يعاني المئات من المواطنين محدودي الدخل في منطقة "عشش"السودان من إهمال المسئولين، فسوف تُذهلك تلك الفوضى والعشوائية التى تتناقض مع شارع السودان. حيث تجد عشش عبارة عن حجرات متراصة ومتلاحمة، تزاحمها مخلفات، وبقايا أخشاب وقطع حديدية، وأثاث منزلى متهالك، وأمام كل منزل تجد غطاء أسمنتى يخفى بيارة من بيارات الصرف الصحى، وعلى اليسار سور يفصل بينها وبين خط السكة الحديد، تنبعث من خلفه رائحة كريهه، نتجت عن إلقاء سكان المنطقة للصرف الصحى الخاص بهم على خط السكة الحديد. ووجدت سيدة تطل برأسها من باب الحجرة التى تقطنها، فسألتها كيف حالك، فأجابتنى بخير، أخبرتها أننى أعمل محررة صحفية وجئت للتعرف على مشاكل المنطقة، فرافقتنى بداية جولتى، وتدعى رضا أحمد عبد السيد 57 سنة. قالت "رضا" أسكن بهذه المنطقة منذ ولادتى، وكبرت وتزوجت وأنجبت أبنائى هنا، وتركت المسكن المجاور لأبنائى المتزوجون، وأعيش بهذه الحجرة بمفردى، وفى حالة حاجتى لإستخدام دورة مياه، أتوجه لمنزل أبنائى لقضاء حاجتى، ومنذ أن وعيت على الدنيا، والمنطقة بهذا الشكل، بلا مياه، بلا صرف صحى، بلا نظافة، وتأقلمنا على هذه الحياة، فلم نعد نشكو سوء حالنا إلا إلى خالقنا. تجولت قليلاً بالمنطقة بصحبة "رضا" التى أوضحت لى معالم الطريق، حتى إلتقيت نجاح الحمدى عبد المجيد، 55 سنة، ربة منزل، وقالت "إحنا هنا ناس غلابة أوى". لم تبهرنى كلماتها، فقد وثقت كلماتها تلك الصور التى إلتقطتها عدستى للمنطقة، وتركتها تستطرد حديثها فقالت، جميعنا يملك قوت يومه بشق الأنفس، فزوجى على سبيل المثال يعمل غفير على إحدى العمارات، ولدى من الأبناء ستة جميعهم بنات، ولم أستطع تعليمهم لقلة الدخل، مطالبة من الحكومة مراعاتهم، فقالت: "ياريت حد يراعى الغلابة عشان تعبنا من عيشتنا". ووسط الذباب المنتشر فى كل مكان، وتعثر خطواتى على الصرف الصحى بالشوارع، وحركات الحشرات الزاحفة على الأرض، وجدت سيدة تجلس وسط أطفالها والجيران على أحد أغطية "الصرف الصحى" أمام مسكنها، وإقتربت منها قليلاً وجلست بجوارها، فقالت عن المنطقة، لا يوجد لدنيا خط لمياه الشرب، وتم وضع "صنبور" على خط السكة الحديد نستخدمه جميعاً فى قضاء حاجتنا، من طبيخ، وغسيل، وتنظيف، وشرب، ونظافة، ونضطر إلى الوقوف فى طوابير كبيرة للحصول على قدر كافى من الماء للأسرة الكاملة. وأضافت السيدة، أنه لا يوجد مرافق بالمنطقة أيضاً وكأننا حيوانات ليس من حقنا أن نحيا حياة البشر الطبيعين، وبعد أن عشنا الظلام لفترات طويلة قمنا مؤخراً بالحصول على توصيلات من العمارات والمحلات المجاورة لنا "سرقة تيار كهربائى" بالتراضى مع أصحاب العمارات، مقابل مبلغ مادى يتراوح من 40 إلى 50 جنية شهرياً. وأعرب أبناء المنطقة عن إستيائهم من عدم الإستجابة لمطالبهم بتوصيل خدمات ومرافق للمنطقة، خاصة وأنهم تابعون لديوان عام محافظة الجيزة، ويتم تهميشهم ومعاملتهم معاملة من سقط قيدهم، وهم على قيد الحياة.