■ فى خطة «العربى» للإصلاح الإدارى يتطلب إصلاح المرتبات ل 6,3 مليون موظف مجرد شهر ■ 3,3 مليون موظف لم تحدث أى زيادة فى رواتبهم وتعرضوا لتخفيض المكافآت ■ غابة التشريعات بها 50 ألف قانون وقرار
ربما اندهش البعض لأن الرئيس السيسى وسط كل التحديات والهموم وجد وقتا لهذا الاجتماع أو بالأحرى الملف، وسط التحضير لمؤتمر إعادة إعمار غزة وموسم الجامعات بكل العنف المتوقع وأزمة الطاقة ومحاربة الإرهاب، وسط كل هذا وجد السيسى وقتا للاجتماع مع رئيس الحكومة ووزير التخطيط والتنمية الإدارية لبحث ملف إصلاح أحوال وأعمال 6.3 مليون موظف، ففى الغالب تأتى قضية إصلاح الجهاز الإدارى فى ذيل اهتماماتنا، ولكن السيسى يدرك أن الكلام عن جذب الاستثمار أو تحريك بحيرة الاقتصاد الراكدة يتحول إلى كلام فى الهواء إذا لم نلتفت للموظفين، وخلال الاجتماع مع الرئيس استعرض وزير التخطيط الدكتور أشرف العربى عنوان الإصلاح الإدارى، وعلى الرغم من أهمية كل القضايا التى يتضمنها ملف الإصلاح الإدارى، فثمة محوران خطيران بالفعل، وهما ملف نظام الترقى فى الحكومة «الدرجات الوظيفية» وملف الأجور، وبدون البدء بهذين الملفين فمن الصعب وربما من المستحيل الوصول للأهداف الكبرى أو الصغرى الرئيسية أو الثانوية ليس فى قضية إصلاح أحوال الموظفين فحسب بل فى إصلاح أحوال مصر، وربما يبدو إصلاح هذين الملفين ضربا من الخيال لأنه تحد لبيروقراطية عمرها نحو مائة عام من الإفساد والفساد الإدارى، طوال هذه السنوات فإن الحكومات المتعاقبة كانت تفضل خلق كيانات موازية، دون مواجهة حقيقية لإصلاح أحوال الموظفين، هذه الكيانات اتخذت أسماء وأشكالاً عديدة «مكتب فنى للوزير» «هيئة استشارية» مكتب استشارى للوزير أو رئيس المؤسسة، دستة مستشارين، ووحدات خاصة، وكل هذه المحاولات كانت تتجاهل عن حسن نية أو سوء قصد مواجهة المشكلة والاهتمام بإصلاح العمل داخل الحكومة والأهم إصلاح أحوال الموظفين.
1
مربوط على الدرجة السابعة
بالنسبة للموظفين من حملة المؤهلات العليا فهناك سبع درجات وذلك فى الغالب لا يترقى الموظف إلا كل خمس أو ست سنوات ويظل محلك سر فى انتظار الدرجة، وهذا النظام محبط لأى موظف، والمثير أن العالم كله يتفادى هذا النظام، فمنذ عدة سنوات استعانت بعض البنوك العامة بشركة متخصصة فى الإدارة والتنمية البشرية، وكان من بين توصياتها تغيير درجات الترقى وخلق نظام ترقى بدرجات متعددة بحيث لا يظل الموظف مربوطًا فى وظيفته خمس أو سبع سنوات، وبالفعل بدأت هذه البنوك فى تغيير النظام، ولكن لايزال نظام الترقى فى الحكومة نظامًا محبطًا وطاردًا للكفاءات، ولذلك فإن أولى خطوات إصلاح أحوال الموظفين يجب أن تبدأ بنسف هذا النظام الذى عفى عليه الزمان وولى، فكل موظف يعمل بجد من حقه أن يترقى كل عامين أو ثلاثة حتى يشعر بالتقدم فى عمله.
