جامعة المنيا: صرف مكافآت تشجيعية لأعضاء هيئة التدريس والعاملين    13.5 ألف طالب يستفيدون من خدمات التكافل الطلابي.. و9.5 ألف طالب بالخدمات الطبية    جامعة المنيا: اعتماد استراتيجية الابتكار والأمن السيبراني    الفقي: نجاح البرلمان لن يتحقق إلا بوجود معارضة قوية ورجل الأعمال لا يصلح للسياسة    يوفنتوس يحقق أول فوز فى دورى أبطال أوروبا على حساب بودو جليمت.. فيديو    رئيس البرازيل السابق جايير بولسونارو يبدأ تنفيذ حكم بالسجن 27 عاما بتهمة التخطيط لانقلاب    الرئيس النيجيري يعلن إنقاذ جميع الطالبات المختطفات من مدرسة في ولاية كيبي    بعد تصنيف بعض فروع الإخوان كمنظمات إرهابية.. الفقي: ترامب يبعث برسالة غير مباشرة لحماس    بوروسيا دورتموند يفترس فياريال برباعية في دوري أبطال أوروبا    كريم الدبيس: أي حد أفضل من كولر بالنسبالى.. وجالى عرضين رسميين للاحتراف    الشناوى وعبد القادر وجرديشار.. أبرز 7 غيابات للأهلي أمام الجيش الملكى    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الخميس والسبت فى دور ال32 بكأس مصر    "لم ننسحب وعدم خوض المباراة حفاظا على جماهيرنا".. بيان من الاتحاد السكندري عن نهائي مرتبط السلة    فرز الأصوات فى لجنة مدرسة عمرو شكرى الإعدادية بنات بطور سيناء.. فيديو    مصرع شخص ووالدته وإصابة 2 آخرين إثر حادث تصادم سيارتين بحدائق أكتوبر    بالأرقام.. مؤشرات اللجنة الفرعية رقم 44 بدائرة المطرية محافظة القاهرة    رؤساء لجان الانتخابات يكشفون تفاصيل اليوم الثاني من المرحلة الثانية لانتخابات النواب    افتتاح الدورة الثانية من مهرجان الفيوم الدولى لأفلام البيئة بحضور نجوم الفن    لجنة السيدة زينب تعلن محاضر فرز اللجان الفرعية للمرشحين بانتخابات النواب    بالصور.. جنات تُشعل افتتاح مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي بأغنية "وحشتينا"    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    المستشار حازم بدوي: العملية الانتخابية جرت في مناخ حقيقي من الديمقراطية    الفنان محمد صبحي يكشف حالته الصحية: أصابني فيروس بالمخ فترة حضانته 14 يومًا    نجوم الفن على الريد كاربت بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    قرار الهيئة الوطنية للانتخايات بشأن من له حق الحضور وإجراءات الفرز واستلام الحصر العددي للمرشحين    سرايا القدس تعلن استشهاد اثنين من عناصرها في جنين ونابلس    مراسلة إكسترا نيوز ببورسعيد: غرف العمليات المركزية لم تسجل أى عقبات بانتخابات النواب    ضبط كميات من المخدرات قبل ترويجها في الأسواق بالإسكندرية    إطلاق مشروع الطريق الأخضر لعالم أكثر أمانًا بقنا بتعاون بين الإنجيلية والبيئة و"GIZ"    مراسل إكسترا نيوز: ما رأيناه باللجان عكس حرص المواطنين على الإدلاء بأصواتهم    الصحة: ضعف المناعة أمام الفيروسات الموسمية وراء زيادة حدة الأعراض    تطوير 5 عيادات صحية ومركز كُلى وتفعيل نظام "النداء الآلي" بعيادة الهرم في الجيزة    رماد بركان إثيوبيا يشل حركة الطيران في الهند ويتمدّد نحو الصين    محافظ الإسماعيلية يتفقد المقار الانتخابية بمدرستيِّ الشهيد جواد حسني الابتدائية وفاطمة الزهراء الإعدادية    فى حضور 2000 من الجمهور بلندن.. ليلة استثنائية لأعمال عبد الوهاب بصوت فاطمة سعيد    خصوصية الزوجين خط أحمر.. الأزهر يحذر: الابتزاز والتشهير محرم شرعا وقانونا    ما حكم عمل عَضَّامة فى التربة ونقل رفات الموتى إليها؟ أمين الفتوى يجيب    «النقل» تكشف حقيقة نزع ملكيات لتنفيذ مشروع امتداد الخط الأول لمترو الأنفاق    مدبولي يلتقي نائب رئيس "المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني".. صور    منتخب الكويت يهزم موريتانيا ويتأهل لمجموعة مصر في كأس العرب 2025    ضبط المتهمين بالتهجم على مسكن شخص وأسرته لخلافات الجيرة بالشرقية    متابعة حية | مانشستر سيتي يستضيف باير ليفركوزن في مباراة حاسمة بدوري أبطال أوروبا    أمن المنافذ يضبط 66 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    رئيس الوزراء والوزير الأول للجزائر يترأسان غدا اجتماع اللجنة العليا المشتركة    وزير التعليم الإيطالى: أشكر مصر على الاهتمام بتعليم الإيطالية بالثانوية والإعدادية    مكتب الإعلام الحكومي يوثق بالأرقام: مؤسسة غزة تورطت في استدراج المُجوّعين إلى مصائد موت    مواجهة نارية في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة وتشيلسي لايف    إقبال كثيف على لجان شبين القناطر في اليوم الثاني لانتخابات النواب    وزير التعليم: أتوجه بالشكر للرئيس السيسى تقديرا على اهتمامه البالغ بالتعليم    وزير الصحة: مصر وتركيا شريكان استراتيجيان في بناء أمن صحي إقليمي قائم على التصنيع والتكامل    الافتاء توضح حكم الامتناع عن المشاركة في الانتخابات    باسل رحمي: نعمل على مساعدة المشروعات المتوسطة والصغيرة الصناعية على زيادة الإنتاجية والتصدير    قمة آسيوية نارية.. الهلال يلتقي الشرطة العراقي والبث المباشر هنا    الزراعة تطلق حملة لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية    «الصحة»: تقديم 21.9 ألف خدمة في طب نفس المسنين خلال 2025    إزالة 327 حالة تعدٍ على نهر النيل في 3 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة قنا    دعاء وبركة | أدعية ما قبل النوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جهود النبي صلى الله عليه وسلم في مكافحة الرق والاتجار بالبشر
نشر في الفجر يوم 14 - 05 - 2014

لقد كانت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة لحرية الإنسان، والقضاء على عبودية البشر للبشر، فقرر الحرية الإنسانية وجعلها من دلائل تكريم الخالق للإنسان، وأولى اهتمامًا خاصًّا للعبيد، فضيق مصادر الاسترقاق ووسع منافذ التحرير، ورغب الناس في تحرير العبيد، وأخبر أن من أعتق عبدًا أعتق الله له بكل عضو عضوًا من أعضائه من عذاب النار يوم القيامة.

وقد بيّن المستشرق الألماني "آدم متز" أن العتق يُعَدّ مبدأ من مبادئ الإسلام، فيقول: "كان في الإسلام مبدأ في مصلحة الرقيق، وذلك أن الواحد منهم كان يستطيع أن يشتري حريته بدفع قدر من المال، وقد كان للعبد أو الجارية الحق في أن يشتغل مستقلاً بالعمل الذي يريده.. وكذلك كان من البر والعادات المحمودة أن يوصي الإنسان قبل مماته بعتق بعض العبيد الذين يملكهم" .. بل رفع من شأن العبيد حتى جعل سيدنا محمد r -كما يقول المفكر النصراني نظمي لوقا-: "العبدان والأحابيش سواسية وملوك قريش!" .

ومن هنا وقفت قيادات قريش الأرستقراطية في وجه الدعوة التي ترنو إلى تحرير العبيد وتنادي بالمساواة التامة بينهم وبين السادة، ولقد كانت قيادات مكة تساوم قائد الدعوة على طرد هؤلاء العبيد مقابل إقرار قيادات مكة بالإسلام، ومن ثَم نزل القرآن الكريم محذرًا رسول الله أن يترك العبيد أو أن يطردهم، وهم الذي بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الدعوة، ويدعون ربهم الواحد الأحد صباحًا ومساءً، يريدون ببذلهم وجه الله تعالى، لا يبتغون منصبًا أو جاهًا كما يبتغي غالبية السادة.

