أعاد الرئيس الجزائري، عبدالعزير بوتفليقة، الحرارة إلى خط الرئاسة والمخابرات بعد أكثر من عام من الفتور، بإقدامه على تعيين أحد القادة الكبار لجهاز الإستخبارات في منصب المستشار الأمني في رئاسة الجمهورية، ويتعلق الأمر بالجنرال بشير طرطاق، الذي أحيل على التقاعد في صائفة العام 2013.
كشفت مصادر مطلعة في الجزائر للعرب اللندنية، أن الرئيس بوتفليقة عين الرجل الثاني سابقا في جهاز الاستخبارات الجزائرية، اللواء بشير طرطاق، مستشارا أمنيا في رئاسة الجمهورية، خلفا للمستشار المحال على التقاعد منذ أسابيع، اللواء محمد تواتي، المعروف ب “المخ” أي (العبقري)، وهي خطوة تؤشر إلى عودة التواصل بين المؤسستين (الرئاسة والمخابرات) بعد جدل صاخب، أثارته عملية الهيكلة والتغييرات الجذرية التي أجراها بوتفليقة على الجهاز فور عودته من رحلة العلاج بفرنسا في يوليو 2013.
وذكرت تقارير إخبارية محلية متطابقة، أن اللواء بشير طرطاق، الذي كان يشغل قبل أكثر من عام، منصب مدير الأمن الداخلي، قبل أن يحال على التقاعد في إطار حملة التغيير الجذري التي أجراها الرئيس بوتفليقة على جهاز الاستخبارات، قد عين كمستشار للرئيس في المسائل الأمنية.
وأضافت أن المستشار الأمني الجديد، ذا الخلفية الاستخباراتية، “سيضطلع بمهام الأمن الداخلي ومحاربة الإرهاب، مستثمرا فيه رئيس الجمهورية، رصيده وخبرته الإستعلاماتية، وهو الضابط الذي يوصف بأحد صقور المؤسسة والعدو اللدود للإسلاميين المتشددين”، حيث خاض معارك ضارية في فترة التسعينات ضد مختلف الفصائل الجهادية التي رفعت السلاح ضد المجتمع، تحت ذريعة توقيف المسار الانتخابي من قبل العسكر في يناير 1992، بعدما اكتسحته جبهة الإنقاذ المنحلة.
ويرى مراقبون في الجزائر، أن تعيين بوتفليقة للواء طرطاق، كمستشار أمني في الرئاسة يحمل رسالتين واضحتين، تتمثل الأولى في إعادة التوافق بين الرئاسة وجهاز الاستخبارات، بعد مدة من الجفاء بين الطرفين، في أعقاب تحفظ قادة الجهاز على الولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة، وما تلاها من حملة تغييرات واسعة وجذرية غير مسبوقة ومثيرة، فهمت حينها أنها تصفية حسابات بين بوتفليقة وخصمه الفريق محمد مدين ( توفيق )، اتخذت من إحالة عدد من الضباط السامين على التقاعد، وإعادة توزيع الصلاحيات والمهام، “تكتيك” من بوتفليقة لتقليم أظافر الجهاز الذي ظل عصيا على الترويض منذ قدومه لقصر المرادية في 1999، وعليه يرى هؤلاء المراقبين أن التعيين هو جبر للخواطر المنكسرة، ومسعى لترميم علاقة تعرضت للتشقق.
وأما الرسالة الثانية فقد فرضتها الظروف الأمنية والتطورات الإقليمية المحيطة بالبلاد، لاسيما في شقها الجنوبي والشرقي، حيث تواجه الجزائر تحديات أمنية كبيرة، نتيجة الوضع المتردي في الحدود مع مالي وليبيا، وكذا المخاطر التي باتت تحملها الفصائل المتشددة المحلية المرتبطة بتنظيمات دولية كالقاعدة وداعش، علاوة على بعض الاختراقات التي تحاول تأليب وتوظيف النزاعات الطائفية والإثنية في مناطق غرداية والقبائل.
ولذلك فإن الرئيس يريد توظيف رصيد وخبرة المستشار الجديد في المجال الأمني والاستعلاماتي، بشكل يوفر له المعلومة والنصائح في شتى المسائل. وفي سياق متصل، تذكر مصادر محلية أن الرئيس بوتفليقة، يكون قد أوعز للحكومة بإعداد مشروع قانون جديد يهدد مهام وصلاحيات مختلف الأسلاك الأمنية ( الشرطة والدرك والاستعلامات)، وأضافت أن مشروع القانون سيعيد صلاحية الضبطية القضائية لجهاز الاستعلامات بعدما انتزعت منه بموجب تغييرات العام الماضي، بما فيها التحقيق في القضايا الاقتصادية، التي أثارت جدلا كبيرا بعد تفجير فضائح شركة سوناطراك النفطية ووزير النفط السابق، شكيب خليل، المحسوب على جناح الرئيس بوتفليقة، وروج له البعض حينها أن التحقيقات التي باشرها جهاز الاستعلامات هي محاولة للي ذراع بوتفليقة وإجهاض مشروع العهدة الرابعة.
وتقول المصادر إن الرئيس بوتفليقة يريد إعادة الاعتبار لجهاز الاستعلامات بواسطة القانون المنتظر، خاصة وأن الوضع الجديد الذي أفرزته التغييرات الأخيرة، ولّدت حالة من الضغط والتراكم لدى جهازي الشرطة والدرك التي تفتقد لخبرة وأداء جهاز الاستعلامات في مسائل التحقيقات المعقدة.