هذا ما ينقصنا لإقامة دولتنا الدينية ! بعد صدور حكم بحبس عادل إمام ثلثاة أشهر لازدرائه الأديان ، وبعد جرجرة وحيد حامد وشريف عرفة ولينين الرملى ونادر جلال للمحاكم ،لمعاقبتهم على أفلام قدموها ، لم يعد يتبقى سوى ترويع وتهديد أصحاب مهنة الفن للتوقف عن عملهم المخالف لشرع الله ، علامات الدهشة والاستغراب كست وجهى بمجرد أن أخبرنى محمد السبكى بالمكالمات التى يتلقاها ، ومن خلالها يتم تهديده بالخطف إذا لم يوقف بث قناة "السبكى سينما" التى أنشأها مؤخراً لعرض أفلامه السينمائية، والتى يبدو أنها استفزت دعاة التدين ، لأنهم يتابعون عليها رقصات غادة عبدالرازق من فيلم بون سواريه ، وأغاني تامر حسنى من أفلامه، وأغنيات فيلم الفيل فى المنديل لطلعت زكريا ، وميكينج فيلم "جيم أوفر" ليسرا ومى عزالدين ، فقرروا إرهاب محمد السبكى ،لإغلاق هذه القناة التى تروج للفحشاء والمنكر وتبعدنا عن شرع الله ! وفى الحقيقة ، لا اعرف لماذ يقوم هؤلاء المتدينون " الزائفون" بمتابعة مثل هذه القنوات التى تستثير خيالهم وشعورهم المريض بحرمانية الفن ، فالأولى بهم أن يتابعوا قنوات "الرحمة" أو "الحافظ" أو ما يشبههم من قنوات تروج لفكرهم الأوصولى المتشدد الذى هو أبعد ما يكون عن الأسلام الذى لا يطالبهم بالبحث فى قنوات الدش عن قنوات الأفلام والفن ليتخذوا بعدها قرار بمعاقبة أصحابها ! فمتابعة قناة السبكى الجديدة او حتى مشاهدة أفلام عادل إمام ووحيد حامد وشريف عرفة وغيرهم ، تحدث باختيار الشخص الذى يشاهدهم ، فلم نسمع مرة أن السبكى - مع تحفظى على مستوى بعض أفلامه- ، وقف امام باب السينما ليجبر الناس على متابعة أفلامه ليدخلوها بالإكراه ، ولم نسمع حتى انه قفز من قناته على حجر المشاهد واجبره على أن يتابعها ولا يدير مؤشر الريموت كنترول عنها ، وهو نفس الشئ مع أي عمل فني يقدم ، الناس وحدها هى من تقرر مشاهدته أو العزوف عنه، فلماذا إذا يتم محاسبة أصحاب مهنة الفن على ما يقدمونه بمنظور دينى أو أخلاقي من الأساس، طالما أن حل المشكلة يأتي بقرار يتخذه المشاهد فى أى وقت؟ ، ولكن لأننا مجتمع مريض بفكرة التدين الزائف ، نجد متعة فى مشاهدة أفلام عادل إمام ورقصات غادة عبدالرازق وأفلام محمد السبكى ، ثم ندخل بعدها فى وصلة تقييم دينية وأخلاقية لها ، وهو ما يستحيل تطبيقه على أى عمل فنى، لأن جميع شخصيات العمل الفنى واحداثه نابعة من خيال مؤلف العمل ومخرجه ، فهل جاء الوقت لنحاسب الناس فيه على شخصيات خيالية ! وهو ما يجعلنا نسلم ان القانون الوحيد الذى من حقه محاكمة الأعمال الفنية هو قانون النقد الفنى فقط ، فتستطيع أن تتهم العمل بالسطحية أو النص بالمغالاة أو الممثلين بالضعف ، ولكن أن يتم تهديدهم وجرجرتهم للمحاكم ، فهو ما يعيدنا الى عصور الظلام والجهل والتخلف. حبس عادل إمام ، ومن بعدها تهديد محمد السبكى ، وفكرة جرجرة أى فنان للمحكمة لمحاكمته على عمل فنى قدمه ، تجعلنى أستشعر أننا بصدد الدخول على مرحلة ، رجم الفنانين فى الميادين العامة ، لمعاقبتهم ، على إعمالهم الفنية بمعيار الحلال والحرام، ولن أستبعد أن نقرأ أو نسمع خلال الفترة القادمة ، عن انتشار جماعات ، لمعاقبة الفنانين ، وتطبيق الحدود عليهم ، لتطهير المجتمع من شرورهم وسمومهم ، فإذا صمتنا على مسألة تهديد السبكى بإختطافه ، ورضخنا لفكرة محاكمة عادل إمام أو حتى حبسه، أو خضوع أى فنان للمحاكمة ، فهذا يعنى أننا استسلمنا للجهل ، لينتصر علينا ، فالموضوع أصبح أكبر من جبهة الدفاع عن حرية الإبداع ، أو غيرها ، لأننا نقف أمام مسخ مخيف ، يحاربنا وهو يمسك بيده كتاب الله ، وقلبه ممتلئ بدماء الشيطان ، وهذا لن يفيد معه جبهات أو حتى مقالات وتنديدات ومواقف حنجورية ، يجب أن يتكاتف جميع فنانى مصر ومثقفيها وأبناء مهنة الصحافة ، من أجل المطالبة بوضع مادة فى الدستور تحمى حرية الإبداع والتعبير، وتحرم خضوع أى فنان أو مبدع للخضوع للمحاكمات المدنية أو العسكرية بخصوص أعمال فنية قدمها ، ويجب أيضاً تفعيل قانون لتجريم ترويع المبدعين وتهديهم أو حتى التعرض لهم بالقول أو الفعل ، لنغلق الباب أمام فكرة التعرض للمبدعين والفنانين من قريب أو بعيد ، المسألة لا تحتمل التفكير ، أو حتى المراهنة على فوز مرشح رئاسى يضع فى برنامجه حرية الرأي والإبداع ، الموضع يتطلب ممارسة عملية من الضغط الفعلي ، ليتضمن دستورنا الجديد ، مادة تحرم تحويل أى مبدع أو فنان للمحاكمة ، أو الترويع ، وأعتقد أن هذا هو الضمان الوحيد لحرية الفن والأبداع ، بعيداً عن فرض رقابة دينية وأخلاقية على الفن لتلجيمه ، ووضعه داخل زنزانة يقف عليها حراس أصحاب ذقون ، يشاهدون الفن وهم مختبؤن خلف أصابع يدهم ، ليشبعوا رغباتهم المريضة التى يخافون إعلانها على الملاء ، إننا أمام حرب قادمة لا محالة ،أمام جماعة الأمر بالمنكر والنهى عن الفن ، فاستعدوا لها يا أولى الألباب . حتى لا يأتى يوم نندم فيه ،على مهنة الفن ، التى يريد البعض الى تحويلها الى مهنة مشينة ،تلحق بأصحابها العار ، وتجرجرهم الى المحاكم وساحات الرجم والجلد !!