في الوقت الذي أعلن فيه مفاوض فلسطيني أن مفاوضات وقف إطلاق النار الدائم في غزة، قد تستأنف بعد أسبوعين - ظهرت بعض ملامح الخطة الإسرائيلية المستقبلية حول قطاع غزة، التي ترتكز إلى نشر قوات دولية في القطاع لمراقبة حركة حماس، وهو ما رفضته «الحركة الإسلامية» على الفور، قائلة إنها ستتعامل مع أي قوات أجنبية على أنها قوات محتلة. وتشير أفكار كل من إسرائيل وحماس إلى تفسير مختلف لمبادرة وقف النار، مما يجعل المفاوضات المنتظرة صعبة ومعقدة للغاية.
وقال قيس عبد الكريم، عضو الوفد الفلسطيني المفاوض نقلا عن الشرق الأوسط، إنه من المتوقع أن تستأنف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في 21 سبتمبر (أيلول) الحالي.
وكان الوفدان الفلسطيني والإسرائيلي اتفقا في 26 أغسطس (آب) الماضي، على وقف إطلاق النار في غزة برعاية مصرية، بناء على اتفاق 2012 بين حماس وإسرائيل، على أن تبدأ مفاوضات لاحقة للتوصل إلى اتفاق دائم.
لكن عبد الكريم أكد أن المفاوضات ستركز في البداية على مواضيع كان يفترض أنه اتفق حولها، قائلا: «إن المفاوضات ستبدأ ببحث موضوع إدخال مواد ومستلزمات إعادة إعمار قطاع غزة عبر المعابر الحدودية نظرا إلى أن إسرائيل لم تنفذ ما اتفق عليه حتى اللحظة بالنسبة لإدخال مواد إعادة الإعمار».
ورفضت إسرائيل حتى اليوم إدخال أي مواد بناء من أجل إعمار القطاع قبل الوصول إلى اتفاق نهائي وواضح، كما يبدو أن إسرائيل ما زالت متمسكة بموضوع نزع سلاح حماس.
وقال الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، أمس، إنه يجب جعل قطاع غزة منطقة منزوعة السلاح كجزء لا يتجزأ من عمليات إعادة إعماره. وأكد ريفلين أثناء استقباله وزير خارجية النرويج، بورغ براندا، الذي ستشرف بلاده على مؤتمر إعادة إعمار القطاع، ضرورة مراقبة تحويلات الأموال إلى قطاع غزة تفاديا لوضع حماس يدها عليها.
وتحدث براندا عن قرب إقامة أمسية خاصة في نيويورك، بمشاركة فلسطينية ومصرية، لغرض جمع أموال التبرعات من أجل إعادة إعمار غزة. ومن المفترض أن ينطلق المؤتمر قريبا بانتظار اتفاق كامل في مصر، وهو ما يبدو صعب التحقيق أمام الرؤى المختلفة للطرفين.
وكشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أمس عن أن الخارجية الإسرائيلية قدمت قبل نحو أسبوعين للمجلس الوزاري المصغر «الكابنيت» وثيقة سرية تتضمن مقترحا بنشر قوات دولية في قطاع غزة، بهدف مراقبة إدخال الأموال والبضائع لإعادة إعمار قطاع غزة، والتأكد من أن أيا من الأموال أو المواد مزدوجة الاستعمال لن تذهب إلى حماس.
وسلم المدير العام للخارجية، نسيم بن شطريت، في 21 من أغسطس (آب)، ل«الكابنيت» الوثيقة المكونة من صفحتين، التي حملت اسم «مبادئ ومعايير لنشر قوة دولية في قطاع غزة»، وبحثها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع كبار مستشاريه بانتظار أن يصوت «الكابنيت» عليها.
وقالت «هآرتس» إن الوثيقة تخدم مصالح إسرائيل من خلال دور رقابي على حدود غزة وآخر أمني تدعمه دول من ضمنها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ويقوم على نشاطات تهدف إلى منع تعاظم قوة حماس وتجريد غزة من السلاح.
وقال موظف رفيع بالخارجية الإسرائيلية: «بلورت الوثيقة أصلا على خلفية توجهات ألمانيا وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى خلال عملية (الجرف الصامد)، ويشمل ذلك إقامة نظام رقابة دولي في غزة يحسن من شروط قوة المفتشين الأوروبيين الذين عملوا في معبر رفح بين عامي 2005 و2007 من جهة، ومن جهة ثانية، تنفيذ أنشطة أمنية فعالة لتجريد غزة من الأسلحة».
واقترحت الوثيقة 4 تشكيلات، ممكن أن تقوم بهذه المهمة، وهم: قوة تابعة للاتحاد الأوروبي، أو قوة غربية بمشاركة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، أو قوة تابعة للأمم المتحدة، أو قوة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأوصت الخارجية بالعمل على نشر قوة أوروبية، لأسباب مختلفة، لأن الأوروبيين عبروا عن استعداد مبدئي لتنفيذ خطوة كهذه، ولأن تقبل الفلسطينيين لهم سيكون أكبر، ولأن عملية الانتشار ستكون أسهل وأسرع. ووضعت الوثيقة تفاصيل دقيقة للقوات، من ضمنها صلاحيات هذه القوات وتركيبتها وأماكن انتشارها. وتشترط أن تكون القوة صاحبة صلاحيات واسعة، تمكنها من مواجهة تهديدات من جانب حماس والفصائل الأخرى. وحددت الوثيقة أماكن انتشار القوة على معبر رفح، وطول الحدود مع غزة، وداخل مناطق في القطاع تحوي منشآت أممية.
وترى الخارجية أن هذا الأمر يجب أن ينفذ بواسطة قرار ملزم من مجلس الأمن وعبر اتفاق يدعمه مجلس الأمن على غرار قوات «اليونيفيل» في جنوبلبنان.
وقال مصدر إسرائيلي ل«هآرتس»، إن هذا الاقتراح يمكن أن يصبح قابلا للتنفيذ بعد استئناف مفاوضات وقف النار في القاهرة. وبحسبه، فإن بعض الدول الأوروبية تناقش هذا الأمر مع مصر في هذا الوقت.
وردت حماس فورا على التوجه الإسرائيلي برفضه نهائيا، وقال القيادي في الحركة إسماعيل رضوان إن حركته ترفض بالمطلق وجود أي قوات أجنبية على أراضي قطاع غزة. وأضاف في بيان: «إن حماس ستتعامل مع هذه القوات كاحتلال جديد». وتابع: «على الجهات الدولية إزالة الاحتلال ورفع الحصار، بدلا عن الحديث عن سلاح المقاومة».
واتهم رضوان الاحتلال بالتهرب مما اتفق عليه في العاصمة المصرية (القاهرة). وقال إن «الراعي المصري هو الضامن والمتابع لهذه التهدئة، وعليه متابعة التصريحات الإسرائيلية».
وأعلن القيادي صلاح البردويل أن حركة حماس لا تتعامل مع ما يسرب من قبل إسرائيل، لكنه قال للوكالة الرسمية التابعة لحماس: «إن أي اقتراح لا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني بالتحرر من الاحتلال، الذي هو أساس المشكلة، وإقامة دولته المستقلة، مرفوض جملة وتفصيلا». وأضاف: «لا يمكن استبدال احتلال باحتلال آخر، وإن مثل هذه الاقتراحات ستبقى أفكار عقيمة».