كل من يتابع مشهد الانتخابات الرئاسية.. قد يلاحظ أسوأ ما فى هذا المشهد المأساوى. الأسوأ والأكثر كآبة هو عودة الاختيار بين المر والأكثر مرارة. وعودة إشكالية حكم مبارك حينما كان الاختيار بين نظام سلطوى ديكتاتورى، أو نظام إسلامى استبدادى. ففى نهاية المطاف البعض لا يرى سوى المفاضلة بين إقامة نظام دينى استبدادى أو استمرار نظام بوليسى سلطوى.. ولا أخفى عليك أننى وقعت تحت تأثير هذا المشهد أو بالأحرى غرقت فى كآبة تحت تأثير هذا الاختيار. ولا أخفى عليك أن الغضب منك قد عاودنى فى البداية، فقد شعرت بغضب ممزوج بإحباط لأنك انسحبت مبكرا من سباق الرئاسة، تاركا الكثيرين منا فى مأزق البحث عن مرشح رئاسى لنا فى الانتخابات الرئاسية. وبالأمس عرفت أنك قد قررت تأسيس حزب الثورة مع رفاق آخرين، وأنك ستكون وكيل المؤسسين. وقد أدهشنى أننى لم أنظر لهذه الخطوة كقشة أمل يتعلق بها الغريق. ولكننى رأيت فيها الطريق الثالث أو البديل الثالث لحالة الثنائية المرعبة التى تحتل المشهد الانتخابى.. وانتبهت إلى أنك بالفعل قد أثرت فى دون أن أدرى، والأهم دون رغبة منك.. فعلى الرغم من رفضك لفكرة القائد الملهم، فقد قدمت لى فكرة ملهمة على غرار إلهامك لثورة 25 يناير. لست مضطرة للاختيار بين من يخوفنى من نار جهنم، ومن يرعبنى من جحيم الفوضى وعدم الأمان. كما أنك أيضا لست مضطرا للخوض فى هذا الوحل السياسى.. لأن هناك بالفعل بديلاً ثالثًا. لا يهم كثيرا أو قليلا لو جاءت الانتخابات بنظام دينى استبدادى، أو أسفرت عن استمرار نظام مبارك.. فلا شىء يهم.. لأن هناك تغيرا آخر أخطر وأهم.. فالشعب قد تغير.. ووصفتك التى قلتها فى أول لقاء بيننا قد غيرت المعادلة.. لو نزل 100 ألف فى شارع مجلس الوزراء سيسقط النظام.. لا يوجد نظام قادر على الاستمرار فى ظل شعب يعرف طريقه للثورة.. شعب يرفض أن يكون مجرد أرقام فى بطاقة الرقم القومى، ولكن الشعب صار رقمًا حاسمًا فى أى معادلة سياسية. لست خائفة من الوقوع تحت أى من الاختيارين أو الخيارين الاستبدادى.. لأن المهم كما قلت هو الاستمرار فى المقاومة. والأهم أن وصفتك لمقاومة نظام مبارك الاستبدادى لاتزال صالحة وطازجة. لذلك فقد كنت خيارى الأول فى الانتخابات الرئاسية.. وتحولت بخطوة تأسيس الحزب إلى الطريق الثالث.. أو بالأحرى البديل الثالث. بديل يمنعنى من الوقوع تحت طرفى الكماشة التى تحاول الفتك بكل من آمن بالثورة وشارك بها.. بديل يؤكد أن المستقبل يحمل سيناريوهات أخرى وطرقًا أخرى نسير فيها.. ولذلك فلم أشعر بالغضب منك مرة أخرى حتى لو اخترت فى أى لحظة الانسحاب.. لأننى أدركت أخيرا أننا لسنا فى حاجة إلى زعيم ملهم أو قائد قوى، ولكننا فى حاجة إلى تجميع قوانا والثقة فى القوة الكامنة فى كل مواطن. اكتشفت أن البحث عن زعيم ملهم هو إضاعة للوقت والجهد معا، فالأهم والأجدى هو البحث عن عناصر القوة فى داخلنا.. وتجميع هذه القوى تحت فكرة ملهمة وليست حول زعيم ملهم. فشكرا يا دكتور البرادعى.