رئيس جامعة المنيا يشهد مهرجان حصاد كلية التربية النوعية 2025| صور    المجلس القومي للمرأة ينظم لقاء رفيع المستوى بعنوان "النساء يستطعن التغيير"    هل تتغير أسعار الفائدة على الشهادات الادخارية في البنوك بعد قرار البنك المركزي ؟    الشباب وتحديات اكتساب المهارات الخضراء لمواجهة تغير المناخ| تقرير    الأمم المتحدة: تهجير واسع ومقتل مئات المدنيين في غزة    الإمارات تدين إطلاق القوات الإسرائيلية النار على وفد دبلوماسي في جنين    3 شهداء في قصف إسرائيلي على منزل في دير البلح بغزة    عبد الله السعيد يؤدي برنامجاً تأهيلياً في الزمالك    وزير الرياضة ومحافظ الدقهلية يفتتحان المرحلة الأولى من تطوير استاد المنصورة    اضطراب الملاحة وأجواء حارة.. الأرصاد تعلن طقس الجمعة بدرجات الحرارة    جهات التحقيق تعاين مقر شركة دار التربية بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون    أول تعليق من مايان السيد بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي    إشادات نقدية للفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران في نظرة ما بمهرجان كان السينمائي الدولي    محمد مصطفى أبو شامة: يوم أمريكى ساخن يكشف خللًا أمنيًا في قلب واشنطن    المسجد الحرام.. تعرف على سر تسميته ومكانته    رئيس الوزراء يلتقي وفد جامعة أكسفورد (تفاصيل)    عائلات الأسرى الإسرائيليين: وقف المفاوضات يسبب لنا ألما    ماغي فرح تفاجئ متابعيها.. قفزة مالية ل 5 أبراج في نهاية مايو    تعمل في الأهلي.. استبعاد حكم نهائي كأس مصر للسيدات    40 ألف جنيه تخفيضًا بأسعار بستيون B70S الجديدة عند الشراء نقدًا.. التفاصيل    نماذج امتحانات الثانوية العامة خلال الأعوام السابقة.. بالإجابات    طلاب الصف الخامس بالقاهرة: امتحان الرياضيات في مستوى الطالب المتوسط    الحكومة تتجه لطرح المطارات بعد عروض غير مرضية للشركات    «الأعلى للمعاهد العليا» يناقش التخصصات الأكاديمية المطلوبة    تفاصيل مران الزمالك اليوم استعدادًا للقاء بتروجت    المبعوث الأمريكى يتوجه لروما غدا لعقد جولة خامسة من المحادثات مع إيران    بوتين: القوات المسلحة الروسية تعمل حاليًا على إنشاء منطقة عازلة مع أوكرانيا    الأعلى للإعلام يصدر توجيهات فورية خاصة بالمحتوى المتعلق بأمراض الأورام    وزير الرياضة: تطوير مراكز الشباب لتكون مراكز خدمة مجتمعية    البابا تواضروس يستقبل وزير الشباب ووفدًا من شباب منحة الرئيس جمال عبدالناصر    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    تعرف على قناة عرض مسلسل «مملكة الحرير» ل كريم محمود عبدالعزيز    بعد ارتباطه بالأهلي.. كوتيسا ينضم إلى أيك أثينا اليوناني بصفقة انتقال حر    محافظ البحيرة تلتقي ب50 مواطنا في اللقاء الدوري لخدمة المواطنين لتلبية مطالبهم    وزير الخارجية يؤكد أمام «الناتو» ضرورة توقف اسرائيل عن انتهاكاتها بحق المدنيين في غزة    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها وجهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية (تفاصيل)    محافظ أسوان يلتقى بوفد من هيئة التأمين الصحى الشامل    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    أسرار متحف محمد عبد الوهاب محمود عرفات: مقتنيات نادرة تكشف شخصية موسيقار الأجيال    