس المحافظة، من العاملين بدولة ليبيا الشقيقة. الأطفال رغبوا فى تقليد مشهد تمثيلى عن «داعش»، فبدأوا المشهد بأداء الصلاة الإسلامية كونهم أعضاء فى داعش، ثم قاموا بتمثيل مشهد الذبح فى أحد زملائهم، على غرار فيديو ال20 مصريًا. الأمر لم يُعجب مدرسهم بالمدرسة وخادمهم فى الكنيسة، ما دفعه إلى تصويرهم بواسطة كاميرا الهاتف الجوال، لإدانتهم على فعلتهم، وحتى لا يتمكن أحدهم من إنكار الواقعة، مؤكدًا أن ما يثبت صحة ذلك هو عتاب أحد الأطفال لمدرسهم فى نهاية الفيديو قائلًا له:"أنت بتصورنا ليه يا أستاذ.. أنت زعلان ولا إيه؟». الأمر انتهى عقب توبيخ المدرس للأطفال على تقليدهم ل"داعش»، لكنه نسى أن يمسح الفيديو المصور من ذاكرة هاتفه، ما جعله يقع فى يد البعض وتسريبه، فى إشارة إلى أن الأمر عندما انتشر بالمنيا لم يرو بشكل صحيح ولكن بعض المتشددين استغلوا الأمر فى تأجيج نار الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، بعدما نشروا شائعات كثيرة حول الفيديو من قبيل أن تتضمن مشاهد تعدى الأطفال الأربعة على فتاة مسلمة محجبة أثناء تأديتها فروض الصلاة، وخلع الحجاب عنها عنوةً، ما جعل الأمور تزداد سوءًا، لاسيما أن البعض لم ير الفيديو. أسفرت الشائعات- حسبما أكد «نجيب»، عن قيام مظاهرات ومسيرات للتنديد بما لم يفعله الأطفال المتهمون، نتجت عن الاعتداء اللفظى والنفسى على منازلهم وكنائسهم والكنائس المحيطة بهم، مؤكدًا أن رجال الأمن نجحوا فى حماية الأطفال وذويهم من الاعتداء والإيذاء البدنى. لكن الأمر أسفر فى النهاية عن إلقاء القبض على المدرس والأطفال الأربعة، فى إبريل 2015، رغم أن القانون الدولى والمصرى- بحسب كلام نجيب- ينص على عدم جواز حبس القاصر مع البالغ فى زنزانة واحدة، مؤكدًا أن ما حدث هو عكس ذلك تمامًا ما يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون -على حد قوله-. خلال التحقيقات وجهت النيابة أسئلة عديدة للأطفال عن دوافعهم لتمثيل هذه المشاهد، والمحرض لهم على السخرية من شعائر المسلمين وعن المكان والزمان وعمن علمهم طريقة الصلاة الإسلامية، وتوحدت أقوال الأطفال الأربعة- بحسب دفاعهم- فى رغبتهم من تقليد داعش وليس السخرية من إخوانهم المسلمين نهائيًا، نافين وجود أى اتفاق مسبق بينهم وبين المدرس المتهم معهم. النيابة قررت إخلاء سبيلهم بعد ال45 يومًا، بكفالة 10 آلاف جنيه، وأشار نجيب إلى أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة الأنبا أثناسيوس أسقف بنى مزار، كان لها دور فى الأزمة حيث تبرع الأب عازر راعى كنيسة الناصرية، بمبلغ مالى مشاركة فى وليمة الصلح التى أقامها أهالى الأطفال الأربعة، لإطعام البلدة بأكملها من اللحوم، دليلًا على المصالحة. 4 حقوقيون ونشطاء يستنكرون هذه الواقعة- بحسب كلام مينا ثابت، مدير برنامج الأقليات والفئات المهمشة والمستضعفة، بالمفوضية المصرية للحريات، لم تكن هى الأولى، كاشفاً فى تصريح خاص ل«الفجر»، فى مطلع أكتوبر 2012 بقرية عزبة ماركو التابعة لمركز الفشن ببنى سويف، تم احتجاز الطفلين المسيحيين «نبيل نادى رزق» 9 سنوات، و «مينا نادى فرج» 10 سنوات لقرابة الثلاثة أيام بعد أن واجها اتهاماً بازدراء الأديان على خلفية إدعاء أحد الأهالى أنهما قاما بتمزيق القرآن. حذر«ثابت» من تحول قضايا ازدراء الأديان، إلى شبح يطارد أصحاب الفكر والرأى، مشددا على ضرورة التزامات مصر الدستورية والدولية تجاه الحق فى حرية الرأى والتعبير، والحق فى حرية الاعتقاد وفقاً للمواد 64، 65 من الدستور المصرى و18، 19 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، مطالبًا البرلمان المصرى بسرعة تعديل المادة «98» من قانون العقوبات وتنقيح جميع النصوص القانونية التى تشوب التشريعات المصرية وتمثل انتهاكاً للالتزامات الدستورية والدولية سواء للحق فى حرية الرأى والتعبير، والحق فى حرية الاعتقاد. والجدير بالذكر أن قضية سجن أو احتجاز أطفال قيد التحقيقات قد أثيرت فى حكومة الدكتور الببلاوى وذلك من خلال اجتماع مغلق ضم كلاً من الرئيس السيسى حينما كان نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع، ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم ووزير الخارجية السابق نبيل فهمى وفى الاجتماع طرح نبيل مشكلة احتجاز نحو 150 طفلاً تحت سن ال18، قال فهمى: إن منظمات المجتمع الدولى ومنظمة يونيسيف تصدر بيانات شبه يومية حول هذه الواقعة، ما يضر بسمعة مصر الدولية واقترح الإفراج عن الأطفال رغم شبهة انتماء بعضهم للجماعة الإرهابية وهو ما تم بالفعل.