البابا تواضروس الثاني يزور إيبارشية أبوتيج وصدقا والغنايم    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بالذكرى المئوية للعلاقات بين مصر وتركيا    هيثم الشيخ: البرلمان القادم سيشهد تمثيلاً تاريخياً لمعظم الأطياف السياسية والمعارضة    الجامعة البريطانية وبرنامج الأمم المتحدة يطلقان النسخة الرابعة من محاكاة قمة المناخ COP30    وزارة الحج والعمرة: جميع أنواع التأشيرات تتيح أداء مناسك العمرة    الحية في القاهرة بعد نجاته من ضربة إسرائيلية للمشاركة في مفاوضات غزة    وزير خارجية الكويت: مجلس التعاون ينظر إلى الاتحاد الأوروبي كشريك أساسي في دعم الاستقرار الدولي    حبس المتهم بسرقة هاتف محمول من داخل محل بالسلام بعد تنفيذ 4 وقائع    حبس المتهمين بإدارة نادي صحي لممارسة أعمال منافية في مدينة نصر    قرار من النيابة ضد المتهم بالتعدي على آخر في حدائق القبة وبحوزته سلاحان ناري وأبيض    وزير الخارجية يلتقى عددًا من المندوبين الدائمين بمنظمة اليونيسكو    31 مرشحًا خضعوا للكشف الطبي بالفيوم.. ووكيلة الصحة تتفقد لجان الفحص بالقومسيون والمستشفى العام    بالصور/ مدير امانه المراكز الطبية المتخصصة" البوابة نيوز"..نرفع الطوارئ على مدار 24 ساعة لاستقبال حوادث المواصلات بالطريق الزراعى والدائري..القوى البشرية بقليوب التخصصى لا يستهان بها    أسعار الحديد فى الشرقية اليوم الاثنين 6102025    عوقب بسببها بالسجن والتجريد من الحقوق.. حكاية فضل شاكر مع «جماعة الأسير»    وكيل فيريرا: المدرب لم يجتمع مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة الجونة.. وهذا الكلام "من وحي الخيال"    يلا شوت بث مباشر.. مشاهدة السعودية � النرويج Twitter بث مباشر دون "تشفير أو فلوس" | مباراة ودية دولية 2025    خبر في الجول – اجتماع بين لبيب وجون إدوارد.. وانتظار عودة فيريرا لاتخاذ القرار المناسب    تفاصيل الجلسة العاصفة بين حسين لبيب وجون إدوارد    أسعار اللحوم فى أسيوط اليوم الاثنين 6102025    تحديث مباشر ل سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الاثنين 06-10-2025    سعر السمك البلطى والكابوريا والجمبرى في الأسواق اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025    بارد ليلا..اعرف حالة الطقس اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    وزير التربية والتعليم ومحافظ الإسكندرية يفتتحان عددًا من المشروعات التعليمية الجديدة    لحظة مصرع عامل إنارة صعقا بالكهرباء أثناء عمله بالزقازيق ومحافظ الشرقية ينعاه (فيديو)    وفاة مسن داخل محكمة الإسكندرية أثناء نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه    سعر الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض الأبيض والأحمر في الأسواق اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025    هناك من يحاول التقرب منك.. حظ برج القوس اليوم 6 أكتوبر    بعد حفله في مهرجان النقابة.. تامر حسني يشارك جمهوره بيان شكر «المهن التمثيلية»    5 أبراج «بيفشلوا في علاقات الحب».. حالمون تفكيرهم متقلب ويشعرون بالملل بسرعة    هل استخدم منشار في قطعها؟.. تفاصيل غريبة عن سرقة اللوحة الأثرية الحجرية النادرة بسقارة (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 6-10-2025 في محافظة الأقصر    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    ترقي وإعادة تعيين المعلمين 2025.. «الأكاديمية» تحدد مواعيد جديدة لاختبارات الصلاحية    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاثنين 6-10-2025 في محافظة قنا    فنانة تصاب ب ذبحة صدرية.. أعراض وأسباب مرض قد يتطور إلى نوبة قلبية    محمد صلاح ينضم لمعسكر منتخب مصر قبل السفر للمغرب لملاقاة جيبوتى    أحمد صالح: الزمالك أعاد الأهلي إلى وضعه الطبيعي    أتلتيكو مدريد يعود لنتائجه السلبية بالتعادل مع سيلتا فيجو في الدوري الإسباني    سعر الذهب اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025.. عيار 14 بدون مصنعية ب 3480 جنيها    السويد: إذا صحت أنباء سوء معاملة إسرائيل لثونبرج فهذا خطير جدا    آمال ماهر تتألق بأغانى قالوا بالكتير ولو كان بخاطرى وأنا بداية بدايتك بحفل عابدين    بدر محمد بطل فيلم ضي في أول حوار تلفزيوني: الاختلاف قد يكون ميزة    مدير المركز الإعلامي لغزل المحلة: كستور يتحمل العصور رسالة وطنية لإعادة إحياء رموزنا    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل: زلزال بقوة 5 درجات يضرب باكستان.. وزير دفاع أمريكا يهدد بالقضاء على حماس إذا لم تلتزم بوقف إطلاق النار.. ترامب: مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة تسير بشكل جيد للغاية    محافظ الشرقية ينعي فني إنارة توفي أثناء تأدية عمله الزقازيق    هل يجوز استخدام تطبيقات تركيب صور البنات مع المشاهير؟.. دار الإفتاء تجيب    على زعزع يخضع للتأهيل فى مران مودرن سبورت    محمد شوقى يمنح لاعبى زد راحة 48 ساعة خلال توقف الدورى    لحظة تهور سائق في زفة بكرداسة تنتهي بالقبض عليه.. إنفوجراف    ما هي مراحل الولادة الطبيعية وطرق التعامل معها    نائب وزير الصحة لشؤون السكان: «دليل سلامة حديثي الولادة» خطوة فارقة في حماية الأطفال    الديهي: جيل كامل لا يعرف تاريخ بلده.. ومطلوب حملة وعي بصرية للأجيال    مواقيت الصلاه غدا الإثنين 6 اكتوبرفى محافظة المنيا.... تعرف عليها    اليوم العالمي للمعلمين 2025.. دعوة لإعادة صياغة مهنة التدريس    جامعة بنها الأهلية تنظم الندوة التثقيفية احتفالاً بذكرى نصر أكتوبر المجيد    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    ننشر عناوين مقرات توقيع الكشف الطبي على المرشحين لمجلس النواب في الإسكندرية (تعرف عليها)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآية 20 من سورة الأحقاف
نشر في الفجر يوم 06 - 08 - 2014

