تكليفات رئاسية حاسمة للحكومة ورسائل قوية للمصريين    توافد أطباء الأسنان للإدلاء بأصواتهم في انتخابات النقابة الفرعية بالقليوبية    تمريض الإسكندرية تعقد مؤتمرها الطلابي الأول    كيلو البلطي ب64 جنيها.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية بسوق العبور الجمعة    بلومبرج: ثروة إيلون ماسك تتجاوز مارك زوكربيرج ب 23 مليار دولار    طلاب هندسة الجامعة الألمانية بالعاصمة الإدارية يزورون العلمين الجديدة    ملفات ساخنة على طاولة مباحثات بلينكن في الصين.. المنافسة الاقتصادية "الأبرز".. وواشنطن تهدد بكين بورقة تايوان    مشهد مروع لاعتقال الشرطة الأمريكية أستاذة اقتصاد بجامعة إيموري بسبب غزة (فيديو)    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا    فرنسا: قوة التدخل السريع الأوروبية سترى النور العام المقبل    اليونان:لا يمكننا إرسال منظومات إس-300 إس أو باتريوت إلى أوكرانيا    اليوم، مد فترة تشغيل المترو ساعة لتشجيع النادي الأهلي    تحرير 1410 مخالفات ملصق إلكتروني ورفع 43 سيارة ودراجة نارية متروكة    حبس 3 أشخاص كونوا تشكيلا عصابيا تخصص في تجارة المخدرات    بدلا من بيعه، الشركة الصينية المالكة ل تيك توك ترضخ للضغوط الأمريكية    مايا مرسي تشيد بالمسلسل الإذاعي "يوميات صفصف" لصفاء أبو السعود    فحوصات يجب إجراؤها عقب ولادة الطفل حفاظا على صحته    ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن.. 7 أهداف ضمن الحوار الوطني    رمضان صبحي: الأهلي والزمالك الأقرب دائما للفوز بلقب الدوري    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. الأهلي ضد مازيمبي    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة الجونة للاسكواش    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    خبير: أمطار غزيرة على منابع النيل فى المنطقة الإستوائية    خزنوا الميه.. إعلان ب قطع المياه ل12 ساعة عن هذه المناطق    حصول 4 معاهد أزهرية على الاعتماد والجودة رسمياً بالإسكندرية    بدون إصابات.. إنهيار أجزاء من عقار بحي الخليفة    حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي يوم الخميس    القناة الأولى تبرز انطلاق مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته العاشرة    فضل قراءة سورة الكهف ووقت تلاوتها وسر «اللاءات العشر»    تؤجج باستمرار التوترات الإقليمية.. هجوم قاس من الصين على الولايات المتحدة    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان في الولايات المتحدة    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    استقرار أسعار الدولار اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    واعظ بالأزهر: الإسلام دعا إلى صلة الأرحام والتواصل مع الآخرين بالحسنى    أماكن الاحتفال بعيد شم النسيم 2024    اعرف الآن".. التوقيت الصيفي وعدد ساعات اليوم    «إكسترا نيوز» ترصد جهود جهاز تنمية المشروعات بمناسبة احتفالات عيد تحرير سيناء    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    التوقيت الصيفي في مصر.. اعرف مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    الزمالك يزف بشرى سارة لجمهوره بشأن المبارة القادمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روف الثورة | الغرفة السرية التى تحكم مصر
نشر في الفجر يوم 03 - 07 - 2015

كثير ممن وصفوا حشود يناير بالثورة هم أنفسهم الذين وصفوها فيما بعد بالمؤامرة.. وربما.. اعتبروها عورة.
كان على رأس هؤلاء بالتأكيد اللواء حسن الروينى.. وشهد الرووف مناقشات حادة بينه وغالبية الحضور الذين عارضوه.. بل.. وهاجموه.. وسبق أن أشرت إليها.
وذات ليلة وجدته يفرط فى شرح ما وصفه بأبعاد المؤامرة.. وبحكم موقعه فى السلطة شعرنا أنه يملك من الخبايا ما لا نعرف.. لكنه.. فى الوقت نفسه كان يمسك عن كشف ما لديه من أدلة.. ربما لحساسية منصبه.. وربما بتعليمات من قيادته.
لكنه.. فى تلك الليلة وجد دعما ومساندة من أسامة هيكل رئيس تحرير الوفد وقتها.. وهو كاتب صحفى جرىء.. يعبر بسهولة عما يؤمن به.. عمل مراسلا عسكريا فترة فى حياته المهنية.. ودرس فى أكاديميات عسكرية دورات متخصصة ساندت موهبته المهنية.
بعد يومين كتب أسامة هيكل افتتاحية الوفد.. مستوحيا مناقشات الرووف.. ملقيا بظلال الروينى على كلماته.. ولم تمر سوى أيام قليلة حتى اختاره كمال الجنزورى وزيرا للإعلام فى حكومته.. ليصبح ثانى عضو فى الرووف بعد أحمد زكى بدر يصل إلى ذلك المنصب الرفيع.
وينسب إليه أنه أول من وقف بالمرصاد لقناة «الجزيرة مباشر» وأغلق مكتبها فى القاهرة.. فى وقت كانت علاقات القاهرة والدوحة سمنا على عسل.. وكانت مبررات الغلق قانونية وإدارية.. فالقناة تبث من القاهرة بلا ترخيص.. فى حالة من الفوضى الإعلامية والسياسية يصعب قبولها.
