أثناء نظرها إحدى الدعاوى المطروحة أمامها قضت المحكمة الإدارية العليا بإحالة بعض نصوص مواد قانون مجلس الشعب إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستوريتها وذلك لقيام شبهة قوية لديها على مخالفتها لأحكام الدستور وإذا كان ذلك كذلك فإن السؤال الذى يطرح نفسه هنا مؤداه : ما هو الأثر المترتب على الحكم الذى قد يصدر من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذه النصوص ؟ وقبل أن نستعرض الإجابة عن هذا السؤال نشير فى البداية إلى أن احترامنا وتقديرنا الشديد لاستقلال وجلال المحكمة الدستورية العليا يحتم علينا عدم الخوض فى التعقيب على القضايا المطروحة أمامها ولم تفصل فيها بعد ، ولكن ما نتناوله هنا هو نتيجة من النتائج الحتمية التي قد يصل إليها الحكم الصادر من المحكمة والذي لن يخرج عن القضاء بعدم دستورية النصوص الطعينة أو رفض الدعوى موضوعياً ومن ثم القضاء بدستورية النصوص الطعينة 0 وفى سبيل الإجابة عن السؤال الذى طرحناه نوضح أن الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم (48) لسنة 1979 تقضى بأن يترتب على الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة ، عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ، ما لم يحدد لذلك تاريخاً آخر ، على أن يكون الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له فى جميع الأحوال إلا أثر مباشر ، وذلك دون إخلال باستفادة المدعى من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص ويستفاد من هذا النص أن الحكم الصادر بعدم الدستورية يسرى بأثر رجعى على اعتبار أن الخصومة الدستورية هي خصومة عينية ، توجه فيها الدعوى ضد نصوص تشريعية بغية الوقوف على مدى اتفاقها أو مخالفتها لأحكام الدستور ، فإذا ثبت تعارض النصوص التشريعية الطعينة مع أحكام الدستور قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها ، ويغدو الحكم الصادر بعدم الدستورية فى هذه الحالة كاشفاً عن العوارض الدستوري الذى يشوب التشريع الطعين منذ صدوره ، بما مؤداه أن الحكم الصادر بعدم الدستورية لا يفعل أكثر من كشف عيب عدم الدستورية الملازم للتشريع منذ صدوره وحتى فحص مدى دستوريته من جانب المحكمة الدستورية ، وبذلك يكون التشريع قد ولد مناهضاً لأحكام الدستور منذ صدوره وليس من وقت صدور الحكم بعدم الدستورية ، مع ملاحظة أن نص المادة 49/3 من قانون المحكمة الدستورية العليا قد أعطى لهذه المحكمة الحق فى تقرير تاريخ آخر غير تاريخ صدور النص المقضي بعدم دستوريته وذلك على ضوء الظروف الخاصة ببعض الدعاوى التي تنظرها ، وتقديرها لحجم الخطورة الناجمة عن تقرير الأثر الرجعى بصفة مطلقة وفى الواقع العملي استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن القاعدة العامة هي سريان الحكم الصادر بعدم الدستورية بأثر رجعى يمتد إلى تاريخ صدور النص التشريعي المقضي بعدم دستوريته، وأن الاستثناء هو سريانه بتاريخ آخر غير تاريخ صدور النص المقضي بعدم دستوريته ومن السوابق القضائية فى قضايا مماثله نظرتها تلك المحكمة وبحثت فيها مدى دستورية بعض نصوص قانون مجلس الشعب التي طعن عليها أمامها ، ومنها حكمها الصادر بجلسة 19/5/1990 فى القضية رقم 37 لسنة 9 ق دستورية ترتب على الحكم الصادر بعدم دستورية النصوص الطعينة حل مجلس الشعب وبطلان تكوينه منذ انتخابه وإذا كانت هناك قاعدة متعارف عليها تقضى بأن ما بني على باطل فهو باطل مما يستلزم بطلان كافة القوانين والقرارات والإجراءات التي اتخذها مجلس الشعب بأثر رجعى ، غير أن رغبة المحكمة الدستورية العليا فى تحقيق الاستقرار والأمن القانوني فى المجتمع أدى بها إلى النتيجة التي انتهت إليها فى هذا الحكم والتي جاءت على النحو التالي :- " لما كان ذلك ، وكانت إنتخابات مجلس الشعب قد أجريت بناء على نص تشريعي ثبت عدم دستوريته بالحكم الذى انتهت إليه المحكمة فى الدعوى الماثلة ، فإن مؤدى هذا الحكم ولازمه أن تكوين المجلس المذكور يكون باطلاً منذ انتخابه ، إلا أن هذا البطلان لا يؤدى البتة إلى ما ذهب إليه المدعى من وقوع انهيار دستوري ولا يستتبع إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة وحتى تاريخ نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية 0 بل تظل تلك القوانين والقرارات والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة ، ومن ثم تبقى صحيحة ونافذة وذلك ما لم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستورياً أو يقضى بعدم دستورية نصوصها التشريعية بحكم من المحكمة الدستورية العليا إن كان لذلك ثمة وجه آخر غير ما بني عليه هذا الحكم " ومؤدى ذلك إنه إذا انتهت المحكمة الدستورية العليا إلى القضاء بعدم دستورية نصوص قانون مجلس الشعب المحالة إليها من المحكمة الإدارية العليا يكون الأثر المترتب على ذلك بطلان تكوين مجلس الشعب منذ تشكيله وحتى صدور الحكم مع بقاء كافة القوانين والقرارات والإجراءات التي اتخذها المجلس ، ومنها بطبيعة الحال تأييد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين لأحد مرشحي رئاسة الجمهورية كشرط لقبول ترشحه ، صحيحة ونافذة ما لم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها أو يقضى بعدم دستورية نصوصها التشريعية ، وذلك وفقاً للمستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة