مصادر أمنية تؤكد أن الجماعة وراء اغتصاب النساء فى التحرير صحيح أن التحرش الجنسى موجود فى مصر مثل الوباء الذى يتزايد مع الوقت ويتوحش.. منذ أعوام، ومما ساعد على ذلك وجود أنظمة إما أنها كانت ترعاه وتستخدمه وإما أنها كانت تتجاهله وتنكره، والتحرش الجنسى ظهر بشكل كبير وعلى نطاق واسع فى عهد الرئيس المخلوع «حسنى مبارك» الذى كان نظامه يرعاه فى بعض الأوقات ضد الناشطات السياسيات فى المظاهرات التى كانت تقام ضده.
نظام الإخوان رعى التحرش الجنسى أيضا بل استخدمه وكان أول مرة يحدث فيها تحرش جنسى فى ميدان التحرير بعد ثورة يناير كان يوم الاحتفال العالمى بالمرأة 8 مارس 2011، وكان الإخوان وقتها قد غادروا الميدان وتفرغوا لعقد صفقاتهم مع المجلس العسكرى حتى يحصلوا على البرلمان والرئاسة، وقال من حضر الواقعة وقتها إن الوجوه التى تتحرش بالنساء وجوه غريبة عن الميدان وعندها جرأة كبيرة وهى تنفذ التحرش، وإنه حدث بشكل جماعى ومنظم وليس بعشوائية كالمعتاد، والشهود وقتها أكدوا أن الإسلاميين وراء ذلك.
عندما جاء الرئيس المعزول «محمد مرسى» كان التحرش يحدث بشكل منظم فى ميدان التحرير فى كل المظاهرات المناهضة لحكمه، وكان ذلك يوم 25 يناير 2013 وحدث بنفس الطريقة المعتادة الدائرة التى تغلق على الفتيات من مجموعة كبيرة من الشباب الذين حملوا أسلحة بيضاء وتم استخدام هذه الأسلحة وطعن الفتيات بها أثناء التحرش الجنسى بهن، وتم تجريد ثلاث فتيات من ملابسهن فى هذا اليوم وإحداهن أصيبت بانفجار فى الرحم ولم تغادر العناية المركزة بأحد المستشفيات إلا بعد ثلاثة أشهر.
وما حدث من حالات اغتصاب شهدها ميدان التحرير مؤخرا لم يحدث بشكل عشوائى والجناة لم يمروا بالصدفة، فهو شديد الشبه بما حدث يوم 25 يناير 2013 فى عهد مرسى، ولدينا من الشواهد ما يؤكد أن الجماعة الإرهابية وراء ما حدث وليس من باب أنهم شماعة نعلق عليهم كل شىء.
فالمتحرشون الجدد مجموعات منظمة من البلطجية وشباب العشوائيات يتم الدفع بهم ولهم حتى يدخلوا الميدان، ويتحرشوا ويغتصبوا المشاركات فى الفعاليات، ويتم التحرش دائما فى منطقة واحدة بالميدان وهى عند إحدى محطات مترو الأنفاق التى توجد بالتحرير وهى المنطقة التى تستطيع كاميرات شبكة «رصد الإخوانية» تصوير ما يحدث منها.
أكد مسئول أمنى بوزارة الداخلية ماقيل على لسان بعض النشطاء السياسيين أن أول من نشر فيديو اغتصاب السيدة فى التحرير كان عضو حركة «حازمون» ثم شبكة «رصد»، وبعد ذلك انتشر فى كل مكان.. وهذه الواقعة التى توجد فى الفيديو قالت وزارة الداخلية عبر بيان لها إنها حدثت يوم 4 يونيو الجارى وكان يوم احتفال المصريين فى ميدان التحرير بنتيجة انتخابات الرئاسة وفوز «السيسى»، وكان اغتصابا وليس تحرشا، وكان لسيدة وابنتها ولكن السيدة هى التى نالت النصيب الأكبر، وهى التى تظهر عارية فى الفيديو الكارثة.. ثم تكرر الاغتصاب لفتيات أربع مساء يوم الأحد الماضى فى احتفال تنصيب «السيسى» رئيسا للجمهورية، فى نفس المكان بميدان التحرير «عند محطة المترو» ونشرت فورا شبكة رصد الفيديوهات الجديدة.
وهنا ننتقل لدور الشرطة التى قام رجالها بدور بطولى فى المرتين واقتحموا الميدان وسط الجماهير الغفيرة حتى وصلوا لمكان الاعتداء وواجهوا المغتصبين الذين كانوا يحملون أسلحة بيضاء «سيوف ومطاوى» واستطاعوا تخليص الفتيات منهم وقد أطلق الضباط 30 طلقة فى الهواء حتى يخلصوا الفتيات، وهو الذى أكده النقيب «مصطفى ثابت» معاون مباحث باب الشعرية والعميد «عبدالعزيز خضر» واللذان أكدا أنهما أطلقا «خزينتين» من سلاحهما الميرى حتى يبتعد الجناة عن الفتيات، ثم خلعا ملابسهما وستروا بها أجساد الفتيات التى كانت عارية تماما، وطالب الكثير من المصريين على شبكات التواصل الاجتماعى بضرورة تكريم الضباط والجنود الذين اشتركوا فى هذه البطولة وبالفعل أصدر الرئيس «عبدالفتاح السيسي» أوامره لوزير الداخلية الذى كرم الضباط والجنود وعددهم تقريبا ثمانية.
لكن ونحن نتكلم عن البطولة، لابد أن نشير إلى أن تقصيرا أمنيا حدث وكان سببا مباشرا ورئيسيا فى هذه المأساة.. فقد قال بعض الشهود والمصورين الصحفيين، ممن تواجدوا فى الميدان فى يوم التنصيب إن الأمن كان غير مهتم ومتراخيا ولا أحد يفتش المواطنين الذين يدخلون وحتى «البوابات الإلكترونية» كانت لا تعمل ولذلك دخلت جموع المغتصبين يحملون أسلحة بيضاء «سيوف وسكاكين ومطاوى» بمنتهى الحرية إلى قلب ميدان التحرير، عندما انتشر خبر أن الأمن لا يقوم بدوره ولا يوجد تفتيش وإن البوابات الإلكترونية لا تعمل، ومن ثم قاموا بوقائع الاغتصاب مستخدمين هذه الأسلحة التى هددوا بها الضحايا ثم كانوا يطعنونهن فى أجزاء متعددة من أجسادهن أثناء عملية الاغتصاب.
بدا الأمر كأنه انتقام من السيدات التى كان لهن دور كبير ومهم فى انتخابات الرئاسة، فلو كان هناك تواجد أمنى واهتمام حقيق كان من المستحيل دخول الجناة إلى الميدان حاملين هذه الأسلحة البيضاء.. ثم إن الواقعة الأولى حدثت قبل أربعة أيام من الواقعة الثانية وكان لابد للداخلية أن تفعل وتكثف إجراءات التأمين وتمنع تكرار الاغتصاب فى ميدان التحرير أثناء الاحتفال الأخير، والمدهش أيضا أنه من المفترض أن الأجهزة الأمنية لديها من المعلومات والوقائع التى حدثت وتحدث على مدى الثلاثة أعوام السابقة وخاصة فى العام الذى حكم فيه الإخوان مايؤكد أن من وراء هذه الحوادث فئة بعينها تمول وتنظم وتدفع بالبلطجية للقيام بالتحرش والاغتصاب فى المظاهرات والتجمعات ذات الطابع السياسى، وكان عليهم توقع ماحدث.. وعمل التدابير اللازمة لمنع حدوثه.
وكما حدث تكريم للضباط الذين قاموا بمهمة تخليص الفتيات وإنقاذهن لابد أيضا من المحاسبة والتحقيق مع القيادات المسئولة عن تأمين ميدان التحرير يومى حدوث وقائع الاغتصاب 4 يونيو ثم يوم التنصيب 8 يونيو الجارى.. وأن يعلن عن ذلك بشكل رسمى ودقيق.. حتى نؤسس لدولة العدل.
كما أنه يجب استغلال أننا أمام رئيس جمهورية لم ينكر ماحدث ويعترف ويهتم به أيضا، وهو أمر أول مرة يحدث منذ تواجد ظاهرة التحرش الجنسى فى مصر حتى تتغير مفاهيم وأداء ضباط الشرطة تجاه هذا النوع من البلاغات.
فقد جاء على لسان ضحايا تحرش جنسى من قبل أنه عندما يحدث لإحداهن واقعة تحرش وتذهب لأقرب قسم شرطة، لعمل محضر تثبت فيه ماحدث لها وتحاول أخذ حقها، أن الأمناء والضباط فى القسم يتعاملون معها بسخرية وإهانة شديدة ويحاولون إثناءها عن عمل المحضر بحجة أنها فضيحة لها ويجب أن تتكتم على ماحدث لا أن تنشره فى محضر رسمى بالشرطة، وأن هذه الطريقة تتسبب فى ألم نفسى للضحية يماثل الألم النفسى الذى حدث لها أثناء وقوع التحرش، وأن حالات نادرة جدا تلك التى يتعامل فيها من بالقسم مع الموضوع بجدية ودون سخرية أو إهانة للضحية، وهذا الأمر هو ماجعل هذه الظاهرة تستفحل، لأن النساء أصبحن لا يذهبن لعمل المحاضر، عقب التعرض للتحرش ليتجنبون الإهانة والسخرية فى أقسام الشرطة ومن ثم لا أحد ينال عقابه.. صحيح أننا أمام ضباط وأمناء قاموا بعمل بطولى ولكن على الجانب الآخر يوجد زملاء لهم فى الأقسام يتعاملون باستخاف شديد مع نفس الواقعة.
وكما جاء على لسان بعض المصادر الأمنية فى هذا الشأن، أن الضباط والأمناء فى الأقسام، لديهم بلاغات يرون أنها أهم بكثير من بلاغ التحرش الجنسى، مثل السرقة بالإكراه والقتل والمخدرات ولكن لابد أن تتغير هذه المفاهيم بعد أن تطور التحرش إلى اغتصاب جماعى، بأن التحرش الجنسى أيضا بلاغ مهم ويجب أن يتعاملوا معه بجدية وليس بسخرية.
لذلك فإن بعض الناشطات الحقوقيات يتقدمن باقتراحات فى مسألة بلاغات التحرش الجنسى.. وهى تدريب الضباط وأمناء الشرطة على كيفية التعامل مع بلاغات التحرش الجنسى، وأهمية توعيتهن بأنه بلاغ لايقل أهمية عن البلاغات الجنائية الأخرى، واقتراح آخر بأن يكتب نموذج لمحضر تحرش ويتم طبعه وتوزيعه على الأقسام يحمل كل الأسئلة المتعلقة بهذا البلاغ لحين تدريب الضباط والأمناء على التعامل مع بلاغات التحرش وحتى يجنب النساء حرج شرح تفاصيل ما حدث معهن لمن يكتب المحضر.
ويعد رد فعل الرئيس «السيسي» على ماحدث من اغتصاب فى التحرير أول بيان رسمى له، مما يعكس اعترافه وعدم إنكاره لوقائع التحرش الجنسى بشكل عام فى مصر، وماحدث من اغتصاب فى التحرير بشكل خاص.. فلم ينكر أو يتجاهل مثل سابقيه فقد وجه لوزير الداخلية اللواء «محمد إبراهيم» بضرورة إنفاذ القانون بكل حزم، واتخاذ ما يلزم من إجراءات للتصدى لظاهرة التحرش الدخيلة على المجتمع المصرى، كما قال السفير «إيهاب بدوي» المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، والذى قال أيضا أن الرئيس وجه بتكريم النقيب «مصطفى ثابت» الذى أنقذ إحدى الضحايا بميدان التحرير، وأشار السفير «بدوى» إلى أن الرئيس يهيب بالمواطنين القيام بدورهم المنوط بهم لإعادة إحياء الروح الحقيقية والأخلاقية فى الشارع المصرى، والقيام بدور الأسرة إلى جانب جهود الدولة فى إنفاذ القانون ولذلك فإن مصدر مسئول بوزارة الداخلية يقول أن الوزارة تدرس إنشاء وحدة للتحرش الجنسى بكل قسم شرطة مثل وحدة المباحث وغيرها من الوحدات التى تشملها أقسام الشرطة.