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    أدعية دخول الامتحان.. أفضل الأدعية لتسهيل الحفظ والفهم    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    "سائق بوشكاش ووفاة والده".. حكاية أنجي بوستيكوجلو مدرب توتنهام    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    "آيس وهيدرو".. أمن بورسعيد يضبط 19 متهمًا بترويج المواد المخدرة    ضبط 9 آلاف قطعة شيكولاته ولوليتا مجهولة المصدر بالأقصر    عاجل.. غياب عبد الله السعيد عن الزمالك في نهائي كأس مصر يثير الجدل    مشاجرة بين طالبين ووالد أحدهما داخل مدرسة في الوراق    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    كامل الوزير: نستهدف وصول صادرات مصر الصناعية إلى 118 مليار دولار خلال 2030    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 22-5-2025 فى منتصف التعاملات    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مى سمير تكتب : هنرى كيسنجر: السيسى تعلم من الماضى ويجيد المناورة
نشر في الفجر يوم 29 - 09 - 2014

■ مرسى وإخوانه دفعوا الليبراليين فى مصر للترحيب بالجيش ■ دولة سيد قطب تمثل انقلابا على النظام العالمى.. والصراعات الإسلامية تهدد مصالح الغرب قبل دول الربيع العربى
هنرى كيسنجر هو أحد أهم ثعالب الدبلوماسية الأمريكية وتتقاطع حياته المهنية مع العديد من المواقف واللحظات الحرجة فى الوطن العربى، فهو مهندس اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ومنذ سنوات تنبأ وزير الخارجية الأمريكى السابق بأن المنطقة ستشهد مائة عام من الصراع السنى الشيعى، الآن يعود الثعلب العجوز بكتاب جديد ومهم (النظام العالمى).
يتضمن الكتاب قراءة لتفاصيل المشهد السياسى العالمى. يتكون الكتاب من تسعة فصول، خصص الدبلوماسى الأشهر فى تاريخ الولايات المتحدة الفصل الثالث للشرق الأوسط والذى حمل عنوان (الإسلاميون والشرق الأوسط، عالم غير منتظم).
بدأ كيسنجر الفصل بالإشارة إلى أن المشاكل الاقتصادية والسياسية واتساع مساحة عدم الرضا الشعبى من الأنظمة العربية، أعطى الفرصة للجماعات المتطرفة لكى تقدم نفسها كبديل، وظهر اثنان من التيارات المتطرفة المتعارضة أيديولوجيا:
أولا، النسخة السنية التى تجسدت أولا فى جماعة الإخوان المسلمين، الفرع الفلسطينى للإخوان حركة حماس والتى نجحت فى الوصول للحكم فى 2007، وأخيرا تنظيم القاعدة الذى يعد حركة إرهاب دولى.
ثانيا، النسخة الشيعية التى تتمثل فى النظام الإيرانى وحركة حزب الله فى لبنان.
وعلى الرغم من الصراع بين النسختين إلا أنه جمع بينهما التزام بالقضاء على النظام الإقليمى القائم من أجل بناء نظام جديد يتماشى وأحلامهم فى القيادة.
1 - دولة سيد قطب
يبدأ كيسنجر هذا الجزء من كتابه بالإشارة إلى أن فى ربيع 1947، قدم حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان نقدا لاذعا للحكومة المصرية فى رسالة حملت عنوان (نحو النور)، وتحدث فى رسالته عن استبدال الدولة المدنية بالنظام الإسلامى. ويسترسل كيسنجر فى شرح أفكار البنا وجماعة الإخوان والتى تتمحور حول رفض الأنظمة الغربية وأهمية تأسيس النموذج الإسلامى للدولة. وقد شهدت أفكار البنا تطورا جديدا على يد سيد قطب التى تحولت كتاباته إلى مصدر إلهام للجماعات الإرهابية والمتطرفة فى مختلف أنحاء العالم..
