مرت نهارات.. عدت ليال.. وطوي الزمن صفحات من غضب.. من ورق.. من حنين وصخب. لست بقادرة علي حساب الأيام، التي خصمت من عمري، وأن ألتزم صباحاً، بغسيل وجهي، وأحرص ليلاً علي تنظيف أسناني. لكن المرآة، لا تمنحني ملامحي.. وفنجان القهوة، أخفي مذاق البن المحوج.. لم يقرأ لي الغيب، أو الجريدة.. وأسدل الستار عن لذة العقيدة.
كم من الأوقات، مستحيلة الوقت.. ممكنة الجنون، وأن أحدق متسائلة علي جدران الكون.. «أين هي؟» الوحيدة التي تحسم قضيتي.. أكون أو لا أكون.
أزمنة بطيئة الايقاع، تعزف لحناً مغترباً عن دمي.. وتجبرني علي الإصغاء، متجاهلة سؤالي «أين هي؟» تلك التي تشكل تفرد وجهي، وندرة طباعي، وتنثر الحروف علي أبجدية وجودي؟
«أين هي؟».. المقاتلة الدؤوبة، التي دون إكراه تدفعني، لأترك الصفوف الخلفية، وأصنع مكاني تحت عين الشمس: دربتني كيف أقفز علياً، فوق المطبات الأرضية، لاستحق بيتي في السماء. «أين هي».. التي تكشف فضائحي الراقية.. وتهبني أحزاني النبيلة.. تعطرني بعصارة الألم.. وتهديني إلي حكمة النزف الذي يرفض الالتئام؟ «أين هي».. الوحيدة التي ستمشي بكبرياء في جنازتي.. تحملني بالحنان، والزهور، إلي وسادتي الأبدية.. وتظل بجانبي تحرسني من غزو كائنات الأرض.. وسطو بلطجية الأكفان.. وقراصنة هدم الأضرحة.
اليوم، «عادت» أيقظتني من انتظاري الطويل.. لتكفر عن أكبر خطيئة.. «أن نفترق».
اليوم، عادت، «كلمتي»، إلي عرشها المهجور.. وتبدأ عهداً جديداً، من الحكم.
عاودها الحنين، لأن تتوج الحاكمة المطلقة لجزيرة قلبي.. أن تكتب بمفردها دستور عقلي.. وتضبط حركة جسدي.. يمر، ينتظر، يمشي، يجري، يقفز.. يتألق.. يطير.. يذبل.. يمرض، أو يغني.
كله، كما تشاء.. ومتي تهوي «ملكتي».. «كلمتي» ما أجمل الملكات اللائي يكتبن.
أن تعود «كلمتي»، معناه أن أعود، إلي عالم، فشلت أقوي مزيلات رائحة الدم، في تغطية جرائمه.. وعجزت أحدث تكنولوجيا التجميل، في إذابة بقع الكذب، المتناثرة علي وجهه، وفوق جسده.. ولم تفلح عمليات تدبيس معدته الجشعة.
عالم.. يتنفس من رئة الحروب.. تطربه صرخات الظلم.. ويحتفظ في ثلاجته، بمائة نوع من الكافيار، والنبيذ، وألف نوع من القتلي، عليها ختم حقوق الإنسان.. وشعار تعود «كلمتي» ليستمر صمودي، ضد كوكب، يقدس رأس المال، ويزدري رأس المرأة.
عالم يتفنن في صناعة أسلحة «فرق تسد».. وأكثرها مبيعا، ورواجا، الأسلحة التي تشحذ ذخيرتها، باسم شرع الله، وتعزف تنويعات مختلفة، علي لحن الإرهاب.. والتكفير.. والتهجم.. والتحريم.
في إحدي طرقات الكرة الأرضية، يسكن «وطني».. مصر.. اسم قصير، وحزن أطول من النيل.. وظمأ موقوت الانفجار. في لحظة خارج الزمان، والمكان، لكنها مغروسة في قلب التاريخ، قرر الوطن أن يفض غشاء الحزن، وأن يتذوق طعم الفرح.
ارتمينا في حضن الوطن.. نشرب معه، الفرحة المحرمة.. نهتف جميعنا في صوت واحد «الوطن يريد إسقاط الأحزان».. «الوطن يريد الارتواء».. «القصاص لمن أطلق الرصاص»..«الوطن يريد عدالة توزيع الفرح».. «الوطن يريد فرحة صُنعت في مصر»..«الوطن يريد رفع الحد الأدني للكرامة».. «الوطن يريد التداول السلمي للحريات».. «الوطن يريد حظر تجول الدين في طرقات الدولة»..
شرب الوطن، من كأس الفرح، حتي الثمالة. ولأن الفرح، ذنب، وخطيئة، وإثم، كان لابد أن، ينزل العقاب علي الوطن.
انقض لصوص الفرحة.. اتحد سماسرة الأوطان.. التفت مرتزقة الأديان، وفي خطط محكمة، يتم السطو علي ثمار الفرحة.
هناك قوانين للسطو علي الممتلكات العامة، والملكيات الخاصة. لكن أين هو ذلك، القانون، الذي يجرم السطو علي الفرح؟
هكذا يتساءل الوطن، في حسرة. أقول لمصر.. لوطني.. أنت تتحسر، قدر عظمتك.. وعمق جذورك في أرض الحضارة. يا وطني.. لا تقلق.. أنت تتعرض كل يوم، للسطو.. لأنك شجرة، مثمرة.. ممتلئة بالخيرات، والنعم، والهبات.
هل سمعنا، ولو مرة واحدة، أن هناك حجارة قذفت علي شجرة عارية؟ أو أن عصابة محترفة، تخطط للسطو علي خزينة فارغة؟ في هذه المرحلة، يغير وطني، معني التاريخ، وحدود الجغرافيا.. يلون لوحة الحياة، بألوان جديدة.. وفي داخل أحشاء، أرغفة الخبز، يضع أجنحة الحرية والعدالة، لتشبع، وتكفي، 85 مليونًا.. والأمر هكذا، أليس من العدل، أن أقول له:.. افرح يا وطني؟؟!!