المسرح والموسيقي من أوائل الفنون التي ارتبطت ببعضها وعبرت عن تراث الأفراد والمجتمعات علي مر العصور، في بداية الأمر ظهر الغناء مصاحبا للعمل المسرحي حيث أدركت الحضارات الكبري مثل الفرعونية، والآشورية، والبابلية، واليونانية، والرومانية، أهمية الغناء في العمل الفني، ويؤكد هذا المخطوطات والحفريات عبر العصور، منها بردية الرامسيوم عام 1869 التي كشف عنها العالم الألماني "زيته" وتحتوي علي تفاصيل مسرحية مقدسة كانت تمثل بشكل غنائي في مناسبة تتويج سنوسرت الأول عام 1971- 1928 ق.م. ومع مرور الزمن ظهرت أنواع متعددة من المسرح الموسيقي جميعها تعتمد علي نص أدبي يكتب شعرا، أو نثرا، أودراميا، وتكون الموسيقي والغناء فيها إما عنصرا أساسيا أو عنصرا مساعدا في توصيل الحالات الانفعالية المختلفة للمتلقي. وبين ذاك وتلك سنستعرض هنا أشكال المسرح الموسيقي التي ظهرت في العالم وانتقلت إلي مصر في القرن العشرين. الشكل الأول كان الأوبرا، وهي عمل مسرحي يكتب نصه شعرا ويصطلح عليه "ليبرتو" والموسيقي فيه عنصر أساسي حيث يبدأ بمقدمة موسيقية غالبا ما تكون مزيجا من موسيقي الأعمال المغناة داخل الأوبرا، وحوار شخصيات الأوبرا بأكملها يكون ُمغنيَ، ويجمع هذا العمل المسرحي الغنائي بين أنواع من الغناء هي الالقاء المنغم (الريسيتاتيف)، الدويتو(الغناء الثنائي)، التريو(الغناء الثلاثي)، والغناء الجماعي، والأغنية المنفردة والتي تسمي (آريا)، ويتخلل مشاهدها الرقصات، والفواصل الموسيقية. دخل فن الأوبرا في مصر في عهد الخديوي إسماعيل، الذي شيد أول أوبرا في مصر (دار الأوبرا الخديوية) عام 1869م لتقدم عليها أوبرا عايدة احتفالا بافتتاح قناة السويس، وإن حالت الظروف دون تحقيق ذلك و أول أوبرا قدمت مكتملة فيها كانت أوبرا (ريجوليتو) لفيردي. وظل فن الأوبرا هو فن الصفوة في المجتمع لأنه كان يقدم بلغات أوروبية، حتي عام 1958 حيث بدأت تقدم بعض التجارب المترجمة علي نفس الموسيقي الأصلية مثل أوبرا (الأرملة الطروب) تأليف فرانز ليهار، (لاترافييتا) لفيردي...وغيرهما، وقد لاقت هذه المترجمات استحسان الجمهور، ولم يعد متلقو هذا النوع من الفن هم الصفوة فقط بل أصبح جمهوره من شرائح مختلفة. وقد شجع ذلك بعض المؤلفين الموسيقيين المصريين علي تأليف أوبرات مصرية مثل أوبرا (مصرع كليوباترا) لحسن رشيد، أوبرا (أنس الوجود) لعزيز الشوان، أوبرا (حسن البصري) لكامل الرمالي، وأخيرا ومنذ سنوات قليلة قدم لنا شريف محيي الدين أوبرا (ميرامار)، وجميع هذه الأوبرات اعتمدت علي نص شعري مستوحي من تاريخ المجتمع المصري في حقب مختلفة. ثانيا الأوبريت، والاسم مأخوذ من كلمة ايطالية تعني رواية تمثيلية، تميل في موضوعاتها إلي الفكاهة، وهذا العمل الفني يعتمد علي نص درامي له حوار للشخصيات، ويتخلله مجموعة من الأغنيات الفردية أو الثنائية أو الثلاثية أو الجماعية، التي لا يمكن فصلها عن الأجزاء التمثيلية في العمل المسرحي، وفي الغالب يكون هناك تعادل بين حجم المشاهد التمثيلية والمشاهد الغنائية، ويتخلل الأوبريت أيضا بعض الرقصات. وقد ظهر الأوبريت في مصر مع بداية القرن العشرين علي يد أبو خليل القباني ثم سلامة حجازي، وسيد درويش، ومنيرة المهدية، حيث كان لكل منهم فرقته المسرحية التي تقدم الأوبريتات. وفي النصف الثاني من القرن العشرين قدمت العديد من الأوبريتات خاصة بعد تشييد العديد من مسارح الدولة بعد ثورة يوليو1952، نذكر منها (البيرق النبوي) ألحان أحمد صدقي، (ياليل ياعين) تأليف أحمد صدقي، عبد الحليم نويرة، إبراهيم حجاج، وكلاهما كان في الخمسينيات. ثم تأتي الستينيات والسبعينيات ليقدم فيها نجوم هذه الفترة مجموعة من الأوبريتات مثل محمد الموجي الذي قدم العديد من الأوبريتات نذكر منها (وداد الغازية، ليلة العمر، حمدان وبهانة، الخديوي)، وقدم بليغ حمدي (مهر العروسة ، تمر حنة)...وغيرهم ممن قدموا فن الأوبريت الذي كان دائما هو الأقرب لمزاج الجمهور المصري. ثالثا الميوزيكال، وهي كلمة أجنبية تعني المسرح الغنائي الاستعراضي، ظهرت في أوروبا والولايات المتحدة مع بداية القرن العشرين، وكانت تطورا طبيعيا لفن الأوبرا والأوبريت. ويوجد من الميوزيكال عدة أنواع هي : المسرحية الاستعراضية، وهي عبارة عن مجموعة من اللوحات الاستعراضية التي يصاحبها الموسيقي والغناء، ويفصل بين كل لوحة والأخري مشهد تمثيلي بسيط قد يكون له نص درامي متسلسل، أو مشاهد تمثيلية منفصلة، وفي كلا الحالتين فالبطل في هذا النوع من العروض يكون الاستعراض، ومن أشهر العروض المسرحية المصرية التي قدمت علي هذا الغرار كان عرض (القاهرة في ألف عام) الذي قدم علي خشبة مسرح البالون عام 1969م ، واشترك في وضع ألحان استعراضاته أحد عشر ملحنا. والنوع الثاني هو المسرحية الغنائية الاستعراضية، وهي التي تعتمد علي نص درامي قد يكون مضمونه كوميديا أو مأسويا أو عاطفيا ويتخلله مجموعة من الأغنيات والرقصات التي يكون لها توظيف درامي يناسب المشهد التمثيلي، وقد يقدم الأغنيات في هذا النوع من المسرحيات مطرب منفرد فقط أو المجموعة أو مطرب ومطربة، ونذكر من العروض الغنائية الاستعراضية (رابحة الرابحة) ألحان مجموعة من الملحنين، وعرض (لولي) ألحان عمار الشريعي... وغيرهما. والجدير بالذكر أن معظم العروض التي تحتوي علي الغناء والاستعراض منذ الربع الأخير من القرن العشرين وحتي الآن تندرج تحت تصنيف العروض الغنائية الاستعراضية. أنماط الغناء علي المسرح تطورت أنماط تقديم الموسيقي والغناء علي خشبة المسرح من حقبة إلي أخري في مصر وكانت كالتالي: أولا الغناء الحيّ : كان الغناء علي خشبة المسرح منذ بداياته وحتي بداية أربعينيات القرن العشرين يعتمد علي الغناء الحيّ، ولذلك كانت قوة الصوت من أهم صفات مطرب هذه الحقبة، وكان يحتم ذلك علي الجمهور الالتزام بالصمت لسماع الغناء والحوار التمثيلي. وفي الأربعينيات دخلت مكبرات الصوت (الميكروفون) إلي مصر ولكنها كانت في طورها الأول وبدأت تستخدم في المسارح، والصالات، والحفلات العامة مما سهل علي المطربين والمطربات مهمتهم. ثانيا الغناء النصف حي ّ: ظهر هذا النوع من الغناء نتيجة للتطور التكنولوجي السريع والهائل في العالم، وكان الغرض من استخدامه ترشيد النفقات لأنه في هذا النوع من الغناء يتم الاستغناء عن الفرقة الموسيقية الحية، حيث يتم تسجيل موسيقي الأغنيات علي اسطوانة أو ما يعادلها، دون صوت المغني أو المغنين، فهو الوحيد الذي يكون غناؤه حيا من خلال ميكروفون، ولذلك تعرف هذه الطريقة باسم (- 1) أي ناقص واحد، والناقص هنا هو صوت المؤدي فقط. ثالثا الغناء المسجل : وهو الأكثر شيوعا منذ سبعينيات القرن المنصرم، حيث يتم تسجيل موسيقي وأغنيات العرض بأكملها علي اسطوانة أو ما يعادلها، ويتم تشغيل كل أغنية علي حدة في موضعها المخصص لها بين مشاهد العرض المسرحي، بينما يقوم المغني أو المجموعة بتحريك الشفاه فقط مع مقاطع الغناء، وهذه الطريقة توفر جهد المطرب، ونفقات الجهة الإنتاجية.