وللإنصاف فإن تعيينه وزيرا لم يفقده تواضعه ولم يجبره على مقاطعة جلسات الرووف كما فعلت شخصيات إخوانية أخرى مثل محمد على بشر فيما بعد.
وجرت مناقشة حادة بينه وبين عصام سلطان حول غلق القناة.. ودعم سلطان كل أنصاره من حزبى الحرية والعدالة والوسط بجانب قيادات الإخوان وشخصيات ليبرالية أخرى لم تكن ترى ما يدبر لمصر من مؤامرات فى ذلك الوقت.
ولا شك أن قطر كانت رأس حربة.. ومقر فتنة.. وجسرا خفيا بين الغرب والإخوان.. ومولت الجماعة بأموال وصلت الدفعة الأولى فيها فى يناير 2011 إلى مليار دولار.
وحسب ما سمعت من محمد حسنين هيكل مباشرة فإن أمير قطر حمد بن خليفة اعترف له بذلك قائلا: «إنه تمويل لدعم التحول الديمقراطى فى مصر».
ومن جانبه أضاف وزير الداخلية اللواء محمود وجدى: إن مبارك أبلغه بدخول الأموال القطرية إلى مصر.. لكنهم رغم مراقبة غالبية المنافذ لم يكتشفوها إلا فيما بعد عندما علموا بتهريبها من مطار برج العرب.
لكن.. ذلك كله ظل بالنسبة لغالبية المشتغلين بالسياسة والمهتمين بها مجرد تصورات أو خرافات ما لم تؤيده وثائق أو مستندات.. لكن ليس الحصول على الوثائق والمستندات أمرا فى غاية الصعوبة.. وربما دخل فى دوائر المستحيل.
على أن القدر لم يبخل علينا بما نريد.. فقد فوجئت بشخصية تلعب دورا مباشرا ومؤثرا فى السلطة التى حكمت مصر بعد مبارك تقدم لى حقيبة بنية اللون بداخلها صورة من التقارير التى سجلتها الأجهزة الأمنية فى الفترة ما بين قيام ثورة يناير وتنحى مبارك عن الحكم.. ويشهد على ذلك شخصيات فى الرووف عرفت بالواقعة.. كما يشهد عليها محام وثيق الصلة بتلك الشخصية.. وأعتذر عن ذكر الأسماء لاعتبارات مفهومة ومقدرة.. عدم الإحراج.
يضاف إلى ذلك.. أن كثيرا من الشخصيات التى شهدت مناقشات الرووف جاء ذكرها فى تلك التقارير مما يتيح لنا تصحيح أو تأكيد ما ذكر عنها إذا ما قرأت.
وقد نشرت بعضا من تلك المستندات فى حينها نشرا صحفيا عابرا.. ولكن.. مع تغير المواقف وتعدد الانقلابات الشخصية والسياسية لنشطاء دبروا وشاركوا وتغيروا تصبح قراءة الوثائق الآن مختلفة وكاشفة.. فالحقيقة مثل كل الثمار الشهية تحتاج وقتا حتى تنضج.
وفى كل الأحوال فإن هذه الوثائق مهما كان مصدرها جزء من تاريخ ثورة يناير يصعب تدوينه دون الرجوع إليها.
لقد سمعنا قصة يناير من مفجرى الثورة.. وسمعناها من المشاركين فيها.. وسمعناها من المحرضين عليها والمساندين لها والحالمين بها.. وكلهم يقفون فى جانب واحد وصف واحد وإن اختلفت الأفكار وتنوعت الأدوار.. لكننا.. لم نسمع الطرف الآخر.. طرف النظام المهزوم.. إن من حق القتيل أن يصرخ ولو بكلمة ألم.
فى الوقت نفسه.. لا قصة تستحق أن تروى لو كتبت من طرف واحد.. ولو كان الطرف المعبر عن الخير.. ستفقد القصة عقدتها الدرامية.. عقدة الصراع والتشويق والجاذبية التى تجبرنا على حبس أنفاسنا ونحن نتابعها.. وإلا ستصبح القصة فى النهاية مجرد تقرير ممل.. يفتقد الموضوعية قبل أن يفتقد الأهمية.. مجرد دعاية شخصية فاترة لبطولة لا دليل عليها سوى ما يقوله أصحابها.
الدليل الدامغ لا يأتى إلا من الخصم.. والشهادة تتضاعف قيمتها لو جاءت من العدو.. والعدو هنا النظام برجاله وتصرفاته وأجهزته الأمنية الخفية التى راقبت وتنصتت ورصدت وتابعت واعتقلت واستحوذت واستجوبت وكتبت تقاريرها السرية عما جرى فى أسود أيامها.
لقد وضعت هذه التقارير على مكتب مبارك يوما بعد يوم.. وساعة بعد ساعة.. ولكنه.. لم يقرأها.. ولم يكن وحده الذى أهملها.. فكل من وصلت إليه من الكبار أصحاب المقامات والهامات تجاهلها أيضا.. فما تقذف به الأحداث كانت تتجاوزه الأوراق.
