نعم.. تحيا مصر.. ولكن كيف تحيا؟.. ستحيا مصر دوما بأفكار أبنائها وإنجازات علمائها وسواعد شبابها.. قديما دعا إخناتون لعبادة الشمس.. فكانت الشمس هى رمز الخشوع والقوة..كانت هى الإله فى وقت بحث فيه الفراعنة عن سر الكون فى عظمة آلهتهم..
ثم قرر الفراعنة القدماء أن يستفيدوا من تلك الطاقة الكونية الهائلة باستخدامها فى العلاج بالضوء الذى أعتُبر من الأساليب الفعالة قبل خمسة آلاف سنة لعلاج العديد من الأمراض..ومن بعدهم استخدمها الإغريق عن طريق بناء مدن ضوئية فوق الجبال، لعلاج أمراض مختلفة مثل الجدرى والسل الرئوى..وفى عام 1903 حاز الدكتور نيلز فينسنت على جائزة نوبل فى الفيزياء تكريما له على إنجازاته وبحوثه فى مجال الاستخدام الطبى للطاقة الضوئية مما فتح المجال للعديد من الاكتشافات المهمة فى هذا العصر ومنها استخدام أشعة الليزر فى الكثير من المجالات..
وفى 5 أكتوبر 1973 خرج من مصر شاب مجتهد فى منحة دراسية لألمانيا، حيث درس اللغة هناك لمدة 6 أشهر ثم التحق بجامعة شتوتجارت فى 1974، وحصل على الدكتوراه بعدها بأربع سنوات حول تفسير بعض الظواهر الضوئية والبيولوجية لرؤية الإنسان..هذا الشاب هو الدكتور محمود هاشم..
وبعد أربعين عاما من البحث العلمى والأبحاث المنشورة والإشراف على رسائل الدكتوراه يقوم د.محمود هاشم عبدالقادر أستاذ الكيمياء الضوئية، ورئيس الجامعة الألمانية بالقاهرة، بتحقيق حلم راوده طويلا وهو حلم نشر كتاب عن استخدام تكنولوجيا الضوء لمكافحة الملاريا فى مستنقعات القارة الإفريقية..
الكتاب ليس مجرد نظرية تبناها شخص فنى حياته فى البحث العلمى، بل يعتبر الكتاب وساما على صدر مصر، لأنه قام بتأليفه وتجميع مادته العلمية 28 عالما وطبيبا من أكبر أساتذة العالم فى هذا التخصص من سويسرا وألمانيا والسويد وإيطاليا والنمسا والولايات المتحدة..
حيث قرروا معا إهداء هذا الكتاب إلى مصر مهد الحضارات وإلى جيل من الفراعنة سبقوهم فى استخدام الضوء فى العلاج لأول مرة فى تاريخ البشرية..
إنه العالم الغربى من جديد ينحنى أمام العبقرية المصرية وأمام حضارة أبهرت العالم وخلقت من أحضانها مهداً لحضارات أتت وأخرى فنت..لتبقى مصر..
لقد أهدانى الدكتور محمود هاشم نسخة من الكتاب ووعدته بقراءته..ربما تأخرت قليلا لدسامة المادة العلمية، أوربما أعادنى الكتاب العلمى إلى مدرجات جامعة القاهرة من جديد حيث درست طب الأسنان فى هذا الصرح العظيم..
الحقيقة أن الكتاب يقدم خلاصة تجارب العلماء فى العلاج الضوئى ومكافحة الملاريا واستخدام الليزر فى علاج الأمراض الجلدية بل وإستخدام العلاج الضوئى فى تشخيص وعلاج الأورام السرطانية التى تصيب المخ..
ومن الشق الطبى للكتاب، يقتحمنى بمجرد أن تبحرت فى صفحاته، الشق السياسى فى الاستفادة من هذه الدراسة الجادة..
فنحن وفى أحلك الأوقات التى تعقدت فيها علاقتنا بإفريقيا، وقتما أصبح سد النهضة سلاحا تحاربنا به إثيوبيا وتساندها فيه الدول الإفريقية التى فترت علاقتنا بهم طويلا نتيجة لنظام نسى أو تناسى أن مصر جزء من تلك القارة السمراء...وفى خضم تلك المهاترات التى انتهت بهدنة وبداية جديدة لعلاقة مصرية إفريقية..نسينا أن من أكبر مصائب تلك القارة السمراء، مرض الملاريا، الذى يُعد هو القاتل الأول للأطفال والمتسبب فى حدوث وفاة واحدة من بين كلّ خمس وفيات بين الأطفال..
ففى الوقت الذى طرحنا فيه مع إفريقيا كل الطرق للتبادل وفتح طرق التعاون..كان البديهى أن يكون هذا الكتاب هو أحد الطرق السحرية لتقديم يد العون..
د.محمود هاشم رجل كرمته إثيوبيا، بل استخدم الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى ابتكاره للقضاء على الملاريا ضمن البنود الرئيسية فى حملته الانتخابية..وقام مستشار رئيس الجمهورية فى أوغندا بالإشراف على المشروع بنفسه.. ثم أجريت تجارب بتكلفة 5 ملايين جنيه مصرى فى أوغندا وجنوب السودان وبالتحديد فى ولاية النيل الأزرق قبل اندلاع الثورة للاستفادة من البحث.. كما أرسلت الخارجية خطاب شكر لفريق العلماء المشارك فى هذه الأبحاث لنجاح تجربة مكافحة الملاريا فى أوغندا وحثتهم على تطبيقها فى عدد آخر من الدول وعلى رأسها إثيوبيا..
واليوم وقد منحنا الله رئيسا مؤمنا بالبحث العلمى، منتبها إلى ضرورة وقيمة العلماء..أدعوه إلى الاستفادة من هذه التجربة، بل أدعو الحكومة المصرية إلى دعم تلك التجربة بشكل رسمى لتقوية العلاقات بالقارة السمراء..
كما أحث رجال الأعمال من المستثمرين المصريين إلى تبنى هذا المشروع ودعمه ماليا وتقديمه كدعامة نبنى عليها جداراً لعلاقة مصرية إفريقية وطيدة..
الشمس هى مصدر الطاقة الذى لا ينضب، وفى وقت عصيب يعانى فيه العالم كله من أزمة حرجة فى الطاقة..فيجب أن ننتبه إلى وجود هذا الكنز الذى لا ينضب بين أيدينا..إنه مصدر لطاقة نظيفة متجددة وغير ضارة..