لا يزال العراقيون الذين فروا من مدينة تكريت بعد سيطرة تنظيم داعش عليها العام الماضي غير قادرين على العودة إلى المدينة التي باتت ميليشيات الحشد الشعبي تسيطر عليها. وحتى هؤلاء الذين اختاروا البقاء تحت حكم داعش، كان عليهم لاحقا مغادرة المدينة التي انتشرت فيها أعمال النهب والسلب وتعمّد عناصر الحشد الشعبي طرد سكانها وحرق وتدمير منازلهم.بحسب "العرب" اللندنية. واستشرى الانزعاج في الغرب من عدم قدرة الأهالي على العودة إلى تكريت، مسقط رأس الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، التي كانت تضم من قبل أكثر من 260 ألف نسمة، وتحولت الآن إلى مدينة أشباح تسيطر عليها ميليشيات طائفية بقبضة حديدية. ويقول مسؤول سني في تكريت، التي وعدت الحكومة بالسماح لأهلها بالعودة مرة أخرى، إن الميليشيات تسيطر بشكل كليّ على المدينة، وإن قوة صغيرة مكوّنة من ألف من عناصر الشرطة الاتحادية ومسلحي العشائر أجبروا على البقاء داخل قواعدهم وعدم مغادرتها بعد غروب الشمس. وقال المسؤول لصحيفة "تايمز" البريطانية بعد أن رفض الكشف عن اسمه "الميليشيات لا تسمح للسكان بالعودة إلى منازلهم. لم يعد أحد على الإطلاق". ومُنع رجال الشرطة من إجراء أيّ اتصالات بعائلاتهم، واضطروا مع ذلك إلى المخاطرة وإجراء اتصالاتهم ليلا وبشكل سري. ومع ذلك، بقي النازحون الذين يتمتعون بعلاقات مع مسؤولين في تكريت أو في بغداد داخل المدينة، بينما تعرض نصف عدد المنازل تقريبا للنهب، وفقا للمسؤول العراقي. ويقول مراقبون في واشنطن إن الإدارة الاميركية تخشى من أن تتحول ممارسات الميليشيات الشيعية المدعومة من قبل إيران ضد السنة إلى تعزيز مكانة تنظيم داعش كمدافع عن السنة ضد المتطرفين الشيعة. ويقول مازن إدريس، الذي فر إلى إقليم كردستان مع أمه فضيلة بعد خمسة أيام من سيطرة داعش على تكريت "الميليشيات أسوأ من داعش. حينما يقتل داعش أحدا هو في النهاية عصابة، لكن حينما ترتكب الميليشيات هذه الجرائم فهي تمثل الحكومة". وفي تكريت، أرسل أصدقاء مازن صورا ورسائل توضح عمليات الحرق والنهب التي طالت المنازل والمتاجر، وكان من بينها متجر لبيع الأدوات الكهربائية يمتلكه قبل مغادرة المدينة مع عائلته. ويخشى مسؤولون عراقيون من أن تؤدي هذه الممارسات إلى اندلاع احتكاكات طائفية بالتزامن مع ازدياد حالة الحنق في صفوف العشائر السنية التي تشعر أنها فقدت سلطتها المعنوية على مناطقها لصالح ميليشيات طائفية لا تكترث لمعاناتهم. وخلال العمليات العسكرية لتحرير المدينة في أبريل الماضي، اعتمدت حكومة بغداد بشكل كبير على 20 ألفا من عناصر الميليشيات الشيعية التي تعمل بشكل وثيق مع قادة عسكريين إيرانيين، وهو ما دفع الولاياتالمتحدة في منتصف المعارك إلى رفض توفير الدعم الجوي لها. ومنذ ذلك الحين، اضطرت واشنطن على مضض إلى مباركة اشتراك ميليشيات الحشد الشعبي في الاستعدادات لمعركة استعادة مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار التي سيطر عليها التنظيم المتشدد الشهر الماضي. وأعلنت الولاياتالمتحدة الثلاثاء أنها تنوي إرسال 450 عسكريا لتدريب عناصر الجيش العراقي ومقاتلي العشائر السنية، في خطوة عكست ريبة واشنطن من ممارسات الحشد الشعبي حول مدينة الرمادي. وقال مسؤول عسكري أميركي لم يذكر اسمه "إن العسكريين الأميركيين بدأوا في القيام بعمليات (تدريبية) بمعزل عن القوات الحكومية العراقية وميليشيات الحشد الشعبي" التي لا يثق الأميركيون بها. وتدرك واشنطن أن مشاركة ميليشيا بدر وكتائب حزب الله العراقي وعصائب أهل الحق الشيعية في معركة استعادة الرمادي ستؤدي بالمدينة إلى نفس مصير تكريت. ورغم ذلك، يقول محللون إن واشنطن لم يعد أمامها أيّ خيارات أخرى. وقال مايكل ستيفينز الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة إن "واشنطن كان عليها الرضوخ لاستعمال هذه الميليشيات على الرغم من كراهية المسؤولين الأميركيين لها". وأضاف "ضعف الجيش العراقي ترك الأميركيين ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بلا خيارات حقيقية على الأرض".