التقارير ترصد ما جرى فى الأيام الحرجة التى سبقت سقوط مبارك.. وتركز على الفترة ما بين 30 يناير و9 فبراير.. ما بين انهيار الأمن العام والنظام العام.. ما بين جمعة الغضب وجمعة الرحيل.. فبعدها لم يكن لأجهزة التقارير وجود يذكر.. فقد بحث رجالها عن النجاة بأنفسهم من السفينة الغارقة.. بالصمت أو الاختباء.. خوفا على حياتهم وعائلاتهم من الانتقام.
حسب ما سمعت من اللواء محمود وجدى بعد توليه وزارة الداخلية فى حكومة أحمد شفيق أن جهاز أمن الدولة لم يكن فيه أكثر من ضابطين هما مدير الجهاز اللواء حسن عبدالرحمن ونائبه اللواء هشام أبو غيدة.. وعندما اتصل الوزير بمسئول الجهاز فى القاهرة اللواء عاطف أبوشادى وجده فى البيت هو وباقى ضباطه.. فأمر بإعادتهم إلى مكاتبهم.
وحدث أن قابلت حسن عبدالرحمن فى مكتب الوزير وعندما صافحته وجدته منهارا.. وعندما طلبت منه بفضول الصحفى أن أعرف ما جرى قال فى توتر يصعب تجميعه «ربنا يستر.. ربنا يستر».
كانت مخاوفه على النظام تعكس مخاوفه على نفسه وعائلته وضباطه.. وقد أصبحوا جميعاً مهددين.. خاصة بعد اقتحام مقار أمن الدولة.
وقد كان له سكن خاص فى المقر الرئيسى للجهاز فى مدينة نصر.. انتقل إليه بعد أن ترك بيته فى حى المنيل.. لكنه.. بعد اقتحام المقر راح يبحث عن مسكن جديد لا يعرف عنوانه أحد.. وكان المسكن فى مدينة تقع على أطراف القاهرة.. على أنه قبل أن يستقر فيه استدعى إلى النيابة فى قضية قتل المتظاهرين لسؤاله على سبيل الاستدلال.. ولم تمر سوى أيام معدودة حتى تحول من شاهد إلى متهم.
وفور القبض عليه طلب عبدالرحمن حبسه فى أحد معسكرات الأمن المركزى ضمانا لعدم الاعتداء عليه.. خاصة أنه كان لا يزال فى الخدمة.. وبعدها نقل إلى السجن الاحتياطى هو وباقى مساعدى وزير الداخلية حبيب العادلى.. وعندما برأته المحكمة أول مرة خرج من السجن على ذمة القضية بعد نقضها.. وقد جمعتنى الصدفة به فى حفل زفاف ابن صديق مشترك.. فجلس صامتا.. لا يتكلم.. وكأن الكلمة ستجهز عليه.
وقد بنى عبدالرحمن دفاعه على أساس أن أمن الدولة جهاز معلومات وليس وحدة مسلحة.. وقدم محاميه الدكتور محسن العبودى فى المحاكمة الأولى صورة من تقرير رفعه إلى وزيره يوم 23 يناير عن توقعات ما سيحدث وما يجب القيام به لمواجهته.
لم يستبعد التقرير تعرض مصر للعدوى التونسية.. « فالأوضاع فى المنطقة العربية يتعذر معها الجزم بأن أيا من الدول العربية يمكن أن تكون بمنأى عنها.. وهى تتعرض لها منذ احتلال العراق.. وليس من قبيل المصادفة أو العشوائية ما يحدث لها.. وإنما هو يجرى وفق سيناريو معد سلفا.. ينفذ بطريقة محكمة.. ويأخذ أشكالا مختلفة.. مثل تأجيج الصراع الفلسطينى بين فتح وحماس.. وانفصال الجنوب عن الشمال فى السودان.. وعدم الاستقرار فى اليمن ولبنان والأردن.. وتزكية النعرات الطائفية فى مصر».
ويؤكد التقرير: «أن الأوضاع التى تعيشها المنطقة تعكس مخططا يعيد رسمها وفق أسس ومعايير دينية وعرقية من شأنها تقسيمها إلى دويلات صغيرة لصالح طموحات قوى إقليمية ودولية مثل إسرائيل وإيران والولايات المتحدة».
ويرصد التقرير: « عجز الأنظمة الحاكمة فى الدول العربية عن درء الخطر خوفا على عروشها أو سعيا لاسترضاء قوى خارجية لضمان سماحها بتوريث الحكم فيها».
ولم ينف التقرير تزايد مظاهر التوتر الاجتماعى فى مصر والجنوح إلى ممارسة أعمال العنف والبلطجة والخروج عن الشرعية بجانب الأوضاع الطائفية المتردية.
وخلص التقرير إلى وجود سيناريوهات محتملة لتحريك الشارع فى مصر وصولا إلى حالة الفوضى الشاملة:
السيناريو الأول: يرتكز على استغلال الأجواء الطائفية السائدة كأرضية خصبة لمحاولات مغرضة لتفجير الأوضاع فى الداخل من خلال تدبير عمليات عدائية جديدة ضد الاقباط أو استهداف الجانب المسلم بعمليات انتقامية مما يفجر أزمة يصعب السيطرة عليها.
السيناريو الثانى: يقوم على استغلال زيادات جديدة فى الأسعار ورسوم الخدمات أو وقوع تجاوز من قبل أحد رجال الإدارة تجاه أحد المواطنين وتناول ذلك إعلاميا بشكل تحريضى كما حدث فى تونس وصولا إلى حشد احتجاجى جماعى يخرج عن نطاق السيطرة.
