الشرق الأوسط- اهتمام وتدخلات دولية وسياسية ومالية غير مسبوقة في شؤون هذا الجزء الصغير من المملكة المتحدة. اسكوتلندا لا يتعدى تعداد سكانها 5.2 مليون نسمة يعيشون في بقعة جغرافية معظم جزرها غير آهلة بالسكان.. فقط 130 منها، التي يصل تعدادها إلى أكثر من 730 جزيرة مأهولة بالسكان، الاسكوتلنديون يشكلون 8 في المائة من سكان المملكة المتحدة، واقتصادها لا يزيد على 10 في المائة من اقتصاد الاتحاد، الذي يضم الشقيقة إنجلترا، إضافة إلى ويلز وآيرلندا الشمالية. لكن في الأسابيع الأخيرة، وبالأحرى في غضون آخر 10 أيام، بعد أن أصبح انفصال اسكوتلندا في الاستفتاء الذي يبدأ اليوم، قاب قوسين أو أدنى، شاهدنا تدخلات دولية سياسية من حكومات وأشخاص، ومن مؤسسات مالية وبنكية، بريطانية ودولية، لم يسبق لها مثيل، آخرها كان تصريحا لرئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي أمس.
في البداية حدث هجوم مفاجئ على المدن الاسكوتلندية من زعماء ويستمنستر، من قادة الأحزاب السياسية الرئيسة؛ ديفيد كاميرون عن المحافظين الحاكم، ونيك كليغ عن الديمقراطيين الأحرار، وإد ميليباند عن المعارضة العمالية. أضف إلى ذلك مشاهير بريطانيا من كتاب وغيرهم، الذين تعج بهم الساحات واستوديوهات المحطات التلفزيونية، يحاولون إسماع أصواتهم، ومنهم من يؤيد ومنهم من يعارض انفصال اسكوتلندا عن جسم المملكة المتحدة بعد 307 سنوات، بعد اتفاقية عقدت بمحض إرادة الطرفين، وليس بسبب احتلال أو انتصار في معركة، عام 1707. هذا الاهتمام أدى أيضا إلى اهتمام إعلامي فاق كل التوقعات. البرلمان الاسكوتلندي والعاصمة أدنبره، وأيضا باقي المدن، تعج بالصحافيين وشبكات الإرسال التلفزيونية من جميع أنحاء العالم.
ويواجه قادة الاتحاد الأوروبي صعوبة في إخفاء توترهم إزاء احتمال حصول اسكوتلندا على استقلالها خشية أن يتحول ذلك إلى عدوى، ويلوحون بالتهديد بعدم قبول أدنبره في الاتحاد.
وفي محادثة مع أودوزفيرت فاوتي من «راديو ألمانيا» التابع للاتحاد الأوروبي، قال إنه لاحظ أن حجم الدعم للشباب الألماني لانفصال اسكوتلندا مرتفع جدا. لكنه نفى أن يكون ذلك بسبب الرغبة الألمانية، البلد المنافس لبريطانيا تاريخيا ودخل معه في حروب، في أن يكون السبب وراء ذلك. ويعتقد فاوتي أن الدعم يعكس حالة التململ الحالية من أوضاع الاتحاد الأوروبي، مضيفا أن انفصال اسكوتلندا يعني احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهذا قد يؤدي إلى فشل الاتحاد في نهاية المطاف. وفاوتي يعد ألمانيا غير مهددة بانقسامات. إقليم بفاريا الحالة الوحيدة في ألمانيا التي يمكن وصفها بأنها متميزة، لكن باعتقاده أنها لا تشكل تهديدا لألمانيا.
أما باقي الدول الأوروبية، فيعتقد فاوتي أنها مهددة، بشكل أو بآخر، بالتفكك. إسبانيا وفرنسا، وحتى إيطاليا، تواجه مشكلات انفصال بعض أجزائها. ولهذا هناك تحالف فرنسي - إسباني بهذا الخصوص.. منطقة الباسك، تمتد بين الدولتين، أي إسبانيا وفرنسا.
لكن كتالونيا ستمضي باستفتائها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وهذا ضد رغبات الحكومة المركزية في مدريد، وسيؤدي ذلك إلى اختلاف دستوري، لكن في نهاية المطاف، ستجري تسوية الخلافات الدستورية وتنفصل كتالونيا، وهذا سيشجع الباسك أيضا على أن يحذو حذوها.