فى عام 1964، قام سيد قطب بصياغة إعلان للحرب ضد النظام العالمى القائم، وقد أصبح هذا الإعلان بمثابة النص التأسيسى للتيارات الإسلامية الحديثة. فى رؤية قطب فإن الإسلام يمثل نظاما عالميا يقدم النموذج الحقيقى للحرية: الحرية من حكم رجال آخرين، والحرية من كل ما صنعه الإنسان سواء كان ذلك عقائد أو جماعات قائمة على أساس العرق واللون واللغة والإقليم والمصالح الوطنية. أى التحرر من كل الأشكال الحديثة للحكم والولاء والمؤسسات التى يقوم عليها النظام الغربى.
من وجهة نظر قطب فإن مهمة الإسلام الحديثة هى استبدال كل هذه المستحدثات بالتطبيق الحرفى للقرآن، وكما هو الحال فى كل المشاريع الساعية لتأسيس يوتوبيا، ستكون هناك حاجة إلى تدابير متطرفة لتحقيق هذا الهدف. ويضيف كيسنجر أنه على الرغم من أن أغلب أتباع قطب قد أعلنوا مراجعتهم لهذه الأفكار إلا أن هناك مجموعة من الأتباع الملتزمين بهذه الأفكار بدأت فى التأسس من جديد.
يضيف كيسنجر أن آراء قطب وأتباعه كانت على درجة عالية من التطرف إلى درجة دفعت العالم الذى يسيطر عليه الحكم المدنى والذى تجاوز مرحلة المواجهات الأيديولوجية، إلى عدم الانتباه إليها بالقدر الكافى. لكن على الناحية الأخرى وجد المتطرفون الإسلاميون أن هذه الأفكار تمثل الحقائق التى تتجاوز قواعد ومعايير النظام الدولى. وأصبحت فيما بعد هذه الأفكار بمثابة صيحة الاستنفار التى يطلقها المتطرفون والإرهاببون فى الشرق الأوسط وخارجه على مدى عقود، وقد ترددت هذه الأفكار من قبل تنظيم القاعدة، حماس، حزب الله، حركة طالبان، النظام الإيرانى، حزب التحرير والذى يعمل فى الغرب ويدافع بشكل علنى عن تأسيس دولة الخلافة فى عالم يحكمه الإسلام، وبوكو حرام فى نيجيريا، الميليشيات المتطرفة فى سوريا وداعش فى العراق.
هذه الحزمة من الأفكار كانت تمثل انقلابا على النظام العالمى فى مفهومه الغربى. فى النسخة الكاملة للأسلمة، فإن الدولة لا يمكن أن تكون نقطة انطلاق لنظام دولى، لأن الدولة تعد نظاما علمانيا وبالتالى غير شرعى. وفى أحسن الأحوال فإنها تحقق نوعا من الوضع المؤقت كوسيلة لتحقيق كيان دينى على نطاق واسع. وفى هذا الإطار لا يمكن تطبيق مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى لأن الولاء الوطنى يمثل انحرافا عن العقيدة الصحيحة، ولأن المجاهدين لديهم واجب وهو تغيير عالم الكافريان.
2 - معضلة مصر
للحظة عابرة، أطلق الربيع العربى، الذى بدأ فى أواخر2010، الآمال بأن قوى الاستبداد والتطرف المتنازعة فى المنطقة قد فقدت أهميتها فى مواجهة موجة جديدة من الإصلاح.
أيد القادة الغربيون ووسائل الإعلام المظاهرات فى مصر وتونس حيث قاد الشباب الثورة القائمة على المبادئ الليبرالية الديمقراطية. وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بدعم مطالب المتظاهرين وأيدت صرخاتهم المطالبة بالحرية. إلا أن الطريق للديمقراطية كان متعرجا وصعبا، كما اتضح من تبعيات سقوط الأنظمة الاستبدادية.