السيناريو الثالث: يفترض تبنى العناصر المناوئة والمدعومة خارجيا بالتحالف مع كيانات وقوى غير شرعية مثل محمد البرادعى وجماعة الإخوان المحظورة الدعوة لمظاهرة سلمية حاشدة بحجة التعبير عن الرأى.. مما يضع النظام فى حرج.
وبعد أن أفرط التقرير فى صفحات من الثرثرة قدم وجهة نظر عاجلة لتلافى الانهيار.. والنجاة من السيناريو التونسى:
1- على المستوى الاقتصادى والاجتماعى: التوقف مرحليا عن اتخاذ إجراءات أو خطوات من شأنها فرض أعباء جديدة على المواطنين سواء فى أسعار السلع الغذائية أو رسوم الخدمات مع تنشيط آلية الرقابة على الأسعار والحيلولة دون زيادتها خاصة فى الغذاء والبنزين والبوتاجاز.. بجانب اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة يشعر المواطنون بنتائجها مباشرة سواء زيادة المرتبات أو منح تسهيلات عند سداد رسوم الخدمات والضرائب.. وتنشيط الأجهزة الرقابية للقيام بدورها فى حماية المال العام والتصدى لمحاولات الاستيلاء على أراضى الدولة أو التحايل على القوانين لتحقيق مكاسب طائلة على حساب الأغلبية.. يضاف إلى ذلك الإعلان عن مشروعات جديدة فى مجالات الإسكان واستصلاح الأراضى وطرحها بشروط أكثر تيسيرا على نحو يمكن قطاعات الشباب من الحصول عليها والاستفادة منها.
2- على الصعيد الأمنى: إبداء قدر من المرونة مرحليا فى التعامل مع بعض المخالفات والتجاوزات التى يترتب عليها مواجهات وردود أفعال احتجاجية جماعية مثل الإشغالات وقرارات الإزالة والتعامل مع قائدى سيارات الأجرة والنقل بأنواعها بما يرضيهم.. وإعادة توعية ضباط الشرطة وأفرادها لمراعاة حسن معاملة المواطنين لإنهاء مصالحهم.. خاصة فى أقسام الشرطة ومواقعها الأخرى مثل الأحوال المدنية والجوازات وتصاريح العمل وضبط النفس بشكل مستنير عند التعامل مع الحركات الاحتجاجية ذات الطابع الفئوى والمهنى والسياسى للحيلولة دون حدوث احتكاكات بقوات الشرطة تستغل بشكل تحريضى للتحرك الجماعى مما يحرج قيادات الداخلية والنظام.. وتذكير الضباط والأفراد بتوخى الكياسة فى التعامل مع تجاوزات ضباط وأفراد القوات المسلحة والحرص على إبداء حسن المعاملة الملموسة معهم وإحالة الأمر إلى الشرطة العسكرية فى مثل هذه المواقف.
3- على الصعيد السياسى: الإسراع بمناقشة مشروع قانون بناء دور العبادة الموحد وتدارس تنفيذ عدد من الأحكام القضائية الخاصة ببطلان الانتخابات البرلمانية ببعض الدوائر للدفع بعناصر جديدة من المعارضة لدخول البرلمان لتعضيد مظاهر تواجد المعارضة فيه.. وضرورة تدارس القيادة السياسية تعيين نائب لرئيس الجمهورية باعتبار أن هذه الخطوة فى هذا التوقيت تسهم إلى حد كبير فى تهدئة مخاوف الكثيرين على مستقبل الأوضاع فى البلاد وتصادر التكهنات التى تجنح إلى الرهان على قرب حدوث فراغ سياسى أو تروج لإصرار النظام على توريث الحكم بهدف التحريض عليه ومحاولة النيل منه.
وينتهى التقرير إلى أن على الجميع فى ظل الظروف الراهنة أكثر من أى وقت مضى استيعاب طبيعة وأبعاد ما تعرضت إليه تونس نتيجة حسابات غير دقيقة وممارسات خاطئة دفعت بها إلى المجهول.. خاصة أن مصر بثقلها العربى وبعدها الإقليمى تعد فى قلب دائرة الاستهداف من قبل قوى قادرة.. متربصة.
ورغم أهمية التقرير فإن لا أحد على ما يبدو انتبه إليه وهو أمر متوقع.. فقد تعودت السلطات العليا فى البلاد على تلقى مثل هذه التقارير التى توصف بتقارير «سد الذرائع» وهى تقارير يرفعها جهاز أمن الدولة فى مناسبات التوترات المختلفة بصورة دورية.. روتينية.. فلو مرت المناسبة على خير.. فلا أحد يضار.. ولو تعكر صفو الأمن فإن المسئولين عنه يكونون قد حذروا ونبهوا.. وربما لهذا السبب لم يعر حبيب العادلى اهتماما بالتقرير واعتبره عملا روتينيا.
وفيما بعد.. عرفت من قيادات أمنية عليا أنهم منذ عام 2008 وهم يقدمون تقارير شديدة الخطورة عن تدهور الأوضاع فى مصر.. لكن.. مبارك لم يكن يقرأ.. وكانت ثقته فى نفسه أكبر من ثقته فى أجهزته.