فقال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف: 28]، إن هؤلاء العبيد -في الشرع الإسلامي السمح- هم أعظم قيمة وأكثر بركة وأرق أفئدة وأطهر نفسًا، من هؤلاء السادة الذين يستعبدون الناس، ويتجبرون في الأرض بغير الحق.. هؤلاء العبيد نزل من أجلهم الأمر من السماء إلى رائد الدعوة بأن يضعهم في عينيه! بل نزل التحذير من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من أن يلتفت عن العبيد إلى زينة الكبراء، أو أن يتلهى عن العبد ويطيع السيد المارق.

أما العبيد فقد وجدوا الكرامة والحرية، في تعاليم الإسلام الإصلاحية، وفك رقابهم من طوق الفقر والذل، وخلصهم من عبادة الحجارة وسياط السادة. بل جعل منهم سادات المسلمين، حتى أُثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعليقًا على حادثة شراء أبو بكر لبلال بن رباح رضي الله عنهما ليعتقه من الرق فقال: "سيدنا وأعتق سيدنا!".

تعاليم نبوية في تحسين أوضاع العبيد

إن المتأمل في التوجيهات النبوية يجدها تشي بالجهد الجهيد الذي بذله نبي الإنسانية في سبيل تحسين أوضاع العبيد والإماء ويعرف بحق كيف كانت مكرمة العبيد في الإسلام. وهذه بعض التوجيهات النبوية التي نذكر بعضًا منها على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: وصيته صلى الله عليه وسلم بالعبيد والإماء:

كان آخر كلمات النبي وهو يجود بروحه الشريفة، وقد حضره الموت، الوصية بالعبيد والإماء.. فعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم" ! إنه يوصي بالعبيد، وهو في سكرات الموت! فهو الذي احتضنهم حيًّا، وأوصى بهم بعد مماته خيرًا، فكان خير معلم لهم وخير أب وخير محرر.

ثانيًا: تحذيره من إيذاء العبيد والإماء:

فكان يغضب أشد الغضب من ضرب العبيد أو إيذائهم فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، قال: كنت أضرب غلامًا لي؛ فسمعتُ مِنْ خَلْفِي صوتًا: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ.. لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ"! فالتفتُ فإذا هو النبي! فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله تعالى. قَالَ: "أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَعَتْكَ النَّارُ أَوْلَمَسَّتْكَ النَّارُ"

هكذا كان رسول الله يربي تلاميذه، ويفقه شعبه، على احترام آدمية الناس، وخاصة الضعفاء منهم والعبيد والخدم والأجراء.

ويمتد هذا النداء الأبوي إلى حكام المسلمين في كل زمان ومكان؛ فيلزمهم بحماية العبيد من التعذيب أو الاضطهاد، فضلاً عن السعي الجاد لتحريرهم.

ثالثًا: أمره صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى العبيد والإماء:

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألطف الناس بالعبيد، وأرفق الناس بالإماء، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس لطفًا! والله ما كان يمتنع في غداة باردة من عبد ولا من أمة ولا صبي أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه!! وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه، وما تناول أحد بيده إلا ناوله إياها فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه" .

وعن المعرور بن سويد قال: لقيت أبا ذر بالربدة، وعليه حلة وعلى غلامه حلة [يعني من نفس الثوب] فسألته عن ذلك. فقال: إني ساببت رجلاً، فعيرته بأمه [قال لعبد: يا ابن السوداء] فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : "يا أبا ذر! أعيرته بأمه!؟ إنك امرؤ فيك جاهلية! إخوانكم خولكم [العبيد والإماء هم إخوانكم في الدين والإنسانية]، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده: فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" .

فحرم السخرية من العبيد أو الاستهزاء بألوانهم أو أنسابهم، كما حرم إجهاد العبد في الخدمة، وأوجب مساعدته إذا كُلّف ما يغلبه.. وحذر الفقهاء من استعمال العبيد على الدوام ليل نهار، فقالوا: إذا استعمل السيدُ العبدَ نهارًا أراحه ليلاً، وكذا بالعكس، وقالوا: يريحه بالصّيف في وقت القيلولة، ويمنحه قسطه من النّوم، وفرصة للصّلاة المفروضة. وإذا سافر به يجب عليه أن يحمله معه على الدابة أو يتعاقبان على البعير ونحوه.

