استبعد محللون سياسيون وعسكريون ليبيون احتمال تورط مصر عسكريا في “مستنقع” ليبيا، وذلك في الوقت الذي ارتفعت فيه وتيرة التصريحات الإعلامية في القاهرة المؤيدة للتدخل العسكري المصري في ليبيا لدرء مخاطر إرهاب جماعة الإخوان والميليشيات التكفيرية الدائرة في فلكها. وقال المحلل السياسي سامي عاشور، إن الظروف الموضوعية لم تنضج بعد لتدخل عسكري عربي في ليبيا، وذلك رغم مخاطر الإرهاب الذي اتخذ من ليبيا مركزا له، وتُعتبر قاسما مشتركا بين دول الجوار الليبي.
واعتبر في تصريحات “للعرب اللندنية” أن الحديث عن تدخل عسكري مصري في ليبيا “يُعد سابقا لأوانه في هذه المرحلة لاعتبارات مرتبطة بطبيعة الأولويات التي حددتها مصر على الصعيدين الوطني والإقليمي”.
وبحسب سامي عاشور، فإن مصر تواجه حاليا جملة من التحديات التي يتعين مواجهتها على الصعيد الوطني، منها تلك المتعلقة بالتنمية، وتحريك عجلة الإنتاج، وبالتالي تطوير الاقتصاد وإخراجه من حالة الركود والانكماش التي عرفها خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي.
ووصف هذا التحدي ب”المحوري”، لأن النجاح في رفعه ستكون له انعكاسات إيجابية على الملف السياسي في البلاد، وخاصة الجانب المُتعلق بإنهاء ما تبقى من خارطة طريق المستقبل، التي طرحها الرئيس عبدالفتاح السيسي، أي تنظيم انتخابات تشريعية قبل نهاية العام الجاري.
وكانت أصوات مصرية قد تعالت خلال الأيام القليلة الماضية في القاهرة للمطالبة بتدخل عسكري مصري في ليبيا لإنهاء حالة الفوضى في البلاد، ودرء مخاطر إرهاب جماعة الإخوان والميليشيات التكفيرية والظلامية المحيطة بها.
وتحولت تلك الدعوات إلى ما يُشبه السجال السياسي وسط محاولات جدية لتوريط القاهرة في ليبيا تحت عناوين متعددة أبرزها حماية الأمن القومي من خطر الظلام الداهم الذي تسعى جماعة الإخوان وميليشياتها التكفيرية لنشره في المنطقة حتى يتسنى لها تمرير مشاريعها التخريبية.
واستندت تلك الأصوات إلى تصريحات سابقة للرئيس عبدالفتاح السيسي قال فيها “لا يليق بنا أن نتفرج على الوضع في ليبيا”، وأخرى لعمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية أكد فيها أن مصر قد تضطر إلى استخدام حق الدفاع عن النفس إزاء الوضع المثير للقلق في ليبيا ودرءا للخطر القادم منها.
غير أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، نفى وجود مخطط لبلاده للتدخل عسكريا في ليبيا، حيث قال خلال زيارته الخاطفة لتونس قبل أربعة ايام، “ليس هناك أي حديث في الوقت الراهن عن أي نوع من التدخل للجيش المصري في التراب الليبي الذي تبقى مهمته الرئيسية حماية أمن مصر”.
ورغم هذا النفي القاطع، فإن ذلك لم يوقف هذا السجال الذي عاد ليتصاعد من جديد بعد التأكد من وجود عدد من المصريين المتطرفين في صفوف الميليشيات التكفيرية في ليبيا.
وذهب البعض من قادة الأحزاب المصرية، منها إبراهيم كامل، من حزب “المصريين اﻷحرار”، إلى القول في تصريحات سابقة “يجب أن يكون هناك تدخل عسكري في ليبيا لمواجهة الإرهاب هناك، حتى لا ينتشر في الدول المحيطة، ومنها مصر”.
ولفت إلى أن التدخل العسكري الذي يدعو له “سيكون حماية ﻷمن مصر القومي، وليس اعتداء على السيادة الليبية.
بيد أن المحلل السياسي سامي عاشور، اعتبر أن مثل هذا الموقف لا يخدم مصالح مصر في هذه المرحلة، وقال ل”العرب”، “صحيح أن الإرهاب عدو يتربص بمصر انطلاقا من ليبيا، ولكن التورط عسكريا ستكون عواقبه وخيمة.
وفيما دعا عاشور في حديثه ل”العرب”، دول الجوار الليبي، وخاصة منها مصر وتونس إلى عدم السماح بتحويل أراضيهما إلى ساحة اقتتال ليبي – ليبي، بدا الموقف الرسمي الليبي من مسألة التدخل العسكري باهتا حينا، وغائبا حينا آخر.
وفي هذا السياق رفض العقيد علي الشيخي الناطق الرسمي باسم رئاسة هيئة الأركان العامة للجيش الليبي التعليق على السجال الدائر بشأن التدخل العسكري المصري بحجة أنه غير رسمي.
وقال في اتصال هاتفي مع “العرب”، إن دعوات التدخل العسكري المصري في ليبيا، “صدرت عن جهات غير رسمية، وبالتالي لا يمكن التعليق عليها”.
ولكنه شدد في المقابل على أن هذه المسألة وغيرها من المسائل التي تهم أمن ليبيا “تبقى من مشمولات مجلس النواب الجديد، الذي وحده المُخول باتخاذ القرارات والإجراءات والمواقف التي يراها مناسبة”.
ويُبقي هذا الموقف الباب مفتوحا أمام شتى الاحتمالات، بما فيها إمكانية التدخل العسكري في ليبيا، ولكن ليس مصريا، ولا عربيا، ذلك أن كل المؤشرات الراهنة تؤكد أنه دون غطاء دولي واسع لا يمكن إرسال قوات عسكرية لمحاربة الميليشيات التكفيرية التي تدفع ليبيا نحو “الصوملة”، بل الأمر يستدعي تنفيذ عمليات استباقية دقيقة ونوعية لإضعاف قدرات تلك الميليشيات وإفشال مخططاتها التخريبية.