ولو كان تقرير عبدالرحمن قد كشف بسبب قضيته فإن باقى التقارير بقيت فى طى الكتمان لم تنشر من قبل.. ولو تناولناها تقريرا بعد تقرير فإننا سنكتشف من الحقائق السرية والخفية ما لم يكن من السهل تصديقه فى أسابيع وشهور الفوران التى عاشتها ثورة يناير.
*****
حسب تقرير كتب فى 30 يناير فإن «وحدة متابعة الإخوان رصدت حوارا بين عبدالمنعم أبوالفتوح ومحمد البلتاجى اقترحا فيه تفويض عشر شخصيات من أعضاء البرلمان الشعبى هم محمود الخضيرى وأبوالعز الحريرى وأيمن نور وعبدالجليل مصطفى ومجدى حسين ومحمد البلتاجى وأسامة الغزالى حرب وحمدين صباحى لتحديد المطالب الشعبية.. وتحفظ أبوالفتوح والبلتاجى على البرادعى خشية دس أنف الولايات المتحدة فى إدارة البلاد».
(والبرلمان الشعبى برلمان شكلته المعارضة بعد أن أقصيت عن مجلس الشعب الأخير.. وعلق مبارك عليه بجملته الشهيرة: «خليهم يتسلوا»).
وفى التقرير نفسه: «عبر الكتاتنى عن رغبتهم (الإخوان) فى محاصرة القصر الجمهورى وادعى أن الذخائر المستخدمة ضد المتظاهرين تأتى من إسرائيل».
(كان كلام الكتاتنى الذى أصبح فيما بعد رئيسا لمجلس الشعب عن الذخائر الإسرائيلية نوعا من الدعاية السوداء لجأ إليها لمضاعفة التحريض ضد نظام مبارك.. فمصر لا تستورد ذخائر بل تصنعها).
(يضاف إلى ذلك أن جماعة الإخوان فور أن تولت السلطة الرئاسية سارعت بمد جسور الود والاطمئنان بينها وبين إسرائيل.. ونجحت فى إقناع حماس بإيقاف العمليات العسكرية ضد إسرائيل).
(وبعد أن كان الإخوان يرفضون معاهدة «كامب ديفيد» أعلنوا تأييدهم لها والتزامهم بها وحرصهم عليها.. بل أكثر من ذلك لم يطالبوا بتعديلها).
(وقد سمعت من عمر سليمان أن وزير الدفاع الإسرائيلى شاؤول موفاز وافق على تعديل الملحق الأمنى للاتفاقية بإدخال كتائب وآليات تسمح بمواجهة الإرهاب ولكن المشير حسين طنطاوى فضل تجنب صداع الدخول فى مفاوضات تثير ضده متاعب سياسية حرجة).
وفى التقرير نفسه: «اقترح عصام سلطان ترشيح رجل دين مسيحى (قس) للانضمام إلى المتظاهرين فى التحرير لإظهار أن الأقباط يؤيدون ما يحدث».
(كان السبب عدم تلوين الثورة بلون الإسلام لمنحها حصانة وطنية.. ولكن.. فيما بعد.. بعد وصول الإخوان إلى الحكم لم تتوقف الهجمات على الأقباط وكنائسهم ومحلاتهم.. كما لم تتوقف عمليات خطف بناتهم.. بل أكثر من ذلك بدأ تنفيذ خطط لتهجير عائلات مسيحية من أحيائها تمهيدا للفصل الجغرافى بين المسلمين والمسيحيين.. لتصل الطائفية إلى نقطة حرجة تنفجر بعدها الحرب بين العنصرين كما حدث فى لبنان).
ويستطرد التقرير: «وفى اليوم التالى دعت الجماعة إلى مليونية سميت بمليونية يوم الحسم دعت إليها كافة قوى المعارضة.. أما السبب فهو استشعار الإخوان أن القوات المسلحة تسيطر على الموقف وأن أعداد المتظاهرين تراجعت دون تحقيق مكاسب».
(كان تعبير مليونية تعبيرا جديدا على القاموس السياسى فى مصر.. لا أحد يعرف من أطلقه.. لكننا نعرف أن الحديث عن أول مليونية جرى يوم الثلاثاء أول فبراير خلال اجتماع فى مطعم شهير بالتحرير وحضره جورج اسحق وعبدالجليل مصطفى ومحمد البلتاجى وقيادات من الجمعية المصرية للتغيير.. والمؤكد أن الحديث عن حشد مليون شخص ونظام مبارك على قيد الحياة كان معجزة بكافة المقاييس).
ونعود إلى التقرير لنعرف: «أن الدكتور يحيى الجمل وابنه مصطفى تحمسا لإعداد بيان يفوضان فيه البرادعى لرئاسة الجمهورية وطالبا القوى الغاضبة بالتوجه إلى مقر رئيس الجمهورية وإجباره على الخروج بالقوة مهما كانت الخسائر البشرية.. وسعيا إلى نشر البيان إعلاميا».
ويرصد التقرير مكالمة للدكتور ممدوح حمزة أشار فيها إلى التنسيق مع حركة 6 إبريل والجمعية المصرية للتغيير وحركة كفاية لمواصلة التظاهر حتى إسقاط النظام بالكامل وعدم التجاوب مع التغييرات الوزارية التى حدثت مشيرا فى النهاية إلى أنه مسافر إلى لندن».
