يطلب بلهجة ريفية من المعتصمين ألا يتجمعوا في مكان واحد، وأن يتفرقوا على الأطراف كي لا تصيبهم قنبلة مولتوف واحدة، ويبدو ذلك الخمسيني الذي يلقبونه بالدكتور على دراية بفنون حروب التحرير التي تجري من آن إلى آخر في الميدان الأشهر لثورة 25 يناير. لكن ''ماما نور'' لم تتوقف عن توجيه انتقاداتها للحركات الشبابية التي علقت اعتصامها الذي كان من المقرر استمراره من الأول حتى الثامن من يوليو للمطالبة بالقصاص في قضايا الشهداء وتحقيق باقي مطالب الثورة، وسط دائرة من عشرات المعتصمين الذين اختلفوا فيما بينها بين إدانة الحركات الشبابية التي ترى ماما نور أنها خزلت المعتصمين بانسحابها. كان المعتصمون قد بدأوا ليلتهم العصيبة بمعركة استمرت ساعات مع الباعة الجائلين في الميدان، يقول المعتصمون أن الباعة الجائلين الذين يشوهون الاعتصام بتصرفاتهم المثيرة للاستهجان قد هاجموهم، عقب قرار المعتصمين بنقل مقر اعتصامهم من الصينية بوسط الميدان إلى الحديقة المجاورة لمجمع التحرير حيث سور حديدي يحميهم من بلطجة الباعة. يرشد شاب سلفي الصحفيين إلى الدلائل على هذا الاعتداء المشين الذي تقف وراءه قوة تريد تشويه صورة المعتصمين، يخرج من أحدى الخيم انبوبة بوتاجاز صغيرة الحجم يستخدمها الباعة في تجهيز الشاي في الاوقات العادية، وكأداة لحرق خيم المعتصمين اثناء المعركة. ويعرفهم على شباب مصابين بالرأس والأيدي والأرجل، جراء معارك بالطوب والزجاج والشوم، غير أن أغلب هؤلاء المصابين يرفضون التصوير، الأمر الذي يشترك فيه غالبية الثوار بالميدان، حيث أصبحت مسألة التصوير والتعامل مع الصحافة مسألة حساسة وسط اتهامات توجه لهم بالبلطجة أو كونهم قلة مندسة تهدف إلى تخريب الوطن. تتدخل أحدى السيدات التي تحمل صورة ابنها الشهيد، في الحديث الذي كانت تقوده ماما نور حول الحركات الاحتجاجية التي تهتم ب''الشو'' الإعلامي اكثر من الثورة، وأن بقائهم كان ليحمي المعتصمين من البلطجية، بدلا من تعليق الاعتصام حتى الجمعة المقبلة، لتؤكد – ام الشهيد - أنها لا تريد شيئا من أحد وأنها هنا لتعتصم من أجل انهاء سلسلة التأجيلات في محاكمة قتلة الثوار، غير أن ماما نور ترى أنه من الضروري أن يبقى المزيد من المتضامين من اسر الشهداء كي يؤتي الاعتصام نتائجه، لائمة أهالي احياء الشهداء الذي كان الأولى بهم أن يخرجوا ثائرين من أجل شهداء حييهم، بدلا من أن يقفوا ضد المعتصمين. الشعور بالاضطهاد والتآمر، يسري في الميدان سريان النار في الهشيم، الجميع يشعر بأن كل من خارج الميدان هو ضده، وإن الأعلام الذي يبدو من وجهة نظرهم لم يتغير حتى بعد الثورة لازال ضدهم وضد مطالبهم المشروعة. يقول محمد طلعت ناشط أن الباعة الجائلين ما هم إلا مجرد بلطجية يعملون لحساب وزارة الداخلية، ويحركهم أميني شرطة من قسم قصر النيل ذكرهما بالاسم، وتتفق معه زميلته التي رفضت أن تذكر اسمها أو