بل قالوا: "إن كان العبد ذمّيًّا فقد ذكر بعض الفقهاء أنه لا يمنع من إتيان الكنيسة، أو شرب الخمر، أو أكل لحم الخنزير؛ لأن ذلك دينه، نقله البنانيّ عن قول مالكٍ في المدوّنة"

وتأمل معي قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن عيّر العبد: "إنك امرؤ فيك جاهلية".. دلالة على أن صفة من يهينون العبيد ويؤذونهم بالقول أو الفعل، فوصفهم بالجهل، وربطهم بعصور الجاهلية، وعهود التخلف.

رابعًا: تحريك الجهود الشعبية لمكافحة الاسترقاق:

شغل الرقُ سلمانَ الفارسي رضي الله عنه حينًا من الزمن.. فقد كان مولى عند أحد الوجهاء، حتى فات سلمان عددًا من المشاهد مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، منها بدر وأحد.

فذهب إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . فأشار عليه النبي أن يكاتب سيده، فكاتبه على ثلاثمائة نخلة يغرسها له وأربعين أوقية من ذهب.

وشارك المسلمون في أداء هذا الدين عن سلمان، فأحضروا له النخل وحفروا معه أماكنها، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعه بيده الشريفة وعُتق سلمان.

وكانت أول مشاهدُه غزوة الأحزاب، وكان هو صاحب فكرة إنشاء خندق عظيم حول المدينة لتحصينها من الغزاة.. ولما نجحت الفكرة، زاد تقدير الناس لسلمان؛ نظرًا لرجاحة عقله، وجهده في خدمة دولة الإسلام بفكرة الخندق، فقال الأنصار: سلمان منا! وقال المهاجرون: سلمان منا!.

فقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : "سلمان منا أهل البيت!!"

وهكذا ارتفع شأن العبيد في دولة الإسلام بجهدهم وخدمتهم للمجتمع، ولم تكن عبوديتهم أيما يوم من الأيام تشينهم بين إخوانهم المسلمين.

وفي ذلك أيضًا النموذج العملي الذي حشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم جهود شعبه من أجل تحرير عبد. وهو بذلك يلزم المجتمع بضرورة تضافر الجهود الشعبية لفك الإنسان من الرق.

خامسًا: سن قاعدة "كفارة ضرب العبد عتقه":

شرع الإسلام منفذًا لتحرير العبيد عن طريق سن قاعدة "كفارة ضرب العبد عتقه" والذي لم يكن موجودًا أيام الجاهلية، فمنح حق الحرية للعبد إذا ضربه سيده.

فعن أبي صالح ذَكْوَانَ عن زَاذَانَ قال: أتيتُ ابن عمر، وقد أعتق مملوكًا له، فأخذ من الأرض عودًا أو شيئًا، فقال: مالي فيه من الأجر مَا يَسْوَى هذا.. سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أو ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ"

سادسًا: كفالة الدولة الإسلامية للعبد المعاق أو المريض:

فلقد كان لِزِنْبَاعٍ أبو روح رضي الله عنه -أحد الصحابة- عَبْدٌ يُسَمَّى سَنْدَرَ بْنَ سَنْدَرٍ، فوجده يقبل جارية له، فقطع ذَكَرَهُ وَجَدَعَ أَنْفَهُ، فأَتَى الْعَبْدُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزنباع: "مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْت؟" قَالَ: فَعَلَ كَذَا وَكَذَا. فذكر له ما فعل بالجارية!.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعبد: "اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ" فقال العبد: يا رسول الله فمولى من أنا؟ فقال: "مولى الله ورسوله".. فأوصى به المسلمين؛ فلما قُبض جاء العبد إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم، تجري عليك النفقة وعلى عيالك، فأجراها عليه حتى قبض.. فلما استخلف عمر رضي الله عنه جاءه فقال: وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، أين تريد؟ قال: مصر، قال: فكتب عمر إلى صاحب مصر أن يعطيه أرضًا يأكل منها!! .

فالدولة -في الشرع الإسلامي- تكفل أصحاب الإعاقات من العبيد، -كما رأيت- كالمواطنين الأحرار، وقرر لهم الراتب المالي الدوري الذي يغنيهم عن التسول أو سؤال الناس.

فرية سن الاسترقاق!

ورغم جهود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في تحرير العبيد فإن بعض الحاقدين زعموا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم سن الاسترقاق! ونحن نترك العلامة "لايتنر" يرد على هذه الفرية، فيقول: ".. إنا نرى الأغبياء من النصارى يؤاخذون دين الإسلام كأنه هو الذي قد سنّ الاسترقاق، مع أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد حضّ على عتق الرقاب، وهذه أسمى واسطة لإبطاله حقيقة" ..

كذلك يتحدث الكاتب الفرنسي "فانسان مونتييه"، مستنكرًا هذه الافتراءات، فيقول: "إنهم يتهمون الإسلام بظاهرة الرَقّ التي وُجِدَتْ قبل الإسلام وليس بعده، بل حين انتشر الإسلام وطُبقت تعاليمه كان يسعى لإلغاء الرّق، بل إن كثيرًا من الكفَّارات للذنوب التي يقدم عليها المرء هو تحرير الرقاب الذي عَدَّه الإسلام تقربًا وطاعة لله".

ويتحدث المفكر الإنجليزي "كويليام" عن هذه الروايات التي اختلقها الحاقدون، وزعموا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ، سن الاسترقاق والخناسة.. فيقول:

"إن روايات كهذه مجردة بالمرة عن الحقيقة، لا يمكن تصديقها وتصور وقوعها"

ويدلل على حقيقة أن محمدًا صلى الله عليه وسلم له الفضل في القضاء على النخاسة في الجزيرة العربية، فيضرب مثالاً بمناطق شرق ووسط إفريقيا التي تفشت فيها مظاهر النخاسة والاسترقاق، ويبين أن السبب في تفشي هذه المظاهر في هذه المناطق هو "لأن الإسلام لم يدخل فيها!! وبرهان ذلك أن الإسلام من خصائصه إبطال النخاسة إبطالاً دائمًا!!".. رغم أن تجار النخاسة والرق -كما يقول إدوار بروي- كانوا "من الأوروبيين"

ومن ثَم.. "توقفت حركة التطور في البلدان [الإفريقية] على أثر العبث الذريع الذي أحدثه في تلك الأرجاء تجار النخاسة والرق من الأوروبيين"!.

وإذا قيل: إن الإسلام لم يلغِ الرق والاتجار بالبشر إلغاءً كاملاً رغم عظم مجهودات نبي الإنسانية صلى الله عليه وسلم في مكافحة الاسترقاق.. فجواب ذلك أن الدولة الإسلامية وحدها لا تستطيع أن تقضي تمامًا على عادة الاسترقاق والاتجار بالبشر، وذلك لعدة أساب وجيهة ومنطقية..

السبب الأول: أن مظاهر الاسترقاق والاتجار بالبشر كانت متأصلة ومنتشرة في المجتمعات الإنسانية، العربية وغير العربية، منذ قديم الزمن، فكان على الشرع الإسلامي -كعادته- أن يستخدم التدرج في القضاء على المنكرات والأعراف الفاسدة، فضيّق منافذ الاسترقاق ووسع أبواب العتق.

السبب الثاني: أن هذه العادات كانت قبل ظهور الإسلام بمثابة الأعراف الدولية، فقد كانت جميع الدول والإمبراطوريات -دون استثناء- تمارس الاسترقاق والاتجار بالبشر، ومن ثَم فإن القضاء على الرق يحتاج إلى اتفاق دولي عام، يلزم الجميع بمنع الاسترقاق أو الاتجار بالبشر.. ومعلوم أن الدولة الإسلامية أيام حضرة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن من القوة والانتشار بالقدر الذي يسمح لها بمنع هذه العادات.

السبب الثالث: أن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام، وإذا أصدرت الدولة قرارًا بمنع الرق؛ فسوف يقع حرج شديد على هؤلاء الناس الذين أصبحت تجاراتهم وأعمالهم تقوم على كاهل هؤلاء العبيد.. فكان على النظام الإسلامي أن يأخذ بمبدأ التدرج في منع الاسترقاق والاتجار بالبشر.