وحسب التقرير فإن «ممدوح حمزة كان قد اجتمع فى اليوم السابق مع حركة 6 إبريل ومجموعة «كلنا خالد سعيد» واتفقوا على بيان يعلنون فيه أنهم سيقودون مجموعات الشباب فى التظاهرات.. ورفضوا أن يتحدث أحد باسمهم.. سواهم.. وحفزهم ممدوح حمزة على عدم الالتزام بحظر التجوال الذى فرضته القوات المسلحة لإحراجها ودفعها للتعاون مع المتظاهرين».
(الدكتور ممدوح حمزة مهندس استشارى موهوب.. شارك فى تظاهرات الغضب ضد نظام عبدالناصر فى فبراير ونوفمبر 1968 وهو طالب بهندسة القاهرة.. حصل على الدكتوراه فى بريطانيا ليصبح واحدا من أفضل خبراء التربة فى العالم.
شيدت موهبته مشروعات متميزة على رأسها مكتبة الإسكندرية.. مما أثار غيرة مهندس استشارى منافس هو الدكتور محمد إبراهيم سليمان «وزير الإسكان والتعمير» فشن ضده حرب تجويع شرسة.. وحرمه من الفوز فى مشروعات حكومية يستحقها.
وذات يوم سافر حمزة إلى لندن لتناول الإفطار بدعوة من الملكة.. لكنه.. لم يذهب إلى قصر بكنجهام وإنما ذهب إلى سجن بيل مارش متهما بالتحريض على قتل أربعة رموز فى نظام مبارك هم رئيس مجلس الشعب الدكتور فتحى سرور ورئيس الديوان الرئاسى الدكتور زكريا عزمى وزعيم الأغلبية فى البرلمان كمال الشاذلى وبالطبع إبراهيم سليمان أيضا.
فى ذلك الوقت كنت قد فجرت أشد الحملات ضراوة ضد سليمان فوجدتنى دون تفكير أساند حمزة رغم معرفتى العابرة به.. وتابعت معه عبر الموبايل خطوات محاكمته والتقيت به أثناءها فى دبى هو وزوجته أميمة حاتم بعد أن سمح له القاضى بالسفر إلى أى جولة خارج بريطانيا ما عدا مصر.. بلده.
حصل حمزة على البراءة وتلقى تليفون تهنئة من مبارك عليها لكن رغم ذلك لم تهدأ حرب التجويع ضده.. فقد كان نفوذ سليمان فى بيت الرئيس أكبر مما يمكن تخيله.. وإن عبر عنه علاء مبارك قائلا: «لو فى مصر عشرة مثل إبراهيم سليمان كنا أصبحنا دولة عظمى فى سنوات قليلة».. فقد كان النظام يشيد بمن يبنى الكبارى دون أن يحترم المعانى.
ويشهد موظفو الرئاسة أن سليمان وهو وزير كان يصلح بنفسه سيفونات حمامات الرئاسة.. كما أنه طرد ذات مرة عمال النظافة بدعوى أنهم أقل كفاءة.. ومسح الحمامات بيديه فى حضور سوزان مبارك.
وعندما توفى محمد.. حفيد مبارك وجدت العائلة الرئاسية سليمان ينحنى على القبر وهو غارق فى بكاء هستيرى.. لا يتصور أحد أنه عاشه من قبل عند دفن أحد أقاربه.. بل إنه عندما توفى والده لم يذكر أحد أشقائه فى النعى.. فقد كانت بساطة عائلته التى عاشت فى حى باب الشعرية تزعجه وربما تحرجه.
وقد قدم ضدى عدة بلاغات للنيابة العامة.. وراح يثرثر فى المجتمعات بأنه سوف يسجننى.. وكررها مرات عديدة.. وعندما التقيت به فى لوبى فندق شيراتون هليوبوليس (فيرمونت حاليا) واجهته قائلا: «لو أن هناك من سيسجن فسيكون أنت».. وفيما بعد تحققت النبوءة.
ولو عدنا إلى التقرير سنقرأ: «إن حركة 6 إبريل طالبت باعتبار العنف المفرط الذى استخدم ضد المتظاهرين وأدى إلى سقوط قتلى نوعا من الجرائم ضد الإنسانية.. واعتزموا الاتصال بالأمريكيين لمساعدتهم فى ذلك».
كانت حصيلة الضحايا حسب بيان حكومة أحمد شفيق: 800 شهيد و1100 مصاب بجانب 500 متظاهر قبض عليهم.
ويضيف التقرير: «فى الوقت نفسه احتجزت حركة 6 إبريل عناصر من الشرطة رهائن وحصلت على تسجيلات منهم تفيد بتلقيهم تعليمات من قياداتهم باستخدام العنف إلى أقصى درجة».
فيما بعد لم يظهر أثر لتلك التسجيلات فى قضية قتل المتظاهرين.
ويستطرد التقرير: «واتصل عصام العريان بعلى البرادعى وأخطره بتفويض الإخوان لشقيقه محمد البرادعى ليتحدث باسمهم».
« لكن.. أيمن نور تحدث هاتفيا مع السيد البدوى رئيس حزب الوفد رافضا فكرة تفويض محمد البرادعى قائلا: «إن الولايات المتحدة تريد الحفاظ على مبارك حتى يحدث انتقال سلمى للسلطة».. وأضاف: «إن البرادعى يحركه الإخوان وسيحشدون مظاهرة كبرى لمساندته كما سيشكلون حكومة إسلامية ليبرالية يتولى البرادعى رئاستها على أن يكون محمد بديع نائبا له».
