17 أكتوبر 1973 يعد من الأيام الفارقة في حرب أكتوبر ففي هذا اليوم استطاع قوات الجيش الإسرائيلي حصار الجيش الثالث الميدانى وقطع خطوط الإمداد عنه لتبدء ملحمة أسطورية من المعارك الدامية التى أستمرت 103 يوم تكبدت خلالها إسرائيل خسائر فادحة لم تحدث فى تاريخها العسكرى .
تبدأ هذه الأحداث المتلاحقه والتي وضعت نهاية الحرب سريعاً بعد فشل تطوير الهجوم في إتجاه خط المضايق لتخفيف الضغط علي سوريا وهو ما أدي إلي كشف مؤخرة الجيش بعدما تم الدفع بالنسق الخلفي الي الشرق لتطوير الهجوم وهو ما كان ما ينتظره اليهود لتنفيذ خطة كانت معده سلفاً.
برج الحمام
بعد فشل تطوير الهجوم المصري سارعت إسرائيل بتفيذ الخطة (شوفاح يونيم) والتى تترجم بالعربية إلى (برج الحمام) و هناك من يطلق عليها "الغزالة" حيث تم تكليف 3 مجموعات عسكرية للعدو بمهمة تنفيذ الثغرة تحت القيادة المباشرة لشارون و تحت إشراف الجنرال بارليف (ممثل رئاسة الأركان) ، و المجموعات هي :
مجموعة (شارون) المدرعة و تتكون من 2 لواء مدرع و لواء مظلات .
مجموعة (برن - إبراهام أدان) 2 لواء مدرع .
مجموعة (كلمان ماجن) 2 لواء مدرع و لواء ميكانيكي .
أي تم تجهيز قوة من 6 ألوية مدرعة حوالي 540 دبابة ، و لواء ميكانيكي 30 دبابة و لواء مظلات 2000 مظلي لكي تكون مسئولة عن تنفيذ الثغرة .
و تركت باقي الجبهة للقوات التي وصلت من الجولان و القوات التي تم إستعواض خسائرها بفضل الجسر الأمريكي الذي بلغ ذروته بعد 14 أكتوبر ، حيث بدأ الإسرائيليون تنفيذ خطتهم للعبور إلى غرب القناة فور فشل تطوير الهجوم .
و يختلف المؤرخون حول ساعة العبور الاسرائيلي إلا أن شارون يقطع في مذكراته كل شك و يؤكد أن ساعة0900 صباح 16أكتوبر1973 كانت لديه كتيبة دبابات و كتيبة مظلات غرب القناة و من المرجح جداً أن تكون تلك القوة قد عبرت من الطرف الشمالي للبحيرات المرة و ليس من الدفرسوار ، و كانت مهمة تلك القوة هي مهاجمة منصات الصواريخ سام 2 ، و سام 3 بواسطة أسلوب الضرب من مسافات بعيده بقوة 2 إلى 3 دبابة في كل هجوم - و كانت تلك الدبابات سوفيتية الصنع من مخلفات حرب 67 ، و ترفع العلم المصري و هي من طراز بي تي 76 و توباز البرمائية .
و نظراً لعدم وجود إنذار أو تحذير مسبق فقد فوجئت عناصر الدفاع الجوي بقصف الدبابات الإسرائيلية عليها مستهدفة الرادارات و هوائيات البطاريات مما أدى إلى تعطل عدد من البطاريات و فتح ثغرة في السماء .
جاءت بلاغات قوات الدفاع الجوي إلى غرفة العمليات بهجمات العدو كأول إنذار بوجود ثغرة و تم تحليل تلك البيانات و التوصل إلى نتيجة أن قوة العدو ما هي إلا قوة إغارة لا تزيد عن سبع دبابات و فوراً بدأت مدفعية الجيش الثاني الميداني في ضرب منطقة الدفرسوار بالمدفعية و نظراً لأنها منطقة زراعات مانجو كثيفة فقد كان للضرب المدفعي تأثير ضعيف جداً ، و قامت قوة (يعتقد أنها تضم قوات فلسطينية) بمهاجمة قوة العدو ، و فور إنسحابها إلى زراعات المانجو في الدفرسوار أبلغ قائد القوة المحلية ، بأن قوة العدو لا تزيد بأي حال عن 10:7 دبابات و أنه أجبرها على الإنسحاب و هو ما لم يكن صحيحاً بالمرة فالقوة الإسرائيلية المعزولة طبقاً لكلام شارون هي 30 دبابة و تقبع وسط زراعات المانجو و ما يظهر فقط هو عدد منها يقوم بإغارات علي منصات الصواريخ لتدميرها بعد أن فشل ضربها من الجو .
