سؤال، قد يكون الأصعب، والأكثر رُعبًا لدى قطاع كبير من ممتهني الصحافة في مصر الآن.. يقول المثل الشعبي "أهل مكة أدرى بشعابها"، هذا المثل العبقري منحني الكثير من الحقوق؛ لأطلق جرس إنذار للقائمين على صناعة الصحافة المصرية، وأخص بالذكر، المكترسون لمستقبل صاحبة الجلالة. أنا واحد من أهل مكتكم، تلك التي تغير حالها كثيرًا في الخمس سنوات الأخيرة، تغيرًا قد يراه هذا للأسوأ، وقد يراه ذاك للأحسن، المؤكد، هو أنكم وحدكم، ووحدكم، ثم وحدكم من تتحملون نتيجة ما آلت إليه الصحافة المصرية، عليكم أن تعترفوا ببعض خطاياكم، تلك التي سأفند لكم منها بين سطور هذا المقال ما شاء الله لي أن أذكره. اسمحوا لي أن ابدأ من ثورة يناير 2011، تلك التي لعب دور البطولة المطلقة فيها الشباب، ومع وفرة "الموبايلات" ذات الكاميرات، حاول الشباب توثيق ثورتهم بتصويرها، كلٌ في مكانه، الأمر الذي دعى قناة الجزيرة الإخبارية، للحصول على تلك الفيديوها بأي ثمن، ومن ثم عرضها للمشاهدين، عبر شاشتها التي كانت حتى ذلك الحين، المنفذ الإعلامي الوحيد الذي ينقل الشوارع للبيوت. فطن سريعًا كبار صحفيو مصر آنذاك لأمرين، أولهما، أن الأحداث السياسية بشقيها السلمي والمسلح داخل مصر ستبدأ بتنحية مبارك، وثانيهما، استغلال الشباب وحيويتهم وخفة حركتهم في نقل الحدث، ولو بالتصوير عن طريق "الموبايل"، فتأسست صحف واُنشئت مواقع إخبارية جديدة، اعتمدت في الأساس على هذين السببين فقط، اللذان تكفلا وحدهما بمنافسة المحتوى الإخباري الذي تقدمه الصحف القومية ومواقعها الإخبارية، فالشباب وحدهم هم من جعلوا للصحف الخاصة والحزبية وزنًا في الخمس سنوات الأخيرة. ولم يكن صعبًا على أحد، أن يستغل أحلام هؤلاء الشباب، وشغفهم بمهنة الصحافة، وهنا انعقدت الصفقة بين الطرفين بدون شهود ولا عقود ولا اتفاق، صفقة بين الصحيفة أو الموقع الإخباري، وبين الشاب، وهي "تجيب لنا صور وفيديوهات من الشارع للي بيحصل، واحنا هنخليك صحفي، وهنطلعلك كارنيه يثبت لك ده"، ومع انعدام فرص العمل، والحلم بنفوذ صاحبة الجلالة، لم يكن لأيًا من هؤلاء الشباب الفرصة، في تخيل ذلك السؤال الصعب.. هتشتغل صحفي لحد إمتى؟ واحدة واحدة اللعبة احلوت، والأحداث زادت، والشباب سدادين، ونفضوا الغبار بقوة عن جوهر العمل الصحفي -الميداني، "الشغل كتير والفلوس قليلة، عادي مش مهم، بكرة ربنا يعدلها وهندخل نقابة الصحفيين"، الجملة الأخيرة دي نسفها استقرار الأوضاع نسبيًا في البلد، لدرجة إن المواقع والصحف الإخبارية بدأت تتلكك للشباب علشان تخلص منهم. وبعد ما الشاب يقضي 3 سنين أو 4 في مهنة اتعلق بيها وحلم فيها، يرجع "على باب الله"، لو حضراتكم عارفين إن ده بيحصل تبقى كارثة، ولو مش عارفين تبقى كارثتين. أقسم بالله، أنا كتبت المقال ده بعد ما عرفت إن بعض الزملاء، في صحف متفرقة، قرروا ألا يعملوا بمجال الصحافة مرة أخرى، لا أدعو لاحتوائهم، فأنا أعلم يقينًا أن قرارهم نهائيًا، ولكن فلتصنعوا أي شيء لإستيعاب مشاكل الباقون، وارحموهم من ذلك السؤال الظالم، هنشتغل صحافة لحد إمتى؟ أسئلة مش مهمة.. هي نقابة الصحفيين مصدقة إن الملتحقين بجدول "ت"، تحت التمرين فعلاً؟ هي نقابة الصحفيين مش عارفة إن الشاب بيتمرمط من 6 إلى 7 سنين علشان يدخل النقابة؟ طيب لو عارفة.. بتدخلهم جدول "ت" ليه؟ هي نقابة الصحفيين للصحفيين بس.. ولا بعض اعضاء النقابة من حملة الدبلوم؟ هنفضل في العك ده كتير؟