السبب الرابع: أن الدولة الإسلامية لم تكن تمتلك من الإمكانيات الاقتصادية والمالية بحيث تتمكن من كفالة هؤلاء العبيد بعد تحريرهم، أو حتى توفير فرص عمل لهم جميعًا، فمن المعروف أن العبيد كانوا في كفالة أسيادهم، يطعمون من مال السادة، ويحترفون لهم في مهنهم.

تحريم الاتجار بالبشر

ومن دلائل مكافحة الاسترقاق في الشرع الإسلامي، تحريمه لكافة صور ومظاهر الاتجار بالبشر، وخاصة النساء والأطفال الأحرار.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ".

فجعل الاتجار بالبشر من أبواب الخيانة والغدر والظلم، والله عز وجل خصم لجميع الغادرين إلا أنه أراد التشديد على هذه الأصناف الثلاثة، فقد ارتكبوا جرمًا شنيعًا يتعلق بحقوق الإنسان، فأحدهم غدر بأخيه الإنسان، فعاهده عهدًا وحلف عليه بالله ثم نقضه، والثاني باع أخاه الإنسان الحر، والثالث أكل مال أخيه الإنسان الأجير، وهو داخل في إثم المتاجرة بالبشر كالثاني؛ لأنه استخدمه بغير حق، وخالف الأمر النبوي: "أَعْطِ الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ".

وجريمة الاتجار بالبشر -التي حرمها الشرع الإسلامي الفضيل- تتسربل بصور عديدة مارستها المجتمعات الجاهلية في القديم والحديث.. فمارستها قبائل العرب ودول الفرس والرومان قبل بعثة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقطعون الطرق على الأحرار، فيسرقون أموالهم ويبيعونهم في أسواق النخاسة على أنهم عبيد.

وفي العصر الحديث مارس الأمريكان هذا السلوك الجاهلي مع الزنوج، فخصصوا الهيئات التي تبيع وتشتري فيهم، وهم أحرار، ومارسوا أبشع صور التمييز العنصري في حقهم. إضافة إلى ظهور جماعات المتاجرة بالأطفال والنساء؛ لغرض الاستغلال الجنسي التجاري، ناهيك عن استغلال هذه الجماعات للكوارث الطبيعية والحروب لممارسة نشاطها، وخير شاهد ما حدث في كارثة تسونامي وما أعلنته الصحف عن أرقام مفزعة للنساء والأطفال الذين تم الاتجار بهم في ظل هذه الكارثية الإنسانية، الأمر نفسه حدث مع ضحايا الشعب المسلم في البوسنة والهرسك بعد ما أعمل فيه الجيش الصربي الذبح، فتم بيع آلاف الفتيات والأطفال على مرأى ومسمع من العالم (المتحضر).

وتحولت البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية إلى مراكز كبرى للاتجار بالبشر من جانب العصابات المنظمة التي تحصد سنويًّا ما بين 8 و10 مليارات دولار من الاتجار بالأطفال والنساء، وذلك وفقًا لإحصائيات وزارة العدل الأمريكية... بيد أن الشرع الإسلامي الكريم حرّم بيع الأحرار، وناهض تجارة البشر بالبشر، وحرم إكراه الفتيات على ممارسة البغاء فقال الشارع الحكيم: "وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النور: 33].

إلى جانب أن جريمة الاتجار بالبشر تنتهك حق الإنسان في الحرية، وتنتهك حقوق الأطفال والنساء في العيش في بيئة آمنة صالحة، فهي تنزعهم من أسرهم ومن بين آبائهم وأمهاتهم إلى جحيم الاستغلال الجنسي والسخرة والتعذيب النفسي والجسدي.. وكلها مظاهر حرمها الإسلام وحاربها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.

هكذا كان المنهج النبوي في التعامل مع مظاهر الاسترقاق والاتجار بالبشر؛ ليسجل أمام الله تعالى ثم التاريخ أن النظام الإسلامي هو أول نظام في تاريخ البشرية ناهض الاسترقاق وحارب المتاجرة بالبشر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.