اسم اختها المصابة بمستشفى المنيرة والتي كانت متطوعة بالمستشفى الميداني بميدان التحرير اثناء المعركة، حيث تقول أن أميني الشرطة اللذان اعتادا الدخول إلى الميدان منذ بدء الاعتصام قد قالا أنهما يعملان من أجل تأمين المعتصمين وهو الأمر الذي لا يستقيم مع منطق النشطاء. فالعلاقة ما بين وزارة الداخلية عموما، والنشطاء هي علاقة غاية في التوتر، الأمر الذي بدا واضحا في مواجهات الثلاثاء الماضي أمام مسرح البالون وبميدان التحرير والتي استمرت اكثر من 12 ساعة متواصلة، انسحبت على أثرها قوات الأمن المركزي إلى مقر وزارة الداخلية لتؤمنه. وترقد الممرضة الميدانية المصابة بمستشفى المنيرة للتأكد من إصابتها التي قد تكون ارتجاج بالمخ، بينما توجه إليها اتهام مع زملائها الناشطين بالاعتداء على الباعة الجائلين كانت قد قدمته طفلة لم تتجاوز الخامسة عشر اسمها عسلية اصيبت هي الأخرى بجرح في ذراعها. ويقول طه ناشط ومصاب ومتهم، أن الغرض من هذا الاتهام هو تضيع حق المعتصمين المعتدى عليهم، كي يصبح بلاغهم ضد الباعة الجائلين مقابل بلاغ الباعة الجائلين ضدهم، فتحفظ القضية من النيابة دون محاسبة المعتدي. فيما تقول عسلية أنها لم تعتدي هي أو غيرها من الباعة على المعتصمين وأن كل ما في الأمر مجرد ''خناقة'' بين شابين تدافعا ليسقطا على نار ''نصبة الشاي'' لتحرق من تلقاء نفسها خيم المعتصمين الذين يثورون لهذا الحادث ويدخلون في معركة مع الباعة. وتكتشف عسلية أن بالاتهام المتبادل بيتها وبين النشطاء، أنها لا تستطيع مغادرة المستشفى حتى عرضها على النيابة، وتحاول هي وزميليها صغار السن من الباعة الجائلين مغادرة المستشفى دون جدوى، وهو ما اشعرهم بالانزعاج من تورطهم في قصة اخذت اكبر من حجمها. بالعودة من مستشفى المنيرة إلى ميدان التحرير، عبر شارع مجلس الشعب، يتصادف أن يلتقي مراسل مصراوي بأفواج من مئات المتظاهرين متجهين نحو وزارة الداخلية وهو ما قد ينذر بكارثة، يحاول معظم الناشطين تجنبها، هاتفين في هذه الافواج الرجوع. كانت هذه الافواج قد خرجت من ميدان التحرير إلى مقر مجلس الوزراء (على ناصية شارع مجلس الشعب المؤدي لوزارة الداخلية) من أجل توجيه رسالتها إلى الناس ومجلس الوزراء بأن المعتصمين ليسوا ببطلجية، إلا أنه كالعادة وجد من استغل هذه المسيرة ليوجهها إلى وزارة الداخلية، لكن الناشطون ينجحوا في إعادة أغلب المتظاهرين إلى ميدان التحرير مرة أخرى. وبميدان التحرير تعقد دوائر الحوار من أجل تنظيم الصفوف التي شتت بفعل المعارك والصراع، ومن أجل توحيد المطالب التي سيبقى المعتصمون من أجلها منذ هذه اللحظة وحتى يوم الجمعة، فيقول احمد منصور (ناشر) أنه لا يجب الانتظار حتى الجمعة، ولا يجب أن ينفض هذا الاعتصام بعد الجمعة حتى تنفذ جميع المطالب التي اصبح من الصعب تحقيقها بعد تشتت القوى الوطنية أو تحييدها من مطالب المحتجين في الشوارع.