"عشت مُقعداَ قائداَ .. ومت شهيداَ بإذن الله"، هذه كانت إحدى أقاويل الشيخ القعيد الشهيد "أحمد ياسين"، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، هذا الرجل ضعيف الجسد، مكدود البنية، والذي كان بالكاد يستطيع الإبصار، ويتهدج صوته إذا ما تكلم، وعلى الرغم من حالته هذه إلا أنه كلف إسرائيل مجلساً للحرب حتى تم إغتياله ليُنسف هذا الجسد الطاهر بالطائرات في 22 مارس عام 2004. ويتمتع الشيخ "أحمد ياسين" بمنزلة روحية وسياسية متميزة في صفوف المقاومة الفلسطينية، وهو ما جعل منه واحداً من أهم رموز العمل الوطني الفلسطيني طوال القرن الماضي، كما يعد من أكثر القادة الفلسطينيين الذين نالوا احترام وولاء معظم الفلسطينيين ومعظم القادة والزعماء في العالم.
نشأته وحياته ولد "ياسين" في 28 يونيو1936، في قرية جورة عسقلان، التابعة لقضاء المجدل جنوبي قطاع غزة، ولجأ مع أسرته إلى قطاع غزة بعد حرب عام 1948، وشارك وهو في العشرين من عُمره في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجاً على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1375ه الموافق عام 1956 وأظهر قدراتٍ خطابية وتنظيمية ملموسة.
عمل "ياسين" مُدرساً للغة العربية والتربية الإسلامية، ثم عمل خطيباً ومُدرساً في مساجد غزة، حتى أصبح في ظل حكم إسرائيل أشهر خطيب عرفه قطاع غزة لقوة حجته وجسارته في الحق، وبعد إحتلال إسرائيل جميع الأراضي الفلسطينية بعد هزيمة 1967، إستمر أحمد ياسين في إلهاب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباسي الذي كان يخطب فيه لمقاومة المحتل، ويجمع التبرعات والمعونات لأسر الشهداء والمعتقلين. عمل "ياسين" بعد ذلك رئيساً للمجمع الإسلامي بغزة، كما إعتقل عام 83 بتهمة حيازة أسلحة و تشكيل تنظيم عسكري ومحاولة إزالة الدولة اليهودية، وأصدرت عليه إحدى المحاكم الإسرائيلية حكماً بالسجن 13 عاماً، أفرج عنه عام 1985 في عملية تبادل للأسرى بين سلطات إسرائيل والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. "ياسين" قعيداً
في السادسة عشرة من عمره تعرض "ياسين" لحادثة خطيرة أثرت في حياته كلها منذ ذلك الوقت، فقد أصيب بكسر في فقرات العنق أثناء لعبه مع بعض أقرانه عام 1952، وبعد 45 يوماً من وضع رقبته داخل جبيرة من الجبس اتضح بعدها أنه سيعيش بقية عمره رهين الشلل الذي أصيب به في تلك الفترة. إضافة إلى الشلل التام إلا أنه كان يعاني من أمراض أخرى عديدة منها فقدان البصر في العين اليمنى بعدما أصيبت بضربة أثناء جولة من التحقيق على يد المخابرات الإسرائيلية فترة سجنه، وضعف شديد في قدرة إبصار العين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن وحساسية في الرئتين وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى.
تأسيس "حماس" بعد خروجه من السجن أسس وعدد من رفاقه حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لذلك بدأت سلطات الإحتلال في التخلص من نشاط "ياسين وأعوانه"، ففي عام 1988 داهمت قوات الإحتلال الإسرائيلي منزله وقامت بتفتيشه ثم قامت بتحذريه بوقف نشاطاته أو نفيه إلى لبنان، وفي عام 1989 ألقي القبض عليه مع العديد من أبناء المقاومة المسلحة في قطاع غزة من قبل قوات الإحتلال، محاولة منهم لوقف إعتداءات أفراد الكتائب المسلحة ضد أفراد جيش الإحتلال بالسلاح الأبيض وإغتيال العملاء والمستوطنين.
محاولات إغتياله
أراد الكيان الصهيوني التخلص من "الشيخ ياسين" عام 1991، فقد أصدرت أحد المحاكم الإسرائيلية حكما بحبسه مدى الحياة، إضافة إلى 15 عاماً بتهمة خطف جنود إسرائيليين وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني، ثم تم الإفراج عنه عام 1997نتيجة إتفاق تم عقده بين الأردن وإسرائيل، نتيجة لعملية إرهابية فاشلة قام بها الموساد الإسرائيلي في الأردن، والتي إستهدفت حياة "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي ل"حماس" وفي آخر حوار تلفزيوني للشيخ ياسين قال: "نحن طلاب شهادة لسنا نحرص على هذه الحياة .. هذه الحياة تافهة رخيصة، نحن نسعى إلى الحياة الأبدية"، وعليه ذكرت المصادر الإسرائيلية في يوم 13 يونيو 2003، أن الشيخ أحمد ياسين لا يتمتع بحصانة وعرضه لأي عمل عسكري من قبل القوات الإسرائيلية، وبالفعل قذفت القوات الصهيونية قنبلة في يوم 6 سبتمبر 2003، على أحد المنازل في حي الدرج شمال مدينة غزة، والذي كان متواجد بداخله "ياسين" و معه إسماعيل هنية رئيس الوزراء المقال، حيث حلقت طائرة مقاتلة إسرائيلية من طراز اف 16 وأخرى من طراز اباتشي على مستوى منخفض في سماء المنطقة، وأطلقت قذيفة صاروخية على منزل مروان أبو رأس المحاضر في الجامعة الإسلامية المقرب من حركة حماس. سقطت القذيفة بعد لحظات من مغادرة ياسين والقيادي في الحركة إسماعيل هنية المنزل، مما أدى إلى إصابة ثلاثة فلسطينيين، وتدمير عمارة سكنية، وخرج منها "ياسين" سالماً، ولم تصبه إلا بجروح طفيفة في ذراعه الأيمن . إستشهاده وبقرار من رئيس الحكومة الإسرائيلية "آرئيل شارون" تحركت في الرابعة والنصف فجر يوم 22 مارس 2004، طائرات بطيار وبدون طيار وطائرات استطلاع لتحلق في سماء غزة، ويخرج 6 من رجال حماس ويجرون كرسيا متحركًا يحمل قائدهم الشيخ أحمد ياسين – مؤسس الحركة – ويدفعونه باتجاه السيارة، عقب انتهائهم من صلاة الفجر، في مسجد المجمع القريب من منزله في حي صبرا في غزة، وفجأة تحولوا إلى أشلاء. فسقط ياسين شهيداً في لحظتها وجرح اثنان من أبنائه في العملية وقتل معه سبعه من مرافقيه، وقد تناثرت أجزاء الكرسي المتحرك الذي كان ينتقل عليه ياسين في أرجاء مكان الهجوم الذي تلطخ بدمائه ومرافقيه خارج المسجد مما أدى أيضاً إلى تناثر جسده وتحويله إلى أشلاء وهنا إرتقت روحه إلى بارئها ومات كما كان يتمنى.