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .

أيُّها الإخوة الكرام، الآية العشرون من سورة الأحقاف، وهي قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}.

جزء من عقيدة المؤمن أن يعرف حقيقة الحياة الدنيا، وأنَّها دار عمل وليسَت دار أمَل، ودار تكليف وليْسَت دار تشريف، فالذي يفْهم أن الحياة الدُّنيا دار اسْتِمتاع وتقلّب في النّعيم، وطعام وشراب، وسهرات، ومُتَاع فحاله يكون كما وصف الله في هذه الآية .

ورَدَ في بعض الأحاديث: إيَّاك عبد الله والتَّنَعُّم فإنَّ عباد الله ليْسُوا بالمتنعِّمين! الإنسان قد يتنعَّم، أما أن يجْعل التَّنَعُّم هدفه، يعمل من أجله؛ طعام وشراب واستمتاع، فالأُناس الطَّيِبُّون غارقون في المباحات والمباحات شَغَلتهم عن الطاعات، فالعُصاة موضوعهم آخر، وهم خارج الحِساب، فهذا الذي جَعَل همُّه مُتَعَ الحياة الدُّنيا والانْغِماس فيها؛ موقفُهُ يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].

طبعًا كلمة الكُفْر واسِعَة جدًّا، تضيق لِتَعني الخروج مِن مِلَّة الإسلام، وتتَّسِع كما قال الله عز وجل: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}... [التوبة: 54].

فهؤلاء يُصَلُّون ويُنْفِقون، وقد وُصِفُوا عند الله تعالى بالكُفْر .

