من المستبعد أن تلجأ مصر الى سوق السندات الدولية خلال الشهور القليلة القادمة رغم العجز الكبير في الميزانية وذلك نظرا لان حالة الغموض السياسي سترفع التكاليف كما ان الحكومة ترغب في جمع أي مساعدات أجنبية يمكنها الحصول عليها. وأطلقت الدولة اخر سندات خارجية قبل نحو عام من تنحي الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير شباط وتجاوز الطلب عليها المعروض. وكانت حكومته تدرس اصدارا جديدا طويل الاجل.
لكن مسؤولين يقولون حاليا ان الحكومة التي تتوقع عجزا في الميزانية بنحو تسعة في المئة في العام المالي 2011-2012 ليست في عجلة من امرها. ويقول اقتصاديون انها قد لا تطرق ابواب السوق قبل نوفمبر تشرين الثاني على أقرب تقدير.
وتراجع عائد السندات الخارجية المصرية لاجل عشر سنوات الى 5.70 في المئة من أكثر من سبعة في المئة في أواخر يناير كانون الثاني اثناء الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمبارك بعدما حصلت الحكومة على تأكيدات بمساعدات أجنبية لتعزيز الماليات العامة. وكان العائد قد تراجع الى 4.4 في المئة في العام الماضي.
وحصلت مصر على متنفس عندما وافق صندوق النقد الدولي في السادس من يونيو حزيران على اعطائها قرضا تحت الطلب بقيمة ثلاثة مليارات دولار. وباضافة هذا القرض يمكن ان يصل اجمالي التعهدات من الولاياتالمتحدة والسعودية وقطر ودول أخرى الى أكثر من 20 مليار دولار في حالة انجازها جميعا.
لكن مصر ألغت اتفاق قرض صندوق النقد الدولي بعد تعديل الميزانية بشكل خفض العجز المتوقع.
وقالت دينا أحمد الخبيرة الاقتصادية لدى بي.ان.بي باريبا في لندن "أعتقد أنهم قادرون على التوقف (عن اصدار سندات خارجية) في الوقت الحالي كي يحصلوا على أفضل سعر.
"الوضع لا يزال يفتقر الى اليقين الى حد بعيد فيما يتعلق بالمستقبل لاسيما وان الانتخابات البرلمانية ستجرى في سبتمبر والرئاسية بعدها بفترة وجيزة."
واشار مسؤولو خزانة في القاهرة اشترطوا عدم الكشف عن أسمائهم الى أنهم لا يتعجلون السعي للحصول على تمويل جديد من سوق السندات الدولية.
وقال احدهم بعدما طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب قيود على الحديث لوسائل الاعلام "في ظل كل التمويل الذي سنحصل عليه ربما لا نحتاج حتى للجوء الى (السوق الدولية) في الوقت الحالي."
وليست مصر البلد الوحيد الذي قرر الانتظار تحينا للفرصة المناسبة اذ يقول خبراء اقتصاديون ان كلا من البحرين وتونس اللتين شهدتا اضطرابات سياسية ايضا أجلت تحركات لجمع تمويلات جديدة من الخارج في الوقت الذي تواصل فيه الانتفاضات الشعبية التي بدأت في تونس في يناير الانتشار في انحاء الشرق الاوسط.
وانكمش الاقتصاد المصري أكثر من اربعة في المئة في ربع السنة من يناير كانون الثاني حتى مارس اذار بسبب الاضطرابات. وتواجه الدولة مطالب شعبية متنامية بزيادة الدعم ورفع أجور الموظفين العموميين في الوقت الذي يتراجع فيه الدخل من الضرائب.
وخفضت الحكومة الانفاق المتوقع في العام المالي الذي يبدأ في أول يوليو تموز وقلصت العجز المتوقع في ميزانية 2011-2012 الى 8.6 في المئة من 11 في المئة كانت متوقعة في بيان الميزانية الذي عرض في بداية يونيو حزيران.
وتشمل عروض الدعم الاجنبي ملياري دولار من الولاياتالمتحدة في صورة اعفاء من ديون وضمان سندات لمشروعات البينة التحتية وتوفير وظائف الى جانب عشرة مليارات دولار من قطر لدعم البنية التحتية.