فى بداية الثورة استخدم الإخوان البرادعى ومشوا خلفه.. وبعد أن سقط النظام تخلوا عنه.. بل واعتدوا عليه فى المقطم خلال أحد الحشود.. ونقلوا رهانهم على القوات المسلحة تمهيدا للتخلى عنها.
والبرادعى محام ودبلوماسى ينتمى إلى جيل عمرو موسى.. تخرج فى الحقوق عام 1962.. وحصل على الدكتوراه فى جامعة نيويورك.. وفى عام 1997 فاز بمنصب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية يترشيح من دول إفريقية.. وفى عام 2005 حصل على جائزة نوبل للسلام.. وفى العام التالى منحه مبارك قلادة النيل.
وفى محاولة للبحث عن بديل لمبارك اقترح الدكتور محمد غنيم على مجموعة من أصدقائه يجلسون معه فى نادى المنصورة اسم البرادعى فوافقوا عليه.. واتصلوا به ليجدوا ترحيبا منه.
والدكتور غنيم طبيب نذر نفسه لخدمة الناس دون الاتجار بالطب وأنشأ مركز الكلى فى المنصورة ليكون نموذجا يستحق الإشادة والتقدير.
وأهم ما فعل البرادعى أنه سعى فى وقت مبكر لتغيير قواعد اللعبة السياسية وهو ما عرضه إلى إهانات حادة من إعلام مبارك.. وعندما اختلف مع الإخوان تعرض إلى إهانات أشد منهم.. مست هذه المرة عائلته قبل أن تمس سمعته.
ويبدو دوره مثل دور العنصر المساعد فى الكيمياء (كاتليست).. لا يحدث التفاعل بدونه.. لكنه.. يخرج من التفاعل كما هو دون تغيير.
وقد عاد البرادعى إلى مصر فى فبراير 2010 وكان فى انتظاره خارج المطار مظاهرة حاشدة على رأسها شخصيات مؤثرة.. لكنه.. لم يلتق بها.. فقد لعب الأمن على نرجسيته ودعاه للخروج من باب كبار الزوار.. وعندما راح يحيى منتظريه وهو فى السيارة سقط فى أول امتحان شعبى تعرض له.
كانت مشكلة البرادعى أن حياته الطويلة فى الخارج فرضت عليه نوعا من الثقافة فى المعاملات بدت شديدة البرودة فى مصر.. كما أن ثقل لسانه فى التعبير باللغة العربية أفقده الكثير من مظاهر الزعامة.. فملامحه ولغة جسده توحى بأنه جراح أو مهندس كمبيوتر أو قس فى كنسية إنجيلية ولا تقربه مهما كانت درجة الحماس من كاريزما القادة.
وفور وصوله القاهرة تشكلت «الجمعية المصرية للتغيير» وضمت حمدى قنديل وأيمن نور ومحمد غنيم بجانب قيادات إخوانية مثل عصام العريان ومحمد البلتاجى واندمجت فى الجمعية أحزاب وحركات سياسية قائمة.
وتضمن البيان الأول للجمعية سبعة مطالب: إنهاء الطوارئ.. إشراف القضاء على الانتخابات.. رقابة المجتمع المدنى على الانتخابات.. توفير فرص متساوية فى الإعلام الحكومى للمرشحين.. تصويت المصريين فى الخارج.. وتكافؤ الفرص للمصريين فى الترشح للانتخابات الرئاسية.. والاكتفاء بالرقم القومى عند التصويت.
وفيما بعد.. لم يقبل الإخوان ولا الجيش به رئيسا للحكومة خلفا للدكتور عصام شرف.. لكنه.. سيصبح نائبا لرئيس الجمهورية بعد ثورة يونيو.. على أنه سرعان ما أثار من الأزمات ما فرض عليه الهروب إلى الخارج.
ونعود من جديد إلى التقرير لنجده يقول: «إن الإخوان أصدروا بيانا أكدوا فيه مشاركتهم فى التظاهرات بقوة دون أن ينسوا توجيه التحية للجيش المصرى.. وحددوا المطالب الأساسية فى: «إلغاء حالة الطوارئ وحل مجلسى الشعب والشورى وإجراء انتخابات جديدة تحت إشراف قضائى كامل والإفراج الفورى عن جميع المعتقلين والإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية لا تضم الحزب الوطنى لإجراء الانتخابات وتشكيل لجنة وطنية للتحقيق وتقصى الحقائق فى استخدام العنف والقتل غير المبرر ضد المتظاهرين».
وبعيدا عن التقرير.. كان واضحا أن البيان لا يمس رئيس الجمهورية ولا يطالب بإسقاطه.. وإنما يسير فى نفس الطريق الإصلاحى الذى بدأه مبارك.. ولكن.. ما يلفت النظر أن الدعوة لتشكيل حكومة وطنية تبخرت فيما بعد عندما أصبح فى يدهم كل السلطات والقرارات.
ويرصد التقرير نفسه أن حركة 6 إبريل وغيرها من الحركات المعارضة أشاعت فى أوساط المتظاهرين أن حبيب العادلى سيعاد تعيينه وزيرا للداخلية فى الحكومة القادمة التى يشكلها أحمد شفيق.
