أنزل الله -تعالى- في قرآنه بعض الآيات بما توعد الله الظالمين على ألسنة رسله الكرام في سياق الإنذار والتهديد لهم، بقوله: "فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام". و لنا مع هذه الآية وقفات: 1) سُبقت هذه الآية الكريمة بآية تنذر الظالمين وتتوعدهم، وهي قوله -تعالى-: "ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار"، ففي هذه الآية إنذار للظالمين ومن شايعهم، وسار في ركابهم، أنهم لن يفلتوا من عقابه -تعالى-، وأنهم آتيهم عذاب غير مردود. 2) كان النهي في الآية السابقة عن الظن بأن الله تارك الظالمين، وما يفعلونه، غير مُنْزِل بهم العقاب والعذاب لما يفعلونه، وهنا في هذه الآية يبين سبحانه أنه مُنْزِل هذا العقاب بالظالمين، جزاء لظلمهم، ولأنه قد وعد رسله به، وأن الله -تعالى لا يخلف رسله ما وعدهم به-. 3) الخطاب في الآية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، تثبيتا وتشديدا لعزيمته، وتعريفا أنه مُنْزِل من سخطه بمن كذبه، وجحد نبوته، ورد عليه ما أتاه به من عند الله، مثال ما أنزل بمن سلكوا سبيلهم من الأمم الذين كانوا قبلهم. 4) ذهب عدد من المفسرين إلى أن هذه الآية هي بمعنى قوله -تعالى-: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"، وقوله: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز"، فهاتان الآيتان والآية التي معنا تفيد أن الله ناصر رسله لا محال، والظاهر أنه نصر في الدنيا، فالمراد إذن تقرير النصر لرسل الله في الدنيا، وغلبتهم على أعدائهم الذين ناصبوهم العداء. 5) في هذه الآية الكريمة دليل على أن يوم القيامة كائن لا محال، وأن الله سبحانه يحاسب كلا بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ووجه دلالة ذلك، أنه -تعالى- لو لم يقم القيامة، ولم ينتقم للمظلومين من الظالمين، لزم إما كونه غافلا، وإما كونه مخلفا في الوعد، ولما تقرر في العقول السليمة أن كل ذلك محال، كان القول بأنه لا يقيم القيامة باطلا. 6) يفيد ختام الآية الكريمة "إن الله عزيز ذو انتقام"، أنه سبحانه ذو عزة، لا يمتنع عليه شيء أراده، ولا يغالب، و"ذو انتقام" ممن كفر برسله وكذبهم، وجحد نبوتهم، وأشرك به، واتخذ معه إلها غيره. فهو -سبحانه- لا يدع الظالم يفلت، ولا يدع الماكر ينجو. 7) الأمر المهم في الآية التي معنا أنه -سبحانه- لا يترك الظالمين من غير حساب، فإن من أسمائه -تعالى- العادل، ومن صفاته العدل، فكيف يترك الله الظالمين بغير عقاب، والآية وإن كانت صامتة عن موعد هذا العذاب أهو عذاب في الدنيا أو هو عذاب في الأخرى، فإن قراءة تاريخ الرسل السابقين، وتاريخ الدعاة المصلحين يدل على أن الله ينزل عذابه بهؤلاء الظالمين في الدار الدنيا قبل الدار الأخرى، مصداق ذلك أخبار الجبابرة والطغاة على مر التاريخ، أمثال فرعون وهامان ومن شابههما من الطغاة الظالمين، ومن المتجبرين المتكبرين.