ورغم التعهدات الاجنبية بالدعم للميزانية العامة وميزان المدفوعات لم يتحقق شيء يذكر منها حتى الآن وقد يستغرق الامر شهورا للحصول على مزيد من التوضيح بشأن الاجمالي.
وقال بنك الاستثمار بلتون فينانشال في مذكرة بحثية "نعتقد ان جزءا كبيرا من التمويل الدولي كان سيتوفر فعليا عقب نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية وهو الامر الذي كان من شأنه أن يسفر عن فجوة تمويل كبيرة لو كانت الحكومة مضت قدما في الانفاق الزائد."
وقال وزير المالية المصري سمير رضوان يوم الاربعاء ان الحكومة تجري محادثات لجمع 14.3 مليار جنيه مصري (2.4 مليار دولار) من بلدان عربية والولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي دون أن يحدد مهلة نهائية.
وتشير تقديرات لبنك جيه.بي مورجان الى أنه في ظل ترجيح أن تظل الصناعات الرئيسية والتدفقات الاستثمارية على البلاد ضعيفة ستحتاج مصر الى جمع ثمانية الى تسعة مليارات دولار لتعويض العجز في ميزان المدفوعات.
وقال ابراهيم رزق الله كبير خبراء الاقتصاد لدى جيه.بي مورجان الشرق الاوسط "هناك تعهدات من بلدان ليس بتقديم مساعدات وقروض فحسب وانما أيضا باستثمارات اجنبية مباشرة."
وأضاف "لكن لا أعتقد أن الاستثمار الاجنبي المباشر سيتعافى سريعا."
وتابع يقول "طرق أبواب سوق (السندات الدولية) في الوقت الحالي قد ينطوي على تحديات ... قد يأتي هذا في نوفمبر أو ديسمبر .. فور أن تكون احتياجاتهم التمويلية أكثر وضوحا."
ويبتعد الاجانب في الوقت الحالي عن أذون الخزانة المقومة بالجنيه المصري برغم ارتفاع العائدات.
وبلغ العائد على أذون الخزانة لاجل 182 يوما لدى صدورها في منتصف ابريل نيسان 11.921 في المئة. وبلغ العائد على اذون لها نفس الاجل صدرت يوم الخميس 12.791 في المئة.
ويقول خبراء ان الغموض السياسي يدفع المستثمرين لتجنب اذون الخزانة المصرية في الوقت الحالي غير ان البعض قد يستأنف الشراء مجددا خلال ثلاثة اشهر او نحو ذلك.
ويشير تقدير من جيه.بي مورجان الى ان الاجانب يملكون حاليا نحو اثنين في المئة من أذون الخزانة المصرية مقارنة مع 23 في المئة في سبتمبر ايلول 2010. ولم تتوفر ارقام رسمية.
ويقول متعاملون ان الاجانب الذين تخلوا سريعا عن الاسهم المصرية عندما استأنفت البورصة التداول بعد اغلاق دام اكثر من سبعة أسابيع اصبحوا اكثر نشاطا في السوق في الاسابيع الاخيرة.
ويقول خبراء استراتيجيون ان مباحثات الاستحواذ التي تتركز على شركة القلعة للاستثمار المباشر المصرية ومجموعة اوليمبيك جروب للاجهزة المنزلية تشير الى الثقة في المدى البعيد في مصر بعد عهد مبارك.
وأظهر البنك المركزي قدرته على الدفاع عن الجنيه المصري اثناء الازمة الاقتصادية الا ان الشكوك ستظل تخيم على صورة الدين المصري الى ان يظهر المجلس الاعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر أن بمقدوره اجراء انتخابات نزيهة وسلمية وضمان تشكيل حكومة مستقرة.
وقال رزق الله "المستثمرون في حالة ترقب. يريدون مزيدا من الوضوح فيما يتعلق بالافق السياسي."
وقال ان جيه.بي مورجان كان يوصي المستثمرين ببيع التأمين على الديون السيادية المصرية من خلال اتفاقات تأمين الديون من العجز عن السداد بسبب تحسن ملحوظ في صورة المخاطر الخاصة بمصر ورغم ذلك "لا نرى سوى تراجع تدريجي في هوامش الاسعار". " مباشر"