رحل الزعيم جمال عبدالناصر، في 28 من سبتمبر، عن عالمنا وترك مورث كبير كان يتبناه، وهو توحيد الوطن العربي والقومية العربية، التي سعى إليها الزعيم الراحل، من أجل إلعاء كلمة الأمة العربية، وتواجدها في الساحة العالمية، والتي لم تتحقق حتى الآن. وبدأ عبدالناصر، حياته في القاهرة بالدخول في عام 1925 مدرسة النحاسين الإبتدائية بالجمالية، وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبه في العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي – 1926 – علم أن والدته توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها. وقال عبدالناصر، عن أول مظاهرة اشترك فيها: "كنت أعبر ميدان المنشية في الإسكندرية حين وجدت اشتباكاً بين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات من البوليس، ولم أتردد في تقرير موقفي؛ فلقد انضممت على الفور إلى المتظاهرين، دون أن أعرف أي شئ عن السبب الذي كانوا يتظاهرون من أجله. وظهر شغف "عبدالناصر" بالقراءة في التاريخ والموضوعات الوطنية فقرأ عن الثورة الفرنسية وعن "روسو" و"فولتير" وكتب مقالة بعنوان "فولتير رجل الحرية" نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن "نابليون" و"الإسكندر" و"يوليوس قيصر" و"غاندى" وقرأ رواية البؤساء ل "فيكتور هيوجو" وقصة مدينتين ل "شارلز ديكنز".(الكتب التي كان يقرأها عبد الناصر في المرحلة الثانوية). (الكتب التي كان يقرأها عبد الناصر في المرحلة الثانوية). واهتم الزعيم الراحل، بالإنتاج الأدبي العربي فكان معجبًا بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم خصوصًا رواية عودة الروح التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني. وكشف خطاب من جمال عبد الناصر إلى صديقه حسن النشار في 4 سبتمبر 1935 مكنون نفسه في هذه الفترة، فيقول: "لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأساً على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم أن كانت مالكة العالم. ووصف عبد الناصر، شعوره في كتاب "فلسفة الثورة" فقال: "في تلك الأيام قدت مظاهرة في مدرسة النهضة، وصرخت من أعماقي بطلب الاستقلال التام، وصرخ ورائي كثيرون، ولكن صراخنا ضاع هباء وبددته الرياح أصداء واهية لا تحرك الجبال ولا تحطم الصخور". إلا أن اتحاد الزعماء السياسيين على كلمة واحدة كان فجيعة لإيمان جمال عبد الناصر، على حد تعبيره في كتاب "فلسفة الثورة"، فإن الكلمة الواحدة التي اجتمعوا عليها كانت معاهدة 1936 التي قننت الاحتلال، فنصت على أن تبقى في مصر قواعد عسكرية لحماية وادي النيل وقناة السويس من أي اعتداء، وفي حال وقوع حرب تكون الأراضي المصرية بموانيها ومطاراتها وطرق مواصلاتها تحت تصرف بريطانيا، كما نصت المعاهدة على بقاء الحكم الثنائي في السودان. ومنذ المظاهرة الأولى التي اشترك فيها "عبد الناصر" بالإسكندرية شغلت السياسة كل وقته، وتجول بين التيارات السياسية التي كانت موجودة في هذا الوقت فانضم إلى مصر الفتاة لمدى عامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف أنها لا تحقق شيئًا. وكان ل"عبدالناصر" اتصالات متعددة بالإخوان المسلمين، ولكنه عزف عن الانضمام لأي من الجماعات أو الأحزاب القائمة لأنه لم يقتنع بجدوى أيًا منها ،"فلم يكن هناك حزب مثالي يضم جميع العناصر لتحقيق الأهداف الوطنية". ووضع عبد الناصر، أمامه هدفًا واضحًا في الكلية الحربية وهو "أن يصبح ضابطاً ذا كفاءة وأن يكتسب المعرفة والصفات التي تسمح له بأن يصبح قائداً". كما قرأ "عبدالناصر" عن سير عظماء التاريخ مثل "بونابرت" و"الإسكندر" و"جاليباردى" و"بسمارك" و"مصطفى كمال أتاتورك" و"هندنبرج" و"تشرشل" و"فوش". كما قرأ الكتب التي تعالج شئون الشرق الأوسط والسودان ومشكلات الدول التي على البحر المتوسط والتاريخ العسكري، كما قرأ عن الحرب العالمية الأولى وعن حملة فلسطين، وعن تاريخ ثورة 1919. ورسخت فكرة الثورة في ذهن "عبدالناصر" رسوخًا تامًا، أما السبيل إلى تحقيقها فكانت لا تزال بحاجة إلى دراسة، وكان لا يزال يتحسس طريقه إلى ذلك. وبدأ "عبدالناصر" من جديد نشاط الضباط الأحرار وتألفت لجنة تنفيذية بقيادته، وضمت كمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسين إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وخالد محيى الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وزكريا محيى الدين وجمال سالم، وهى اللجنة التي أصبحت مجلس الثورة فيما بعد عام 1950، 1951. وبعد نجاح حركة الجيش قدم محمد نجيب على أنه قائد الثورة - وكان الضباط الأحرار، فاتحوه قبلها بشهرين في احتمال انضمامه إليهم إذا ما نجحت المحاولة - إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه جمال عبد الناصر حتى 25 أغسطس 1952 عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها جمال عبد الناصر. بيان الثورة: فى صباح يوم 23 يوليه وبعد احتلال دار الإذاعة تمت إذاعة بيان الثورة التالي: "اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها. وتابع البيان: "قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفى خُلقهم وفى وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب. أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب، وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من أية غاية، وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف.