(( أنا عمرى ما كتبت كلام أعبر فيه عن رأيي علشان أنا مش باعرف أعبر بالكتابة كويس، فاعذرونى على أخطائى الإملائية..لكن المرة دى وبعد اللى حصل فى التحرير أنا بجد جبت أخري مع تخلف وجهل وتردى أفكار أغلبية (وليس الجميع طبعا) رجالة البلد دى..أنا باحلم كأى بنت طبيعية عايشة فى بلدها إنى أصبح حُرة، حُرة بمعنى إنى أروح لصاحبتى اللى فى الشارع اللى ورانا مشي من غير ما أخاف أن حد يتحرش بيا، نفسى لما جدتى وجدى يوحشونى ومافيش حد يوصلنى، أركب تاكسي وأروح لهم من غير ما ماما تبقى خايفة عليا!..نفسي أشترى عجلة أركبها وأروح بيها كل مكان من غير ما أسمع ألفاظ خارجة ولا معاكسات...لو قعدت أقول نفسي في إيه؟ عُمر ما الكلام حيخلص، بس ومع ذلك الكلام ده مجرد حلم عُمره ما حيتحقق مع الأسف، لأن عقول الناس دى إذا كان عندهم عقول أصلا (ولو إنى أشك) عمرها ما حتنضف وعمرهم ما حيعرفوا إزاى يحترموا البنات لأنهم أصلا مالقوش حد يربيهم على إحترام المرأة..أنا بجد مستاءة )).. تلك الكلمات كتبتها إبنتى (فرح) على صفحتها بالفيسبوك..كلمات من فتاة مصرية فى عُمر الزهور، كتبتها وهى فى قمة إستيائها وإنفعالها من التحرش المُمنهج الذى حدث فى ميدان التحرير عشية تنصيب الرئيس..إنها مجرد فتاة مصرية تشعر بعدم الأمان فى مجتمع تحول رجاله إلى ذئاب وتحولت نسائه إلى فرائس..فتاة تحلُم بأن تتحرر من قيود مجتمع ذكورى قهر النساء طويلا..مجرد حُلم!. أستوقفتنى كلمات إبنتى..ودفعتنى لأن أكتب إليها وأقول.. يا إبنتى..هؤلاء ليسوا إلا أنصاف رجال أفرزتهم جمهورية الجهل والبطالة والفقر.. يا إبنتى.. لك أن تفخرى بأنك أنثى، لأنَّ الحضارةَ أُنثى..ولأن القَصيدةَ أُنثى..وبيروتَ تبقى (برغم الجراحات) أُنثى.. لقد خرج التحرش اليوم وسط صمت المجتمع المدنى عن كونه مجرد فعل فاضح فى الطريق العام إلى كونه تحرشا مُمنهجا يتم بالورقة والقلم.. التحرش المُمنهج، هو مجموعة شباب يشاهدون أفلام مبتذلة ثم ينطلقون إلى الشوارع ونيتهم البحث عن أنثى أيا كان عمرها أو شكلها أو توجهها الدينى!.. هنا فقط يتحول فعل التحرش إلى جريمة مع سبق الإصرار والترصد..وسط تبرير يطرحه المجتمع الذكورى بإستنكار: ( طيب ماهو الشباب معذور)!.. يا سادة..إنه بحق عُذر أقبح من ذنب!. ما أستوقفنى حقا هو قسوة المشاهد التى قام بتصويرها شخص لا أجد ما أصفه به سوى الحقارة المُطلقة، فى زمان افتقر فيه الرجال إلى صفة الشهامة والنخوة.. فى الستينيات والسبعينيات..في زمان كنا نصفه بأنه زمن الحُلم الجميل..كان الرجال فى الشوارع يتصدون للدفاع عن النساء من مُنطلق القوامة والرجولة..فكان الشاب الذى يعاكس إبنة الجيران شاب مُستهتر يتم جرجرته وحلق شعره زيرو ليصبح عبره لمن يعتبر.. وكان حين يقترب رجل من إمرأة عن طريق الخطأ فى وسيلة نقل عام، يلتف حوله الركاب ليوسعونه ضربا فلا يعاود فعلته.. كانت المرأة أنذاك تركب المواصلات العامة وهى ترتدى الملابس القصيرة العارية دون أن تجرحها العيون..لأنها كانت إمرأة يحترمها المجتمع..المجتمع الذى كان يُعانى أيضا من الفقر ولكن لم يكن يعانى أبدا من العشوائيات الأخلاقية وشيزوفرانيا المبادئ.. فالرجل الذى كان يسمح لإبنته بركوب الدراجة فى الشارع دون خوف لم يكن يسمح لنفسه بالتلصص على إبنة جاره أو صديقة!.. هكذا كان المجتمع، مُعافيا سليما لا يُعانى من أمراض الكبت الجنسي والعنف الأسرى.. أما اليوم فالشباب يخرجون هواتفهم المحمولة ويصورون الواقعة ليكون لهم السبق فى نشر الفيديو على اليوتيوب والإسترزاق من بيعه..إلى هذا الحد تدنت الأخلاق وانكسرت القيم!..إلى هذا الحد وهنت الضمائر وعفنت النفوس؟!.. نعم يا إبنتى..إلى هذا الحد!.. الرقابة كانت يوما هى رقابة النفوس والضمائر.. أما اليوم فقد أصبح الضمير غائبا وسط ركام من السفور وتلال من التحديات الصعبة.. فالمجتمعات التى تتخفى وراء قناع زائف من التدين الظاهرى تُعانى فى باطنها من رجال تحركهم شهواتهم.. كانت المرأة بالأمس مُجبرة على السكوت، تحمل الخزى بين ضلوعها..واليوم إنكسر حاجز الخوف.. ففى اللحظة التى الذى غض فيها المجتمع بصره، أصبح التحرش مُعتمدا بختم النسر.. سيدى الرئيس..إنه واجبك اليوم أن تتصدى للظلم والفساد..وليس هناك ماهو أقسى من الإمتهان النفسي الذى يُصاحب إنتهاك الأبدان.. فللجسد حُرمة..وللمرأة ألف حُرمة.. إبنتى الجسورة "فرح"..أشكرك على كلماتك التى دفعتنى لأكتب وموقفك الشجاع الذى دعانى لأنضم إليك..سيأتى اليوم الذى تنالين فيه يا صديقتى حُريتك فى الوجود والتعبير. يا نساء مصر..لا تصمتن..ولا تتوارين.. إنزلن واصرخن ضد التحرش..