ولكن مشكلة الدرجات الوظيفية فى مصر تتخطى عدد درجات سلم الترقى، فنحن لديهن نظام لا مثيل له فى العالم كله، فكل وزارة أو محافظة أو مؤسسة لدينا عدد من الدرجات، وتحافظ عليها حفاظ المواطن الشرقى على شرفه، ولذلك فإن التنقل من وزارة أو مؤسسة أو محافظة إلى أخرى يتطلب مزيجًا من الحظ والواسطة، لأن كل جهة تحافظ على الدرجات الوظيفية، ولذلك لدينا عشرات الآلاف من المواطنين يعملون فى أماكن بمحافظات أخرى غير التى يسكنون فيها، وذلك لمجرد أنهم لا يجدون درجات وظيفية خالية فى جهات عمل قريبة من منازلهم، أما عملية إنشاء درجات جديدة أو نقل درجة من وزارة أو جهة لأخرى، فهى عملية شديدة التعقيد وتتطلب إجراءات مركزية، والدائرة التى تمر بها هذه العملية طويلة ومضحكة، فالجهة الحكومية التى تريد توفير درجة لموظف عليها أن تخاطب الوزير ويتولى الوزير بعد المرور على اللجان مخاطبة الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وبعد المرور على لجان وإدارات داخل الجهاز قد يأتى الرد برفض نقل أو إنشاء درجة جديدة، وبعد عام أو عامين من هذه الدائرة يضطر الموظف للجوء للقضاء ليحصل على حكم قضائى بالنقل.
ومن آثار هذا النظام المتعفن انه يمنع إنشاء إدارات جديدة لمواكبة التطورات الفنية والعلمية، لأن إنشاء إدارة أو حتى إنشاء درجة مدير عام فى أحد التخصصات الجديدة تأخذ هذه الدائرة الطويلة أو المعقدة، ولذلك فإن مشروع الإصلاح الإدارى يهتم بفكرة تطوير وتغيير نظام الترقى ليس فقط بربط الترقى بالكفاءة وبمعايير موضوعية، ولكن الأهم بتغيير نظام الدرجات المعمول به الآن بحيث لا يقف عائقا أمام الطموح المشروع للموظف فى تحقيق تقدم فى مسيرته المهنية.
وبلغة الأرقام فإن لدينا أكثر من 3.5 مليون موظف ينتظرون سنوات طويلة لاقتناص فرصة الوصول إلى درجة كبير من بين 210 آلاف درجة كبير فى الحكومة، فضلا عن حرب ضروس للوصول إلى واحد من 9 آلاف درجة مدير عام، ولم أتحدث عن الدرجات العليا لوكيل الوزارة أو الممتازة لوكيل أول وزارة، فأولى خطوات الإصلاح هى زيادة عدد سلم الترقى وخلق لا مركزية فى المحافظات والوزارات فى اتخاذ القرارات.
كل المطلوب من الحكومة المركزية أن تضع قانونًا سهلاً ومبسطًا للوظيفة العامة، ويسرى هذا القانون على الجميع محليات ووزارات ومؤسسات، ولذلك فإن إحدى الخطوات المهمة فى خطة الإصلاح الإدارى هى تنقيح القوانين واللوائح والقرارات التى تحكم مصر أو بالأحرى تكبل مصر، لدينا بحسب آخر إحصاء «12.7» الف قانون و«11,9» ألف قرار جمهورى و23.3 ألف قرار وزراى ونحو 2000 قرار مجلس وزراء و3750 قرار محافظين و489 أمرًا عسكريًا وإجمالى هذه الغابة التشريعية اكثر من 50 ألف قانون وقرار، ويستحيل أن نتصور أن هناك جهة قادرة على التعامل مع هذه الغابة التشريعية دون ارتباك أو إهمال أو تجاوز، او حتى سوء فهم، وفى قلب هذه الغابة من التشريعات الاقتصادية والخدمية التى تربك أى موظف من ناحية، وتستخدم لتعطيل المراكب السايرة من ناحية أخرى، فعندما تكشر البيروقراطية المصرية عن أنيابها تستخدم هذه الغابة لتعطيل مصالح العباد، وبالإضافة لهذه الغابة التشريعية لدينا غابة إدارية أخرى فالتنظيم الإدارى للدولة معقد من حيث أنواع الوحدات الإدارية أو هيلكها الهرمى.
