بدأت المعركة السياسية بين أحزاب المعارضة والرئيس رجب طيب أردوغان، مع ظهوره للمرة الأولى بعد أربعة أيام على إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي أتت مخيبة لآماله في تحويل النظام الى رئاسي بصلاحيات واسعة. وطلب أردوغان من "جميع السياسيين تقديم مصلحة الوطن على مصالحهم من أجل تشكيل حكومة ائتلافية" في أسرع وقت ممكن لتفادي الفراغ. وقال: "لا يمكننا أن نترك تركيا من دون حكومة ومن دون رأس. والذين يحرمون تركيا من حكومة سيدفعون ثمن ذلك"، في إشارة إلى انتخابات مبكرة محتملة. ودعا "كل التشكيلات السياسية إلى التحرك بهدوء وتحمل مسؤولياتها، لكي تتمكن بلادنا من تجاوز هذه الفترة بأقل الأضرار الممكنة". لكن المعارضة بمختلف أطيافها، اعتبرت هذه الدعوة "تهمة مردودة على صاحبها"، مؤكدة أن أردوغان هو الذي يقف بينها وبين التفاهم مع "حزب العدالة والتنمية" على تشكيل حكومة أقلية بعد حصول الحزب على أكبر عدد من الأصوات من دون غالبية تمكنه من التفرد بالحكم. واكد كمال كيليجدار أوغلو زعيم "حزب الشعب الجمهوري" أن ما "اعتبره أردوغان مصالح شخصية إنما هو وعود انتخابية لا يمكن التراجع عنها"، في إشارة الى وضع حزبه، شرط إعادة فتح ملفات الفساد الحكومي من أجل الاتفاق على حكومة ائتلافية مع "العدالة والتنمية". وقال دولت باهشلي زعيم "الحركة القومية": "كيف يمكن أن نتصالح قبل أن نتحاسب وقبل أن نصفي المشاكل العالقة؟"، في إشارة إلى ملف الفساد ذاته. أما صلاح الدين دميرطاش زعيم "حزب الشعوب الديموقراطية"، فقال إنه "يمكن تشكيل ائتلاف حكومي في حال تراجع حزب العدالة والتنمية عن أخطائه وغيّر سلوكه"، مشيراً الى ضرورة استئناف مفاوضات السلام حول الملف الكردي بأسرع وقت. وأكد دميرطاش أن عبدالله اوجلان زعيم "حزب العمال الكردستاني" المسجون، ينتظر استئناف المفاوضات بأسرع وقت ممكن حتى ننتهي من هذا الموضوع". ويبدو أن مرحلة من تبادل تحميل المسؤولية بدأت بين كل الأطراف، تحسباً لاحتمال اللجوء الى انتخابات مبكرة في أكتوبر أو نوفمبر المقبلين على أبعد تقدير، خصوصاً وأن الناخب سيحاسب حينها الطرف الذي سيعتقد بأنه وقف في طريق تشكيل تلك الحكومة. وانتهز أحمد داود أوغلو رئيس الحكومة و"العدالة والتنمية"، الفرصة ليعترف بأن الشارع "رفض النظام الرئاسي الموسع الذي اقترحه الرئيس"، وبذلك يكون "رفع عن رقبته هذا السيف" الذي وضعه أردوغان قبل الانتخابات. لكن داود أوغلو رأى أن ذلك فتح في الوقت ذاته الباب أمام وجوب حسم موقع الرئاسة (في المعادلة)، طالما أن أردوغان نفسه اعتبر أن الوضع الحالي لا يتفق مع صلاحيات ممنوحة للرئيس دستورياً". ودارت في أوساط "العدالة والتنمية" نقاشات حول كيفية الخروج من الأزمة، وبدأ بعض الأصوات تدعو قيادات الحزب للعودة إلى سياسة الإيثار والتضحية، باعتبار أنه "قد يكون من الأفضل أن يدعى الرئيس السابق عبدالله غل لقيادة الحزب تحسباً لانتخابات مبكرة"، لعله يضمن بذلك استعادة الغالبية والتفرد بالحكم مجدداً. لكن هذا السيناريو يتطلب تفاهماً وتوافقاً من القيادات، وفي مقدمها أردوغان، وكذلك قبولاً من غل الذي يرفض كثيراً من سياسات الحزب الحالية.