بدأ الربيع العربى كثورة جيل جديد من أجل الديمقراطية الليبرالية. ولكنه سرعان ما وضعت هذه الأحلام عن جنب قبل تعطيلها أو سحقها. تحولت البهجة إلى شلل. القوى السياسية القائمة، والتى كانت جزءا لا يتجزأ من الجيش والدين فى أنحاء البلاد، أثبتت أنها الأقوى والأكثر تنظيما من الطبقة المتوسطة التى تظاهرت من أجل مبادئ الديمقراطية فى ميدان التحرير. وبشكل عملى، لم يكن الربيع العربى سوى إفراز للتناقضات الداخلية فى العالم العربى والإسلامى وللسياسات التى صممت من أجل حلها.
إن الشعار الذى تكرر فى الربيع العربى (الشعب يريد إسقاط النظام) ترك سؤالا مفتوحا حول كيفية تعريف الناس وماذا سيحل محل الأنظمة الاستبدادية التى تم إسقاطها. أن المنافسة الشرسة بين الاستبداد من جهة والأيديولوجية الإسلمية من جهة أخرى قد سحق المتظاهرين الأصليين لثورات الربيع العربى والذين كانوا يطالبون بحياة سياسية واقتصادية مفتوحة.
فى مصر، فإن الثورة لم يفز بها المتظاهرون الذين عبروا عن أفكار ديمقراطية ومنفتحة فى ميدان التحرير. إن القدرة على تجميع الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعى للتظاهر فى ميدان التحرير تختلف عن القدرة على بناء مؤسسات جديدة للدولة. فى الفترة التالية للثورة والتى شهدت فجوة فى السلطة، تمكنت الفصائل المنتمية لمرحلة ما قبل الثورة فى تحديد معالم نتائج هذه الثورة. أدى إغراء تعزيز الوحدة بالجمع بين القوميين والأصوليين إلى سحق الشعارات الأصلية للثورة.
مدعوما بائتلاف للجماعات أكثر تطرفا، وصل محمد مرسى القيادى بجماعة الإخوان المسلمين إلى كرسى الرئاسة الذى وعدت الجماعة بعدم السعى للفوز به أثناء اشتعال الثورة فى ميدان التحرير. أثناء وجودهم فى السلطة، ركزت حكومة الإخوان على تأسيس سلطتها وتجاهلت قيام مؤيديها بحملة من الترهيب والتحرش بالنساء، وبالأقليات وبالمعارضين. وكان قرار الجيش بإسقاط الحكومة وإعلان بداية جديدة للعملية السياسية محل ترحيب من العناصر الليبرالية الديمقراطية التى تعرضت للتهميش فى عهد الإخوان.
ويرى هنرى كيسنجر أن تطورات المشهد السياسى فى مصر أعاد من جديد فتح باب الحوار حول المبادئ التى تحكم السياسة الخارجية الأمريكية، وهل الولايات المتحدة مطالبة بدعم كل ثورة تقوم ضد نظام استبدادى بما فى ذلك الأنظمة التى تلعب دورا مهما فى بقاء النظام العالمى؟ وهل يمكن وصف كل مظاهرة بالديمقراطية؟... لقد وجدت الولايات المتحدة نفسها من جديد تناقش العلاقة بين مصالحها وموقفها من دعم الديمقراطية. كما أنه طرح سؤالا مهما متعلقا بالتوقيت: إلى أى مدى يمكن المخاطرة بالمصالح الأمنية لصالح أفكار نظرية؟ كلا الأمرين مهم. إن تجاهل المستقبل الديمقراطى مع افتراض أن أمريكا تستطيع أن تحدد اتجاهه، قد يؤدى إلى مخاطر على المدى البعيد. أيضا تجاهل المصالح الأمنية الأمريكية يتضمن المخاطرة بوقوع كارثة فورية.