و بناءاً على بلاغ قائد القوة المحلية تهاونت قيادة الجبش الثاني و قيادة القوات المسلحة في التعامل مع تلك القوة و إكتفت بالضرب المدفعي عليها مع إنذار قوات الدفاع الجوي فقط ، و لم تفطن القيادة المصرية من مغذي تدمير عدد من بطاريات الصواريخ في تلك المنطقة تحديداً إلا بعد فوات الأوان .
لتبدأ سلسة معارك علي الجبهه هي الأشرس منذ بدأ الحرب ، وقد كانت الخطة المصرية التي وضعت لمقاومة الثغرة هى أن تحاصر القوات المعادية فى أضيق مساحة من الأرض فى الغرب وسرعة تدميرها و فى نفس الوقت أغلاق الطريق عليها من الشرق حتى لا تتدفق قوات العدو وتقرر أن يهاجم الجيش الثاني جنوبا و الجيش الثالث شمالا و بالفعل هذا ما حدث ووصلت المسافة بين الجيشين الى 4 كم فقط ولكن الجيشين لم يتمكنوا من الالتقاء .
ولذلك استطاعت قوات العدو أن تنفذ بأعداد أكبر الى الغرب وذلك يوم 17 أكتوبر وكان القتال ،ودارت المعركة بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية وقامت القوات المصرية بتكبيد القوات الإسرائيلية خسائر فادحة فى الأرواح والعتاد لم تتكبدها إسرائيل طوال الحرب كلها واستمرت هذه المعارك لمدة أربعة أيام وهى 17 ، 18 ، 19 20 أكتوبر واستخدمت خلال هذه المعارك جميع أنواع الأسلحة المدفعية والمدرعات و الصواريخ و الطيران والهيلكوبتر ولكن زاد تسلل العدو الى هذه المنطقة الجبلية متجها الى الجنوب وقامت القوات المصرية بالتصدى له شمالا فلم يستطع التوجه الى الإسماعيلية ولكنه نجح فى التسلل و الانتشار جنوبا ولم تؤدى خطة القيادة العامة للتصدى لها النتائج المطلوبة تماما وكان ذلك حتى يوم 20 أكتوبر
فشل الثغرة
ولكن الموقف تطور واستطاعت القوات الإسرائيلية التسلل و الوصول جنوباً الى قطع طريق القاهرةالسويس وضرب حصار علي الجيش الثالث الميداني وقطع خطوط امداده من الخلف ليسطر رجال الجيش الثالث الميداني قصه أسطورية من الصمود مدتها 103 يوم استطاع خلالها ان يذيق اليهود مراره الالم واستطاع خلالها ان يكسب مساحات من الأرض بصورة يومية .
ثم يأتي يوم 24 اكتوبر وهو اليوم الذي سطر فيه شعب السويس بجوار رجال الجيش الثالث الميداني ملحمه بحروف من دمائهم الطاهره التي انتصرت علي العدو وترسانته من الأسلحه ولم تمكنه من دخول المدينة وهو ما جاء علي لسان قادتهم حيث أطلق بعضهم علي الثغره لقب "وادي الموت " .
