تناقلت الأوساط السياسية والإعلامية العراقية أصداء معركة توصف ب"المصيرية" بين رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي الذي يشاركه الانتماء ل"حزب الدعوة الإسلامية". ورأى متابعون للشأن العراقي أنّ أهمية المعركة تكمن في أنّ نطاقها يتجاوز الرجلين وحزبهما إلى العراق ككل، لجهة كون الصراع بين نوري المالكي وحيدر العبادي يحمل إرهاصات ميلاد خط جديد من داخل العائلة السياسية الشيعية أكثر استقلالا عن إيران وتحرّرا من تبعية القرار السياسي لطهران، وأشدّ رغبة في التصالح مع المحيط العربي للبلاد. وحسب هؤلاء فإنّ العبادي يمثّل هذا الخطّ ويحاول السير فيه مستغلا دعم مرجعية النجف ونقمة الشارع على الطبقة الحاكمة في البلاد منذ سنة 2003، فيما يمثل المالكي الخطّ المضاد الحامي للنفوذ الإيراني، الأمر الذي يفسّر دعم طهران الواضح له. ويمثّل حزب الدعوة الإسلامية الذي يقوده المالكي وينتمي إليه حيدر العبادي ميدان الصراع الأول بين الرجلين. ونُقل عن مسؤول في الحزب قوله إنّ الأخير يشهد صراعا بين جناحي رئيس الوزراء حيدر العبادي وزعيم الحزب نوري المالكي الذي ألغي منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، ضمن حزمة القرارات الإصلاحية التي اتخذها العبادي مؤخرا. وذكر المسؤول الذي نقلت عنه وكالة الأناضول دون الكشف عن اسمه قوله إن صراع نفوذ حاد يجري بين جناحي العبادي والمالكي وإن الصراعات لإسقاط كل منهما للآخر قد بدأت. وفي معرض تعليقه على الموضوع، اعتبر المحلل السياسي العراقي، إحسان الشمري أن المالكي "لن يتنازل بسهولة، وقد يفكر بحملات سياسية أولا ومن ثمة عسكرية لتعزيز نفوذه". وأردف الشمري أن المالكي سيتجه بادئ الأمر إلى تعزيز قوة جناحه السياسي، وسيركز جهوده على ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه، وسيلجأ إلى كسب تأييد فصائل بدر وحزب الله، وعصائب أهل الحق، وكتائب النجباء التي تشكل قسما كبيرا من قوات الحشد الشعبي. ولفت الشمّري إلى أن المالكي كان قد بدأ بالفعل العمل لتعزيز نفوذه العسكري قبل إلغاء منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، مشيرا إلى أنّ الرجل "يمتلك دولة عميقة قوية". ورأى المحلل السياسي، أن المالكي "ربما يتسبب بشل العملية السياسية في العراق تماما من خلال دولته العميقة". ومن جهته قال النائب السابق بالبرلمان العراقي عزت الشابندر إنّ المالكي لا يستمد قوّته من حزب الدعوة، بل من المؤسسات والميليشيات التي أسسها بتمويل كبير واستفاد منها في أوقات مختلفة بوسائل متعددة من خلال استخدام نفوذه عندما كان رئيسا للحكومة على مدار ثمانية أعوام. وما يفسّر لجوء المالكي لحلول قصوى مثل استخدام القوّة أنه يواجه بالفعل معركة مصير إذ "يمر حاليا بمرحلة حرجة يسعى خلالها لتفادي الدعوات الشعبية المطالبة بمحاكمته عن فترة ثماني سنوات رأس خلالها حكومتين متتاليتين متهمتين بقتل الآلاف من العراقيين واعتقال وتغييب آلاف آخرين واختلاس وتبديد مليارات الدولارات وتضييق الحريات وتكريس الطائفية وتشجيع العنف واستغلال القضاء وهيئاته التحقيقية في تصفية خلافاته مع خصومه ومعارضيه السياسيين والمثقفين والإعلاميين العراقيين"، وفق ما ورد في تقرير لموقع "العباسية نيوز". كما ورد بذات التقرير نقلا عن نواب بالبرلمان العراقي أنّ المالكي كلّف لجنة إعلامية يرأسها النائب السابق علي الشلاه وتضم عددا من الصحفيين والإعلاميين الذين يعملون في القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية الإلكترونية المحلية الموالية لرئيس الوزراء السابق لتنظيم حملة كثيفة مضادة ضد خصوم المالكي والداعين لمحاسبته. كما نُقل عن النائب عن ائتلاف دولة القانون عباس البياتي القول إنّ المالكي سيقاتل بشراسة إلى آخر لحظة من حياته في الدفاع عن نفسه وأنّه "ليس صيدا سهلا كما يتوهم البعض وأنه يعد العدة للانتقال من موقع الدفاع إلى الهجوم".