3- سوريا
حين تناول كيسنجر الوضع السورى فإن تحليله إلى حد كبير هو إدانة للقوى الإقليمية والعالمية ولكنه بالطبع يبرئ بلده أمريكا يقول وزير الخارجية الأسبق إن الثورة السورية بدت فى الشهور الأولى وكأنها تكرار للثورة المصرية. ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الوصول لحل سياسى من خلال الأمم المتحدة قائم على الإطاحة ببشار الأسد من السلطة وتشكيل حكومة ائتلافية. لكن الموقف ازداد صعوبة مع رفض أعضاء دائمين فى مجلس الأمن تأييد هذه الخطوة أو اتخاذ تدابير عسكرية. وتعقد الموقف أكثر مع وجود الميليشيات المسلحة فى سوريا والتى لا يمكن وصفها بالديمقراطية أو بالمعتدلة.
ولكن الصراع تجاوز مجرد الإطاحة ببشار الأسد. اعتبر اللاعبون الرئيسيون فى سوريا والمنطقة أن الحرب لا تتعلق بالديمقراطية ولكنها تتعلق بالسيطرة. لقد اهتموا بالديمقراطية فقط كوسيلة لوصول جماعتهم للحكم، فلا أحد منهم يفضل نظاما لن يسمح لجماعته وحزبه بالبقاء فى الحكم. لقد تحول الصراع فى سوريا إلى صراع بين لاعبين لا يهتمون سوى بتحقيق الانتصار بصرف النظر على الآثار الجيوسياسية أو الجيودينية. من وجهة نظر المتصارعين فى سوريا، فإن الصراع لم يكن بين ديكتاتور وقوى ديمقراطية، ولكنه صراع بين الطوائف المتنازعة فى سوريا والداعمين الإقليميين لهذه الطوائف. من هذا المنطلق، فإن الصراع القائم سيحدد أى طائفة سوف تنجح فى السيطرة على الآخرين وبالتالى السيطرة على ما يتبقى من الدولة السورية. سهلت القوى الإقليمية تدفق السلاح والمال والدعم اللوجيستى إلى سوريا لصالح الطائفة التى تدعمها. دعمت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الجماعات السنية، دعمت إيران بشار الأسد من خلال حزب الله. مع اقتراب وصول الصراع إلى طريق مسدود، أصبحت الجماعات والتكتيكات أكثر تطرفا على نحو متزايد، مما أسفر عن حرب وحشية شاملة أغفل فيها جميع الأطراف النواحى الإنسانية.
ويعدد كيسنجر فى تحليله للموقف السورى فوضى التحالفات والانقسامات التى تشهدها المنطقة. يقول كيسنجر: (فى الوقت نفسه، بدأ هذا الصراع فى إعادة رسم التكوين السياسى لسوريا، وربما للمنطقة. أسس الأكراد السوريون وحدة مستقلة على طول الحدود التركية والتى يمكن أن تندمج بمرور الوقت فى حكم ذاتى مع أكراد العراق. الدروز والطوائف المسيحية، وفى ظل الخوف من تكرار سلوكيات جماعة الإخوان المسلمين فى مصر صوب الأقليات، إما أحجموا عن تأييد تغيير النظام فى سوريا أو انفصلوا فى مجتمعات ذاتية الحكم. على ناحية أخرى يسعى تنظيم داعش والمتطرفون إلى بناء خلافة فى الأراضى التى سيطروا عليها فى سوريا وغرب العراق، حيث لم تعد كل من دمشق أو بغداد قادرة على فرض سيطرتها.
ويصل أشهر وزراء خارجية أمريكا إلى تحليله لموقف بلاده: تعتقد التيارات الرئيسية أنها معركة من أجل البقاء على قيد الحياة، وفى حالة بعض القوى الجهادية، هناك اعتقاد بأنها فى صراع ينذر بنهاية العالم. وعندما رفضت الولايات المتحدة الأمريكية ترجيح إحدى كفتى الميزان، حكموا عليها بأن إما لديها دافع خفى تخفيه بمهارة- ربما اتفاق نهائى مع إيران، أو أنها لم تشعر بانسجام مع ضرورات توازن السلطة فى الشرق الأوسط.