هناك كفء يُخْرج مِن مِلَّة؛ كأن تُكَذِّب بالوحي، وبالقرآن، وتُنْكِر فرْضِيَّة الصلاة والصِّيام والحج، وذلك هو الكُفر الأكبر، أما حينما لا تعبأ بِقَوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}... [البقرة: 221].

تُزوِّج ابنتَك لإنسانٍ غَنِيٍّ دون أن تعبأ بِدِينِهِ، فأنت بِهذا كأنَّك كذَّبْت هذه الآية، وهذا نوعٌ مِن الكُفْر، وحينما يقول الله عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}... [البقرة : 276].

فليمْتَنِعُ عن التَّصَدُّق ويُنَمِّي مالهُ بِطَريقٍ ربَوِي هو كافِرٌ بِهذه الآية بالذَّات فهناك كُفْر يشْمَل الدِّين كلَّه، ويشْمَل الوَحي كلَّه والكتب السماوِيَّة، والأنبياء وهناك كُفر جُزئي، فحينما يقول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}... [النور: 30].

فإذا قال الواحِد أين أضَعُ عَيناي‍؟‍!! فهل الآية غلَط؟ ألم يقل الله عز وجل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}... [البقرة : 286].

فالكُفْر يضيق لِيشْمل تَكذيب الدِّين والوحي، والقرآن، وإنكار الفروض، ويتَّسِعُ الكُفْر لِيَشْمَل كُلّ مَن يتحرَّك حركةً خِلاف منهج الله؛ لأنَّه ليس قانِعًا بها، أما إن كان مُقصِّرًا فهذا اسمُهُ فُسْق، فالإنسان حينما يُغلبُ أمرُهُ يُسَمَّى فاسِقًا، أما حينما يُنكِر يُسمَّى كافر، رجلان لا يُصَلِّيان، فالذي يقول: والله أنا مُقصِّر؛ هذا فاسق أما الذي يقول: ما فائدة الصلاة؟! فهذا كافر، فالذي يُنْكِرُ فرْضِيَتها كافر أما الذي يدَّعي أنَّهُ مُقصِّر فهذا فاسِق، قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].

يُرْوَى أنَّ سيِّدنا عمر أمْسَكَ تُفاحةً شَهِيَّة فقال: أكلتها ذَهَبت، أطْعَمْتُها بَقِيَتْ!

سيِّدُنا النبي عليه الصلاة والسلام حينما كان يُوزِّعُ شاةً، قالت له عائشة رضي الله عنها: لم يبْقَ إلى كَتِفُها! فقال عليه الصلاة والسلام: بل بقِيَتْ كلُّها إلا كتفها!!.

ليس لكَ مِن مالِكَ إلا ما أكَلتَ فأفْنَيْتَ، أو لبِسْتَ فأبْليْت، أو تصدَّقْتَ فأبْقَيت، فالمال جزءان؛ قسم لك، وقِسم ليس لك، فالذي لك يُسَمَّى رِزْق والذي ليس لك يُسمَّى كَسْب، فالرِّزْق ما انْتَفعْتَ به، والكسب ما لم تنتفع به، فالرِّزق ما انْتفعْتَ به وسَتُحاسَبُ عليه، والكَسْب ما لم تنتفِع به وسَتُحاسَبُ عليه! تصوَّر إنسانًا اقْتَرض مليون ليرة، سُرِقتْ منه في الطريق، فهذا الشَّخص سيُؤدِّي هذا المَبلَغ مع أنَّه لم ينْتفِع به، فالرِّزْق ما انْتَفَعتَ به، والكَسْب ما لم تنتفِع به .

الآن الذي تنتفِعُ به ثلاثة أقْسام؛ قِسمٌ هلَكَ كالطَّعام والشَّراب، وقِسم بقِيَ وبلِيَ كالثِّياب، فهؤلاء الذين كفروا يُقال لهم القيامة: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].