حيث يقول موشيه دايان "وزير الدفاع الإسرائيلي" -خلال حرب أكتوبر- في تصريح في ديسمبر 1973: " إن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل، وإن ما حدث فى هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لنا مالم نكن نراه قبلها وأدى كل ذلك إلى تغيير عقلية القادة الإسرائيليين. إن الحرب قد أظهرت أننا لسنا أقوى من المصريين، وأن هالة التفوق والمبدأ السياسي والعسكري القائل بأن إسرائيل أقوى من العرب وأن الهزيمة ستلحق بهم إذا اجترأوا على بدء الحرب هذا المبدأ لم يثبت، لقد كانت لي نظرية هي أن إقامة الجسور ستستغرق منهم طوال الليل وأننا نستطيع منع هذا بمدرعاتنا ولكن تبين لنا أن منعهم ليست مسألة سهلة وقد كلفنا جهدنا لإرسال الدبابات إلى جبهة القتال ثمنا غاليا جدا، فنحن لم نتوقع ذلك مطلقا".
في كتاب لها بعنوان "حياتي" قالت جولدا مائير "رئيسة وزراء إسرائيل" -خلال حرب أكتوبر-: "إن المصريين عبروا القناة وضربوا بشدة قواتنا في سيناء وتوغل السوريون في العمق علي مرتفعات الجولان وتكبدنا خسائر جسيمة على الجبهتين وكان السؤال المؤلم في ذلك الوقت هو ما إذا كنا نطلع الأمة على حقيقة الموقف السيء أم لا، الكتابة عن حرب يوم الغفران لا يجب أن تكون كتقرير عسكري بل ككارثة قريبة أو كابوس مروع قاسيت منه أنا نفسي وسوف يلازمني مدى الحياة".
في مذكراته عن حرب أكتوبر، قال حاييم هيرتزوج "رئيس دولة إسرائيل الأسبق": ”لقد تحدثنا أكثر من اللازم قبل السادس من أكتوبر، وكان ذلك يمثل إحدى مشكلاتنا فقد تعلم المصريون كيف يقاتلون بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم لقد كانوا صبورين، كما كانت بياناتهم أكثر واقعية منا، كانوا يقولون ويعلنون الحقائق تمامًا حتى بدأ العالم الخارجي يتجه إلى الثقة بأقوالهم وبياناتهم".
في ندوة عن حرب أكتوبر بالقدس في 16 سبتمبر 1974، قال أهارون ياريف "مدير المخابرات الإسرائيلية الأسبق": "لاشك أن العرب قد خرجوا من الحرب منتصرين بينما نحن من ناحية الصورة والإحساس قد خرجنا ممزقين وضعفاء، وحينما سُئل السادات هل انتصرت في الحرب؟أجاب انظروا إلى ما يجرى فى إسرائيل بعد الحرب وأنتم تعرفون الإجابة على هذا السؤال".
في نوفمبر 1973، قال أبا ابيان "وزير خارجية إسرائيل" -خلال حرب أكتوبر-: ”لقد طرأت متغيرات كثيرة منذ السادس من أكتوبر لذلك ينبغي ألا نبالغ في مسألة التفوق العسكري الإسرائيلي بل على العكس فإن هناك شعورا طاغيا في إسرائيل الآن بضرورة إعادة النظر في علم البلاغة الوطنية. إن علينا أن نكون أكثر واقعية وأن نبتعد عن المبالغة".
في كتاب له بعنوان " إلى أين تمضى إسرائيل " قال ناحوم جولدمان "رئيس الوكالة اليهودية الأسبق": ”إن من أهم نتائج حرب أكتوبر 1973 أنها وضعت حدا لأسطورة إسرائيل فى مواجهة العرب، كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمنا باهظا حوالى خمسة مليارات دولار وأحدثت تغيرا جذريا فى الوضع الاقتصادى فى الدولة الإسرائيلية التى انتقلت من حالة الازدهار التى كانت تعيشها قبل عام ، غير أن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التى حدثت على الصعيد النفسي.. لقد انتهت ثقة الإسرائيليين فى تفوقهم الدائم".
في كتاب له بعنوان ” زلزال أكتوبر” ، قال زئيف شيف "المعلق العسكري الإسرائيلى": ”هذه هي أول حرب للجيش الإسرائيلي التي يعالج فيها الأطباء جنودا كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسي هناك من نسوا أسماءهم. لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب في المفاجأة في حرب يوم عيد الغفران وفي تحقيق نجاحات عسكرية.