من المؤكد أن من يقول لك أن داعش تتراجع ليس متابعًا جيدًا للأحداث وأبعادها. مرة أخرى, وفي أقل من عام واحد يهجر الجنود العراقيون مواقعهم ويفرون بشكل جماعي في مواجهة قوات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). سقوط مدينة (الرمادي) عاصمة محافظة (الأنبار) لا يترك مجالًا للشك في قدرات المنظمة الجهادية. فعلى الرغم من تأكيدات الولاياتالمتحدة أن التنظيم أصبح شديد الضعف, فداعش مازالت قادرة على شن الهجمات على عدة جبهات مختلفة في سورياوالعراق. ليست (الرمادي) الجبهة الوحيدة التي تشهد تقدمًا لداعش. فالجماعة بدأت الأسبوع الماضي هجومًا مدعومًا بالهجمات الانتحارية ضد معاقل (بشار الأسد) في القاعدة الجوية العسكرية في مدينة (دير الزور) شرق سوريا. كما هاجمت قاعدة عسكرية أخرى تابعة للنظام السوري في مدينة (تدمر) الأثرية. كما اشتبكت داعش مؤخرًا مع الثوار السوريين في الريف الشرقي لحلب، ومحافظتي حمص وحماة، وجنوب مدينة القنيطرة بالقرب من الحدود مع إسرائيل. ولا تقتصر مكاسب داعش في العراق على (الرمادي). فالتنظيم تقدم إلى عمق مصفاة (بيجي) وهي أكبر مصفاة للنفط في العراق. تقدمت داعش في الأنبار أيضًا فبعد سيطرتها على (الرمادي), هاجمت داعش بلدة (الخالدية) القريبة منها, والتي تعني السيطرة عليها فتح طريق للتقدم نحو (بغداد). تقدم داعش الأخير لم يكن مفاجئًا كما حدث العام الماضي عندما سيطرت داعش على (الموصل). هذه المرة شنت الطائرات الأمريكية سبع غارات جوية على المدينة في الأربع وعشرين ساعة السابقة لسقوطها. المسئولون المحليون في المدينة ظلوا يحذرون من سقوط المدينة في حالة عدم وصول تعزيزات. لكن التعزيزات التي وصلت لم تكن كافية لتمنع سقوط المدينة في قبضة داعش. لذلك تبدو الرواية القائلة بأن تنظيم داعش في مرحلة التراجع والانحسار خاطئة. فبدلًا من المعاناة من نقص الموارد والقوى البشرية, فإن التنظيم يزيد من سيطرته على السكان المحليين في معاقله في (الموصل) و(الرقة). ومازال التنظيم يستقطب عددًا كبيرًا من المتطوعين وخاصة من المراهقين. خريطة توضح تبدلات الميدان بسورياوالعراق، المصدر: CNN العربية سقوط (الرمادي) سيكون له تأثير كبير على ساحات القتال في سورياوالعراق كما حدث عقب سقوط (الموصل) في يد داعش. الميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب قوات بشار الأسد ستشعر بضرورة العودة للدفاع عن وطنهم, مما سيزيد من عجز النظام السوري على وقف تقدم الثوار في سوريا. مؤخرًا صرح قائد إحدى الميليشيات الشيعية التي تتخذ من (دمشق) مقرًا لها أنه عائد “للعراق الجريح”. الفشل في الدفاع عن (الرمادي) سيزيد العلاقات بين (واشنطن) و(بغداد) توترًا حول استخدام الميليشيات الشيعية لمواجهة داعش. سابقًا رفضت الولاياتالمتحدة شن أي غارات جوية على (تكريت) قبل أن تنسحب قوات الحشد الشعبي – وهي مظلة للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران – التي كانت الحكومة العراقية قد سمحت لها بالتقدم في الهجمات التي كانت تهدف لاستعادة (تكريت) من قبضة داعش. الولاياتالمتحدة ضغطت على بغداد لعدم نشر قوات الحشد الشعبي في (الرمادي) والاعتماد على الجيش النظامي والقوات المحلية السنية للدفاع عن المدينة السنية. ونتيجة لذلك، فإن بعض المسئولين العراقيين يلقون اللوم على الأمريكيين لسقوط المدينة. الآن تبدو بوادر أزمة جديدة بين (واشنطن) و(بغداد) مع تقدم الميليشيات الشيعية بشكل جماعي تجاه محافظة الأنبار الأمر الذي ترى (واشنطن) أنه سيسبب المزيد من التوتر الطائفي في محافظة تقطنها أغلبية سنية. الزعماء المحليون في الرمادي كان لهم دور فعال في مجالس الصحوة التي كان لها دور كبير في انحسار تنظيم القاعدة في العراق في 2006 و2007 والتي صمدت بشجاعة في وجه تنظيم الدولة الإسلامية طوال العام الماضي. سقوط المدينة سيقوض بشكل كبير جهود أمريكا لتجنيد وتدريب القوى السنية لمحاربة داعش. “بعد سقوط الرمادي, سيكون تنظيم الدولة الإسلامية قادرًا على تقديم نفسه كالقوة السنية الوحيدة التي تقف في وجه الميليشيات الشيعية”, يتابع (وائل عصام) وهو صحفي عراقي مخضرم له باع طويل في الصراع في العراق بعد 2003, “القوى السنية المتحالفة مع الحكومة فشلت في تلبية مطالب الطائفة السنية طوال العقد الماضي. السنة السليمانيون (في إشارة إلى الجنرال الإيراني قاسم سليماني) كما يلقبهم عموم السنة الآن, أصبحوا أداة في يد الحكومة لإضفاء الشرعية على قمعها لهم”. هناك انقسامات كبيرة داخل العشائر السنية بشأن الموقف الذي عليهم اتخاذه من داعش بعكس ما حدث في 2006 عندما ثارت العشائر السنية كلها في وجه تنظيم القاعدة في العراق. فشل العشائر الموالية للحكومة في الأنبار سيجعل المؤيدين لداعش داخل العشائر السنية في موقف أفضل كثيرًا, مما قد يساعدهم على جذب المزيد من رجال العشائر لصفوفهم. لكن سقوط الرمادي سيكون له صدى أبعد من حدود الأنبار, فواشنطن أصبحت تدرك أن إستراتيجيتها في محاربة داعش القائمة على الغارات الجوية سمحت للتنظيم بمساحة هائلة للتخطيط والمناورة وإعادة الانتشار. سقوط الرمادي يمثل مرحلة جديدة خطيرة من الحرب على الرغم من محاولات المسئولين الأمريكيين للتهوين من وقع سقوطها. فهو يشير إلى أن داعش مازالت قادرة على إحراز الانتصارات والاستيلاء على مناطق جديدة على الرغم من الغارات الأمريكية العنيفة وعشرات الآلاف من المقاتلين الأكراد والشيعة المدعومين من إيران. كل ذلك يجعل فكرة أن داعش آخذة في الانحسار أو أنها في طريقها للزوال قريبًا, فكرة سخيفة ومنافية للمنطق.