لذلك أيُّها الإخوة، الإنسان الذي بلا رسالة، ولا هَدَف، ولا قيمة يسعى لها، ولا درجة ولا مرْضاة يسْعى لِحُصولها هو إنسان شارِد وتائِه! ما الذي يُعرِّفُكَ بِمَوْقِعِك من الدِّين؟ دُروس العِلم، وكنتُ أقول لكم دائِمًا؛ متى تُعالِجُ نَفْسَكَ مِن الضَّغط المرْتَفِع؟ إذا عرِفْتَ أنَّهُ معَكَ ضَغطٌ مرْتَفِع، فلا بُدَّ مِن أن تقيسَ ضَغْطك مِن حينٍ لآخر عند الطَّبيب، والمؤمن الصادِق لا بُدَّ من أن يحْضُر مَجلسَ العِلْم كي يعْرِف موقِعَهُ من الدِّين؛ هل هو مع المُقْتَصِدين أم السابقين أم المُقصِّرين؟‍ وهل هو واقِعٌ في الشِّرْك الخَفِيّ أو الشِّرْك الجليّ؟ وهل هو واقِع في الكُفْر؟ فلا بدَّ مِن معرفة ذلك، يقول تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].

الحقيقة أنَّ الإنسان أحيانًا يسْتكبر بِغَير الحق، قال تعالى: {قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}... [آل عمران : 26].

سَمْعُكَ وبصرك وعَقلَكَ وحركتكَ جميعها تمْلِكُهُا فالذي يسْتكبر بِغَير الحق، ويقول: أنا! فهذا لا شيء، نقطة دم في دِماغِهِ تَجْعلُهُ مَشْلولاً، وأقْربُ الناس إليه يتمنَّى موْتَهُ، فإمَّا أن يُسْمِعَهُ الدُّعاء ويقول له: خفَّف الله عنك! وإمَّا أن يدعوَهُ سِرّا، فأقرب الناس إليك؛ زوْجتُكَ وأهْلُكَ والإنسان وهو في الفراش خِدْمتُهُ صَعْبة جدًّا، لذا أنت لا تمْلك شيئًا، لا حركتك ولا قوَّتَك ولا سمْعَكَ، وهل تمْلِكُ أولادك وأهلَكَ؟ أنت لا تمْلِكُ شيئًا، فالذي يسْتَكبر فهذا اسْتِكبار بِغير الحق، وكلّ إنسان يقول: أنا يدَّعِي ما ليس له، وكلّ ذَنْب له عِقاب يُناسِبُهُ، فالكِبر عذابُهُ الهون ونحن عندنا عذاب أليم، وعذاب عظيم، وعذاب مُهين، فالمستكبر عذابه الهون قال تعالى: {بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].

تجد كلمات يقولها الناس هي كبيرة جدًّا، وتقتضي لَيُقصَموا، قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}... [البروج: 12].

لذا على الإنسان أن يَعُدَّ للمليون قبل أن يقول كلمة أكبر مِن حجْمِهِ، فالله عز وجل يهْدِمُ أشياء كبيرة جدًّا، ولذا قال: عرفْتُ الله مِن نقْض العزائِم .

وهناك اسْتِكبار، وهناك فِسق، إلا أنَّني أُبلِّغُكم أنَّ معْصِيَةً سببُها الغلبَة شيء، ومعْصِيَة سببها العِناد والاسْتِكبار شيء آخر، فإبليس ما هو الذي أسْخَطَ عليه؟ قال: أنا خير منه! ولم أكن لأسْجُدَ لِبشَر خلقتَهُ مِن طين فَمَعْصِيَتُهُ معْصِيَةُ اسْتِكبار، أما سيِّدنا آدم قال تعالى عنه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}... [طه: 115].

