عندما تقرع كلمة دراما منافذ أذني ، تنتابني- وللحظه - مشاعر الحنين إلى الكلمة والحوار والفعل والحركة ، الحنين إلى الضوء والمؤثّر واللون ، إلى عبق المسرح القديم بقدم الحضارات الإنسانية ، نعم تعيدني الكلمة إلى جذور الفكر المسرحي الناضج أيام الإغريق القدامى الذي عاش خالداً حتى عصرنا الحالي وربّما بعد أيضا . فبالردّ على تساؤل لأحدى المتصفّحات الفاضلات عن معنى المصطلح ، أقول وبالله التوفيق وفي مختصر مفيد إن شاء الله .. إن كلمة دراما تعني باللغة اليونانيّة القديمة الفعل أو الحركة ، وهي مشتقّه من الكلمة اليونانيّة درامنيون ومعناها فعل شيء . وقد خُصصت الكلمة من قديم ، للتعريف بنمط أدبي فني حيّ ألآ وهو المسرحيّة والتي تختلف عن الأنماط الأدبيّة الأخرى ك ( القصّة والرواية .. الخ ) من حيث أنها تقوم أساساً على هذا الفعل أو الحركة أو الحدث ، فالفكر الإنساني المطروح سرداً في الأشكال الأدبية الأخرى ، نجده في المسرحيّة مجسداً من خلال حوار منطوق تقوم به شخصيّات حيّه تنقل لنا واقعا مسرحيّا ممتعا ، تلفّه ابداعة المؤلّف الذي اختار هذا الحدث أو الفعل ، ليولّد لنا في النهاية ، إيهاما بحقيقة ما قد نخرج به من عبرة أو عظة أو متعة أو شفقة ...إلخ ، بل تستثير فينا شتى الأحاسيس الكامنة والتي تؤثّر بعد ذلك في السلوك الإنساني النفسي والاجتماعي .. ومن هذا المنطلق ، فإن الدّراما هي الكلمة التي تعني بالسلوك الإنساني بمختلف صوره . مبتهجا أو مأساويّا / هزليا كان أو ساديّا / صامتا كان أو متكلّما / عقليّا كان أو عاطفيّا فما دام التشخيص حاضراً .. كانت الدّراما ... وقد كنّا قديما ، نحمّل هذه الكلمة مفاهيم خاطئة ، بل هناك من يسمع كلمة دراما فيستحضر في خياله على الفور المأساة والبكاء والعويل والدّم والنّواح ، وما يؤلم حقا أن هناك من الفنانين العرب من يخلط ما بين معنى الدّراما والكوميديا ، ولا يعرف في حقيقة الأمر أن تعريف هذه الكلمة اليونانيّة ب ( الفعل أو الحركة ) قد أحال المفاهيم الخاطئة إلى التقاعد ، وجعل العقل يستحضر هذا الفعل الذي تؤتيه شخصيّات معيّنه من خلال حوار منطوق ممّا يؤدي إلى حدث مليء بالحركة والصراع بغضّ النظر عن شكله وكنهه . وحسب تقبلكم لما أعرض ، سأقدّم لكم موجزا عن ما تحتويه الكلمة من أنواع المسرحيّة المختلفة ( المأساة / الملهاة / الميلودراما / الهزليّة ) والله من وراء القصد. الأوبرا كان يطلق عليها الدّراما الموسيقية ، وإن دلّ هذا فإنّما يدلّ على أنها نوع من أنواح المسرحيات لكنها لا تؤدى إلا بالغناء وبالموسيقى ، وتعتبر من الفنون الحديثة نسبيا ، فقد أبتكرت في عصر النهضة وقد طورت في روما ونابولي والبندقية حيث قد ذكرت المراجع بأن بين عامي 1637م و 1700 م قدّمت حوالي 300 أوبرا ، وكانت التراجيديات الإغريقية والرومانية القديمة ، محور موضوعات هذه الأوبريتات لفترة طويلة من الزمن ، لذا تم إدخال الأوركسترا الكبيرة ، والباليه ، والديكورات الضخمه ، وقد تنوعّت أشكالها ما بين الأوبرا الجادة والأوبرا الخفيفة الهزلية ، وكانت التطوّر الذي شمل كافة الفنون قد شملها أيضا .. والممثّل فيها لابد وأن يتميّز بجوار مقدرته على التمثيل بالحنجرة المرنة القوية والقادرة على الغناء بالشكل المتعارف عليه ، كما أن الغناء فيها من الممكن أن يكون فرديا أو ثنائيا أو جماعيا ، وتدعمّه الموسيقى والمتمشيّة مع روح النص المؤدى . فالأوبرا إذن هي مسرحية ( تراجيدية أو كوميدية خفيفة ) تؤدى حواراتها غنائيا ، فهي تجمع بين الغناء الأوبرالي / الموسيقى / الباليه أي إنها مزيج فني رائع من الشعر والتمثيل و الفنون سالفة الذّكر . ولا أحب أن أطيل ، فلسنا هنا نهتمّ بتقديم هذا اللون من الدّراما بشكل أو بآخر ، ومن يريد أن يستزيد فالمراجع بهذا الشأن لن تقف حائلا حول المعرفة إن شاء الله . أو اسألني - إن كنت مهتمّا حقا - وسوف أجيبك فوراً ، مشكوراً على إهتمامك... الأوبريت هو التطور الطبيعي للأشياء ، فالأوبرا وكما ذكرت سلفاً ، هي الشقيقة الكبرى للأوبريت ، ففي عام 1733 م أي بعد 139 عاما من تألّق الأوبرا وإرتيادها لقصور العظماء ، وخلقها للمنتديات الثقافية الراقية لجديّتها وعظمة طرحها ، خرجت الأوبرا من صلبها ولكن بشل أبسط في طرح الفكرة وأبسط في الحوار والألحان والأداء . أي أن الأوبريت ما هي إلا مسرحيّة هي الأخرى لها فكرتها الأساسية وموضوعها ، وشخصياتها وصراعاتها ، وتختلف عن المسرحيّة التقليدية المعروفه في أن العنصر الموسيقى بها هو الأساس في الأوبريت ، كما أن العقدة الدّرامية بها تجيء في أغلب الأحوال بسيطة ، وبالتالي تطغى هذه البساطة على الحوار الذي يقوم الممثلون بتمثيله وكذلك المقاطع من الحوار المؤدى غنائيا ، والغناء هنا ليس بالطريق الكوراليّه ولكن بطرقة تمثيلية بسيطة تتخلل المواقف التمثيلية العاديّه ، ولا جدال في أن عنصري { البساطة / الموسيقى } قد أعطيا الأوبريت انطباعا مرحا محببا للنفس ممّا جعلها تتفوّق على شقيقتها الكبرى ( الأوبرا ) وتجذب لها من العامه جمهورا واسعا من كل طوائفه لرؤيتها ، لا كجمهور الأوبرا المحدود ذات المظهر الأرستقراطي والعالم بثقافة الدراما الموسيقيه الراقية ، وهم قلّه على كل حال . إذن نستطيع أن نضع تعريفا للأوبريت ، وكما ورد بالمراجع العربية والأجنبية ، يطلق اصطلاح الأوبريت على المسرحيّه الخفيفة التي تجمع بين الحوار التمثيلي والمقاطع الموسيقية والغنائية التى تعالج موضوع المسرحيّة بأسلوب موسيقى مرح . إذن الفارق بين الأوبرا والأوبريت ، في أن الأولى يستبدل فيها الكلام بالشعر الغنائي ، أمّا الأوبريت فيستبدل فيها بعض الكلام لا كلّه بحوار يصلح لأن يغنى وهذا ممّا يعطي بعض الراحة الذّهنيّة للجمهور المتلقي والذي يحب أن يرى ممثلّه المفضّل وهو يغني بصوته الأجش على خشبة المسرح . وأحب هنا أن أنوّه ، بأن أغلب ما يعرض لدينا هنا في الإحتفالات العامة والمناسبات تحت مسمى أوبريت ، ما هو بأوبريت !!!! ولكن قصيده شعريّة ملحنة يغنيها بعض المطربين ، وإذا طعّمت ببعض الفنون الشعبية فهي إذن لوحة شعرية شعبية غنائيّة وليست أوبريت بحال من الأحوال .