فى الوقت الذى طلبت فيه الولايات المتحدة الأمريكية من العالم احترام التطلعات الديمقراطية وإنفاذ الحظر القانونى الدولى بشأن الأسلحة الكيميائية، اعترضت القوى العظمى الأخرى مثل روسيا والصين من خلال التذرع بمبدأ عدم التدخل. هذه القوى العظمى تعاملت بشكل أساسى مع الانتفاضات فى تونس ومصر وليبيا ومالى والبحرين وسوريا من خلال منظور الاستقرار الإقليمى الخاص بهم ومواقف المناطق المضطربة التى يعيش فيها المسلمون لديهم. ومع إدراكهم بأن المقاتلين الأكثر مهارة وتسليحا هم فى حقيقتهم إرهابيون، شعرت هذه القوى العظمى بالخوف من انتصار معارضى بشار.
مع افتقار الإجماع الدولى انكسرت المعارضة السورية، وتحولت انتفاضة من أجل القيم الديمقراطية إلى واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية فى القرن الواحد والعشرين وإلى انهيار للنظام الإقليمى. كان من الممكن أن يساهم نظام أمنى إقليمى أو دولى فى منع أو على الأقل الحد من الكارثة. ولكن تصورات المصلحة الوطنية أثبتت أنها مختلفة جدا وتكاليف الاستقرار شاقة للغاية. إن خيار القيام بتدخل خارجى كبير فى مرحلة مبكرة من الصراع كان بإمكانه إخماد الصراع بين القوى المتنافسة، ولكن كان الأمر سيتطلب تواجدا عسكريا طويل الأمد من أجل الحفاظ على النظام. فى أعقاب حربى العراق وأفغانستان لم يكن هذا الخيار ممكنا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، على الأقل لم تكن أمريكا مستعدة للقيام بتدخل عسكرى بمفردها.
كان بإمكان التوافق السياسى فى العراق أن يساهم فى إيقاف الصراع فى سوريا، ولكن الدوافع الطائفية لحكومة بغداد وفروعها الإقليمية وقفت فى طريق تحقيق مثل هذا التوافق. فى المقابل، كان من الممكن للمجتمع الدولى أن يفرض حظر أسلحة على سوريا والميليشيات المسلحة. ولكن مثل هذا الحظر كان مستحيلا فى ظل الأهداف المتعارضة للأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن. إذا لم يكن من الممكن فرض النظام سواء بالقوة أو بتوافق الآراء، فسوف يتم فرضه بتكلفة كارثية ولا إنسانية.
4 - غلطة السعودية
المفارقة التاريخية، أن السعودية كانت بمثابة حليف قوى للديمقراطية الغربية فى ظل هذه الاضطرابات وذلك على الرغم من ممارساتها الداخلية المتناقضة مع الأنظمة الغربية.
منذ الحرب العالمية الثانية، كانت المملكة العربية السعودية حليفا، فى أحيان بهدوء ولكن بحزم من وراء الكواليس، فى معظم مساعى الأمن الإقليمى الكبرى. وقد ارتكبت المملكة خطأ استراتيجيا من الستينيات من القرن الماضى حتى عام 2003 ألا وهو تقديم الدعم والتعاون مع الإسلام الراديكالى فى الخارج. كشف انقلاب القاعدة على المملكة فى عام 2003 عن الخلل الفادح فى هذه الاستراتيجية. ومع صعود الحركات الجهادية فى العراق وسوريا تشهد هذه الاستراتيجية اختبارا جديدا. أن وقوع اضطرابات فى المملكة العربية السعودية سيكون له تداعيات عميقة على الاقتصاد العالمى وعلى العالم الإسلامى والسلام العالمى. كما أظهرت الثورات فى أماكن أخرى بالعالم العربى، فإن الولايات المتحدة لا يمكن أن تفترض أن هناك معارضة تتسم بالديمقراطية تنتظر من أجل حكم المملكة العربية السعودية بمبادئ تتوافق مع القيم الغربية.