المؤكد أن هذه الشائعة كانت حقيقة.. ففى صباح السبت 29 يناير - اليوم التالى لجمعة الغضب- اتصل به جمال مبارك تليفونيا طالبا منه مواصلة العمل فى مكتبه رغم أنف عمر سليمان وحسين طنطاوى اللذين أقنعا مبارك بطرده من منصبه.
وكان العادلى قد خرج من مكتبه فى سيارة عسكرية مصفحة إلى قصره فى إحدى ضواحى العاصمة.. وفى نفس السيارة خرج من قصره إلى أحد معسكرات الأمن المركزى وطلب من مدير مكتبه الاتصال بمساعديه ليلتقى بهم فى أول اجتماع عاجل بعد الثورة.
فى اجتماعه مع مساعديه قال لهم: «إن الرئيس وليس ابنه هو من طلب منه استمراره فى منصبه.. وكشف أنه تكلم مع مبارك وطلب منه نزول الجيش.. لكن.. مبارك ترك له مهمة إبلاغ المشير بنزول الجيش.. إلا أن المشير لم يستجب إليه قائلا: «إننى لا أتلقى الأوامر إلا من الرئيس القائد الأعلى».. وهو ما حدث بالفعل.. ونزلت قوات الحرس الجمهورى لتنفيذ الخطة (100) لتأمين المنشآت السيادية «البرلمان وماسبيرو ووزارة الخارجية» بجانب سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا ومقر الاتحاد الأوروبى.
(ومن جديد عاد العادلى إلى أحد معسكرات الأمن المركزى فى مدينة نصر وراح يتحدث إلى الجنود والضباط على ما حدث.. وبسبب جهله السياسى وصف نزول الجيش بانه انقلاب عسكرى.. ووصل ما قال إلى المشير.. فأصر على الإجهاز عليه.. وسحق اسطورته الوهمية.
(لكن.. العادلى كان لا يزال يثق فى قوة جمال مبارك فارتدى ملابسه المدنية الكاملة وذهب إلى المقر الرئيسى لجهاز أمن الدولة فى انتظرا استدعائه ليواصل بقاءه فى حكومة شفيق.. لكن.. كان هناك وزير جديد للداخلية ينتظر فى الصالون لحلف اليمين هو اللواء محمود وجدى.
ويواصل التقرير قائلا: «اتصلت إسراء عبدالفتاح -من قيادات 6 إبريل- بالمدعو عماد الدين الدالى من قناة الجزيرة وأبلغته بأسماء وقيادات الحركة فى المحافظات وأرقام هواتفهم حيث سيقومون بدور أساسى فى تحريك المظاهرات وسيعتمدون على القناة فى الترويج لمواقفهم».
وانضم عدد من قضاة الاستقلال برئاسة المستشار أحمد مكى للمتظاهرين مطالبين بمحاكمة وزير الداخلية.
بدأ تيار «استقلال القضاة» فى التعبير عن نفسه عقب الانتخابات التشريعية فى عام 2005 حين خرج عدد من القضاة على رأسهم نهى الزينى يتهمون زملاء لهم بتزوير الانتخابات.. ووصل الصراع فى سلك العدالة إلى حد اتهام اثنين من القضاة هما محمود مكى وهشام البسطاويسى بإهانة زملاء لهم.. وقفت القوى السياسية بجانبهما.. خاصة بعد خروج أعداد كبيرة من القضاة إلى الشارع بالأوشحة والنياشين فى مشهد هز الضمير المصرى.
ومن بين الذين شاركوا فى اعتصام القضاة كان المخرج يوسف شاهين الذى استلهم من ذلك الحدث آخر أفلامه «هى فوضى».. حيث بنى السيناريو على تعسف الشرطة وتجبرها إلى الحد الذى سيشعل الثورة ضد النظام الذى تحميه.. وإن تصور أن القضاة يمكن أن يلعبوا دورا فى المواجهة وهو ما لم يحدث.
وأحمد مكى هو الشقيق الأكبر لمحمود مكى.. وتحت حكم الإخوان أصبح مكى الكبير وزيرا للعدل بينما اختير مكى الصغير نائبا للرئيس.. ورشح فيما بعد سفيرا لمصر فى الفاتيكان.
الغريب أن اختيار سفير فى الفاتيكان، تلك الدولة التى تحتل مساحة صغيرة من روما كان أمرا صعبا.. فقد رشح له إسماعيل خيرت ورفض الفاتيكان ترشحه.. وبعده رشح عبدالمجيد محمود فور إقالته.. لكنه.. رفض.. وكان المرشح الثالث مكى الصغير.. وفى النهاية كان المنصب من نصيب دبلوماسى لم نسمع عنه من قبل.
والحقيقة أننا لا نعطى لمنصب السفير فى الفاتيكان القيمة التى يستحقها المكان.. الفاتيكان يحظى بأهمية فى العالم المسيحى الغربى معبرا عن ثلاثة ملايين كاثوليكى يؤثر فيهم البابا تأثيرا معنويا مباشرا.. وينتقل التأثير منهم إلى حكوماتهم.. مما يفسر إرسال الدول الأوروبية سفراء على أعلى مستوى لتمثيلهم فى الفاتيكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.