2
معضلة الأجور
بعد قرار حكومة الببلاوى رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه انتشر فى أوساط معظم الموظفين تعبير «لا طولنا بلح الشام ولا عنب اليمن» وذلك تعبيرا أن نحو 3 ملايين موظف أى 50% من الموظفين لم تتحسن أحوالهم المالية بل إن معظمهم انخفض أجره الشامل نتيجة لتوقف المشروعات والأزمة الاقتصادية التى استلزمت تخفيضات بدرجات على المكافآت غير الدورية، وعلى الرغم من غضب هذه الفئه من الموظفين فإن إجمالى ما تتحمله الدولة من تكلفة العمالة فى القطاع الحكومى والهيئات الاقتصادية بلغ 207 مليارات جنيه فى موازنة العام الحالى وبنسبة 26% من المصروفات فى الموازنة، وهذه الأرقام تؤكد أننا أمام منظومة أجور يجب نسفها، لأنها لا تحقق لا العدالة الاجتماعية ولا الكفاية للموظف ولا الكفاءة للجهاز الإدارى، وحتى الآن لم تستطع الدولة أن تضبط أجور الكبار وتضمن تطبيق قواعد عادلة للأجور، ولذلك فإن خطة الإصلاح الإدارى التى عرضها الوزير على الرئيس السيسى تتضمن إعداد منظومة جديدة للأجور فى القطاع الحكومى، وقد يكون لافتا للنظر أن خطة الإصلاح قدرت أن إصلاح الأجور يتطلب شهرًا واحدًا فقط، ولكن الأفكار والبرامج معروفة ومدروسة مائة مرة، فإصلاح الأجور يتطلب توحيد الأجر بالنسبة للوظيفة أو المهام الموحدة على مستوى الدولة، فأنت الحقيقة تضع أجرا أو سعرا لمهام الوظيفة ومؤهلات الموظف، الخطوة الثانية أن هرم الاجور يجب أن يصيبه تغيير أو بالأحرى انقلاب، فالراتب الاساسى يجب أن يمثل من 70% إلى 80% من الأجر الشامل للموظف، لأن الوضع الحالى يفتح أبواب التلاعب والواسطة والشللية كما أنه يتسم إلى حد كبير بعدم الشفافية، ومنذ ثورة 25 يناير، وربما من قبلها والحكومات المتعاقبة تشكل اللجان وتدرس الاقتراحات والدراسات رغم أن الحل بسيط ومعروف للجميع.
3
خطوة البداية
المشكلة أن الموظفين لديهم مخاوف مشروعة جدا من الاقتراب من قوانين العمل أو أوضاع العاملين، كل حكومة تقترب من هذا الملف الشائك سرعان ما تتراجع خوفا من الدخول فى عش الدبابير، لأن إصلاح أحوال الموظفين سيضر بفئة كبار المنتفعين فى كواليس الحكومة، سيضر بكل من يريد أن يظل نظام الترقى فاشلاً ومحبطًا ونظام الأجور هلاميًا ومهللاً وغامضًا، ويترك للمدير مكافأة من يشاء ويضم من يشاء إلى لجان العمل، ويحرم من يشاء من جنة اللجان المجزية ماليا، وهذه الفئة تروج فى كل مرة نقترب من الإصلاح الإدارى أو أحوال الموظفين كبسولة شائعات محفوظة، شائعات قائمة على أن الحكومة ستقلل أعداد الموظفين أو ستخفض رواتبهم المنخفضة من الأساس، هذه العينة من الشائعات تهدف دوما لخلق حالة قلق وغضب من الاقتراب من ملف إصلاح أحوال الموظفين، ولذلك فإن مناقشة محاور الإصلاح مع أصحاب الشأن لا تقل أهمية عن مناقشتها مع الرئيس أو الخبراء، وبصراحة فإن التركيز على قضيتى الأجور والترقى هو مدخل أى ترويج للإصلاح الإدارى، لأن كل المحاور الأخرى تبدو أعباءً على الموظف بما فى ذلك قضية تدريب الموظفين، فالبداية الصحيحة والحقيقية لنفتح آذان وقلوب الموظفين لهذا الإصلاح هى شرح التعديلات أو النظام الجديد فى الترقى والأجور، وأن يطمئن كل موظف أن دخله لن يقل وأن نظام الأجور أو المكافآت فى صالح الأغلبية العظمى من الموظفين، وأن نظام الترقى سيضمن له حقه المشروع، بتحقيق تقدم فى وظيفته، ولذلك فإن الترويج لمشروع الإصلاح الإدارى وسط الموظفين يحتاج إلى اختيار بعض الملفات والقضايا المحورية والمهمة كبداية كسب الرأى العام للموظفين، فبدون كسب الموظفين فلن يكتب لهذا الجهد المهم والمحترم النجاح.