ومن هنا جاءت تصريحات رئيس وزراء إسبانيا محذرا اسكوتلندا من عواقب انفصالها عن المملكة المتحدة. وقال ماريانو راخوي إن انفصال اسكوتلندا «سوف يهدد أساس الاتحاد الأوروبي ويؤدي إلى أوضاع اقتصادية غير محمودة النتيجة»، وهذا ما حذر منه أيضا صندوق النقد الدولي في بيان قبل أيام. وقال أمس أمام البرلمان الإسباني إن «إجابة اسكوتلندا ب(نعم) يوم الجمعة، ستكون بمثابة إرسال طوربيد من تحت سطح الماء إلى الاتحاد الأوروبي.. وذلك ستكون عواقبه وخيمة اقتصاديا على الدين العام والمدفوعات ونظام التقاعد والعملة».
رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو أثار غضب الاستقلاليين في فبراير (شباط) الماضي عندما صرح أنه «سيكون من الصعوبة، وحتى من المستحيل» أن تنضم اسكوتلندا بصفتها دولة مستقلة إلى الاتحاد الأوروبي. كما قال: «سيكون من الصعب جدا الحصول على موافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد لقبول بلد جديد منفصل عن بلد آخر».
وأعطى مثالا على ذلك إسبانيا التي تواجه مطالب انفصالية وترفض الاعتراف بكوسوفو. وتابع باروسو في حينها: «بطريقة ما، وضع مشابه لأن الأمر يتعلق ببلد جديد». وقد اختصر رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي الوضع قائلا لدى سؤاله عن كتالونيا، إن «دولة جديدة مستقلة قد تتحول بفعل استقلالها إلى دولة خارج الاتحاد الأوروبي». ويستدعي ذلك أن تتقدم بطلب انضمام إلى الاتحاد الأوروبي «وفق الإجراءات المعروفة»، ما قد يطول حتى عام 2020، بحسب خبراء. وقال رئيس المجلس الأوروبي: «في جميع الأحوال، سيجري إخضاع الأمر للمصادقة من قبل جميع الدول الأعضاء».
ويتابع الكتالانيون الذين تظاهروا بكثافة الأسبوع الحالي في برشلونة، والباسك كذلك، باهتمام استفتاء اسكوتلندا، في حين ترفض مدريد أي استقلال لهذه المناطق. كما أن وزير خارجية ألمانيا فرانك والتر شتاينماير أعلن الأسبوع الحالي أنه يفضل «بقاء بريطانيا موحدة».
ويأمل الاستقلاليون الاسكوتلنديون في انتزاع تعديل للمعاهدات الأوروبية يسمح لهم بالبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي قبل الاستقلال فعليا في مارس (آذار) 2016. ويشير بعض الخبراء في هذا السياق إلى ألمانياالشرقية بعد التوحيد، مؤكدين أنه بعد محادثات أولية صعبة، فسيكون ممكنا الانضمام في غضون سنتين أو ثلاث.
من جهته، قال الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إنه يأمل في أن يصوت الاسكوتلنديون بالبقاء ضمن المملكة المتحدة، مشيرا إلى مخاوف بشأن الاقتصاد. وقال كلينتون في بيان: «الوحدة في ظل أقصى مستوى من تقرير المصير تبعث برسالة قوية لعالم تمزقه صراعات الهوية، بحيث من الممكن أن نحترم اختلافاتنا بينما نحيا ونعمل معا». كما أعربت الولاياتالمتحدة عن أملها في أن تبقى حليفتها بريطانيا «موحدة» وذلك في أبرز موقف لها من الاستفتاء في اسكوتلندا حول الاستقلال. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض إن واشنطن تحترم حق الاسكوتلنديين في أن يقرروا مستقبلهم بأنفسهم، لكن تأمل في أن تبقى حليفتها بريطانيا «قوية وموحدة». وقد أصبحت دول أوروبية ما يسميها روبرت كوبر، الدبلوماسي السابق لبريطانيا والاتحاد الأوروبي، «دول ما بعد الحديثة» تتداول بكل حرية جانبا من سيادتها. وقال كوبر في كتابه تفكك الأمم، الذي صدر عام 2003: «الاتحاد الأوروبي نظام شديد التطور للتدخل المتبادل من جانب كل دولة في شؤون الدول الأخرى في كل شيء حتى البيرة والنقانق»، وجعل ذلك الحدود الوطنية أقل أهمية، وأثار مطالب من جانب المواطنين بمزيد من التحكم الديمقراطي على مستوى يقل عن مستوى الدول.