ففرْقٌ بين معْصِيَة آدَم، ومعْصِيَة إبليس، فإبليس عصى اسْتِكبارًا، وآدَمَ عصى غلبَةً؛ نسِيَ، والذي يقَع في ذَنب بِدافِعِ الغلبة توْبتُهُ سَهلة جدًّا، فالعبد لمَّا يقول: يا رب: أنا أخطأتُ، يقول الله: وأنا يا عبْدي قبِلْتُ، ويا رب قد تُبْتُ إليك، والله يقول، وأنا قد تُبْتُ على عبْدي، أما الذُّنوب التي أساسها الاسْتِكبار فَتَوْبَتُها صَعبة جدًّا، وعليه فَكُلّ إنسان يقْلبُ الموازين، ويَجْعل الحياة الدُّنيا دار اسْتِمتاع، ودار لَهو، ونعيم، ودار سُرور، وحفلات، وأماكن جميلة، هذا الإنسان جَهِلَ حقيقة الحياة الدُّنيا، فالطالب الذي بِقاعة التَّدريس معه راديو يسمع الأخبار، ومجلاَّت، ومكسَّرات يأكلها، فهل يليق هذا بِطالب؟! هذا المكان مكان دِراسة، وليس مكان اسْتِمتاع، أما إذا ذهَب الإنسان إلى نزهة، وأخذ معه ما أخذ، فهذا له ذلك، فالنُّزْهة شيء، والدِّراسة شيءٌ آخر، فلمَّا يجعل الإنسان الدُّنيا دار نعيم، فقد أدْخَل سيّدنا عمر أحد الشّعراء السِّجن؛ لأنَّه قال بيتًا بِحَق أحد رؤساء القبائل اسمه الزَّبرَقان، وعدَّتْهُ العرَب أهْجى بيتٍ قالهُ شاعر، ماذا قال هذا الشاعر؛ حُطَيأة؟ قال : دع المكارم لا ترْحل لِبُغيَتِها واقْعُد فإنَّك أنت الطاعِمُ الكاسي

هذا البيت الذي قاله هذا الشاعر هو شِعار الناس اليوم، فما دام دخْله كبير وبيتُه واسِع، ومُتمتِّع، فهذا تجدهُ لا يعْبأ بِشيءٍ، وهذا هو الذي عكَسَ الحياة الدُّنيا، فهي دار عمل، وجعلها هو دار أمَل، وهي دار تكليف وهو جعلها دار تشريف، فهذا هو الخطأ، قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].

آخر مثل لِتَوضيح الحقيقة، أنَّه لو كان معك مليون ليرة، ممكن أن تسْتثمرها بِشَركة تعطي سبعين بالمائة، وثمانين بالمائة، فأنت يمكنك بالمليون أن تقوم بِرِحلة إلى اليابان، وأوربا، وينتهي المليون فإنفاق المليون هذا هو إنفاق اسْتِهلاكي، وفيه حُمْق، أما إنفاق المليون إنفاق اسْتِثماري، فهذا فيه ذكاء، وكلّ شيءٍ تمْلكُه في الدنيا، مِن صِحَّة وفراغ وأمْن، والزَّوجة والأولاد، وطلاقة اللِّسان، والذَّكاء، هذه كُلُّها مواد أوَّلِيَّة، وهي رأسُ مالِكَ؛ فإمَّا أن تسْتَهْلِكَها، وإمَّا أن تسْتَثْمِرها، فإذا الإنسان سرَّ، أدْخل على قلبهِ السُّرور فقد اسْتَهلكها، أما إذا فكَّر بالكون فأنت يمكن أن تقرأ قِصَّة، والقصَّة ممْتِعة، أما لو قرأت الحديث والقرآن والسيرة ارْتقيْتَ عند الله، فالقراءة إمَّا أن تكون اسْتِهلاكِيَّة، أو اسْتِثْمارِيَّة وكذلك الأمر في الأكل؛ إمَّا أن تأكل حُبًّا في الأكل، وإمَّا أن تأكل لِتَتَقوَّى على طاعة الله، وإما أن تتزوَّج مِن اجل المُتْعة فقط، وإما من أجل أن تنْجِبَ أولادًا يدعون إلى الله، فَكُلّ شيءٍ يمكن أن توصِلَهُ بالحق أو بالباطل، وأخْطَر شيء أن تُنْفِقَ ملَكاتِك، وقُدْراتِك إنفاقًا استِهلاكيًّا، فهذا هو الخاسِر، وأعْقل الناس الذي لا يُضَيِّعُ مِن عُمُرِهِ ثانِيَة واحِدَة يُنفِقها في طاعة الله.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللّه عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ الْأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الْأَنْصَارِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى)... رواه البخاري.

فالمؤمن حركاته وسَكَناته كلها أعمال صالحة له .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.