5- خريف المنطقة
إن ما تشهده سوريا والعراق من صراعات أصبح رمزا لاتجاه جديد ومشؤوم ألا وهو تفكك الدولة إلى وحدات قبلية وطائفية يتجاوز بعضها الحدود الوطنية وتتلاعب بها قوى متنافسة خارجية.
مع تغير النظام بعد الثورة بدون تأسيس سلطة جديدة مقبولة وشرعية بأغلبية حاسمة من المواطنين، فإن تعدد الفصائل المختلفة واستمرار الانخراط فى صراعات مفتوحة على السلطة، قد يؤدى إلى انجراف أجزاء من الدولة إلى الفوضى أو التمرد الدائم، أو تندمج مع ولاية تفككت من دولة أخرى. الحكومة المركزية الحالية قد تكون غير راغبة أو غير قادرة على إعادة تأسيس السلطة على المناطق الحدودية أو كيانات غير تابعة للدولة مثل حزب الله، تنظيم القاعدة، داعش وطالبان. وقد حدث ذلك على سبيل المثال فى العراق وليبيا. بعض الدول بتكوينها الحالى قد تكون غير قادرة على الحكم بشكل كامل إلا من خلال أساليب حكم أو تماسك اجتماعى ترفضها أمريكا باعتبارها غير شرعية. ويمكن التغلب على هذه القيود، فى بعض الحالات من خلال التطور نحو نظام أكثر ليبرالية داخليا.
فى نفس الوقت إذا التزمت الفصائل داخل الدولة بمفاهيم مختلفة للنظام واعتبروا أنفسهم فى صراع وجودى من أجل البقاء، فإن مطالب أمريكا بوقف هذا الصراع الداخلى وتأسيس حكومة ائتلافية ديمقراطية قد يؤدى إما إلى إصابة الحكومة القائمة بالفعل بالشلل (كما حدث مع شاه إيران) أو يتم تجاهل المطالب الأمريكية. إن الحكومة المصرية بقيادة اللواء عبدالفتاح السيسى قد تعلمت من سابقيها وقررت تغيير اتجاهها بعيدا عن التحالف الأمريكى التاريخى لصالح مزيد من حرية المناورة.
فى مثل هذه الظروف سيكون على الولايات المتحدة اتخاذ قرار على أساس ما يحقق أفضل مزيج من مصالحها الأمنية والقيم، مع إدراك أن كليهما سيكون ناقصا.
ويستعرض الكتاب أن فى ليبيا على سبيل المثال أدى سقوط نظام القذافى إلى تمزق الدولة ذات المساحة الشاسعة بسبب الانقسامات الطائفية والتناحر بين الجماعات القبلية. وبدأت القبائل والمناطق المختلفة فى تسليح أنفسهم لتأمين حكم ذاتى أو تم السيطرة عليهم من خلال الميليشيات المسلحة. وعلى الرغم من الاعتراف الدولى بحكومة طرابلس إلا أن هذه الحكومة المركزية غير قادرة على فرض سيطرتها على أنحاء البلاد.
المناطق غير الخاضعة للحكم أو التى يسيطر عليها الفكر الجهادى تنتشر اليوم فى جميع أنحاء العالم الإسلامى مما يؤثر على كل دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووسط أفريقيا.
فى ظل هذه الظروف اشتعلت الصراعات فى منطقة الشرق الأوسط فى مواجهة أقرب للحروب الدينية التى شهدتها أوروبا فى القرن ال17.
ويرى هنرى كيسنجر أن هذا الوضع فى الشرق الأوسط يستدعى تضافر الجهود الدولية فى مواجهة الإرهاب والفوضى اللذين لا يهدد العالم العربى فقط ولكنه ما يهدد أن استقرار النظام العالمى بأكمله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.