أوضح الباحث المصري سمير غطاس، أن تواري العمليات الإرهابية الكبيرة التي كانت ترتكبها جماعة بيت المقدس، بسبب تلقيها ضربات أمنية موجعة، أثرت فيها تأثيرا بالغا، لافتا إلى أن بيت المقدس كذبت كثيرا بعد عملية السياح في طابا. “أجناد مصر” مجموعة جهادية ظهرت مؤخّرا في مصر بعد أن نفّذت مجموعة من العمليات التفجيرية؛ وتوعّدت قوات الأمن بمزيد من الهجمات. ظهور هذا التنظيم طرح عديد التساؤلات حول مدى قوته وطبيعة ارتباطه بالتنظيمات الموجودة في مصر وعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين.
“العرب”، بحثت عن إجابات لهذه التساؤلات عند سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، الذي بدأ حديثه بتوضيح أن “أجناد مصر” اسم تتستر خلفه جماعة الإخوان المسلمين، التي اتحدّت مع تنظيم “أنصار بيت المقدس”، وهذا الأخير هو التنظيم الرئيسي ل“أجناد مصر”.
أصبح اسم “أجناد مصر”، متداولا بالخصوص إثر تبنّي التنظيم في بيان له عن قيامه بعدد من العمليات التفجيرية التي استهدفت محطة مترو البحوث والطالبية في الهرم وقنبلة وضعت أمام سينما “رادوبيس” في الهرم أيضا قتلت مواطنا.
توقّف غطّاس عند هذه العمليات موضّحا أن “أجناد مصر” تتولى القيام بعمليات محدودة، فيما تتولى الجماعة الأم، “أنصار بيت المقدس”، أمر العمليات الكبرى. أما عن علاقة الطرفين بجماعة الإخوان المسلمين فإنها تعود إلى مرحلة ميدان التحرير وثورة 25 يناير 2011؛ ويحدّدها غطّاس أكثر، بالربط بين “الفرقة 95” وأعضاء من “أنصار بيت المقدس”.
و”الفرقة 95” هي عبارة عن مجموعات من عناصر الردع في جماعة الإخوان المسلمين، ومدرّبة تدريبا رياضيا وتتكون من نحو 120 فردا، وكان دورها في أيام ثورة 25 يناير حماية ميدان التحرير من بلطجية النظام، وبرز دورها خلال “موقعة الجمل” الشهيرة.
وبعد دخول مصر مرحلة جديدة بسقوط نظام الإخوان، وفي أطار المخطّطات الإخوانية ل”الانتقام” من مصر، ولدت “أجناد مصر”، من العلاقة بين شباب الإخوان و”أنصار بيت المقدس”.
“أنصار بيت المقدس” هي جماعة متطرّفة تشكّلت في شبه جزيرة سيناء، قبل 30 يونيو 2013، وأعلنت مسؤوليتها عن تفجير خط الغاز الواصل بين مصر وإسرائيل في أكثر من مرة. وعقب عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي تحولت هجماتها إلى العمق المصري.
من أشهر عملياتها محاولة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم في سبتمبر 2013، والهجوم على مبنى المخابرات العسكرية بالإسماعلية في أكتوبر من نفس العام، وتبنت الجماعة تفجير مديريتي أمن الدقهلية والقاهرة واغتيال المقدم محمد مبروك ضابط الأمن المشارك في محاكمة الرئيس محمد مرسي والذي قتل بالرصاص خارج منزله بمدينة نصر في نوفمبر الماضي، كما أعلنت مسؤوليتها عن إسقاط مروحية للجيش في يناير الماضي.
وردّا على هذه العمليات وجّهت قوات الأمن المصرية ضربات حاسمة للجماعة، أثرت فيها تأثيرا بالغا. وأكد سمير غطاس أن قادة بيت المقدس تلقوا ضربات قاسمة، خاصة توفيق زيادة، المسؤول العسكري الأول فيها الذي تم قتله في 3 مارس الماضي، وضربات أخرى في عرب شركس وغيرها، ولذلك قواها وهنت وتعتمد الآن على المجموعات الصغيرة مثل “أجناد مصر” و”الذئاب المنفردة” وغيرها”، وكلها أسماء مشفرة لمجموعات صغيرة من الإخوان.
ونوّه سمير غطاس إلى أن هذا لا يعني أن “أنصار بيت المقدس” لن تقوم بعمليات كبيرة في المستقبل، لكن قدرتها على العمل ضعُفت إلى حد كبير والآن تلجأ إلى عمليات صغيرة، عبر عبوات محلية الصنع واغتيالات في محاولة لإرباك المشهد السياسي المصري، وأكد غطّاس أن الارهاب يجري حصاره بشكل عام، وهذا لا يعني أن العمليات سوف تتوقف نهائيا، لكن العمليات الكبيرة في تقديره أصبحت صعبة.
وأوضح أن الإرهاب لن يتم حسمه في جولة واحدة، والمواجهة مع الإرهابيين طويلة وواسعة، خاصة في هذا النوع من العمليات الذي تواجهه مصر، بعد أن دخلت القاعدة على الخط، لافتا إلى أن هناك تنسيقا عملياتيا بين القاعدة والإخوان والجماعات الإرهابية التي عفا عنها مرسي وعادت للعمل مرة أخرى، مع دعم إقليمي من ليبيا وغزة ومالي، ومن قطر وتركيا، ورعاية من أميركا، وأجهزة مخابرات دولية أخرى، وفي هذه الحالة يصعب الحديث عن ضربة واحدة تنهي الإرهاب. لكن إلى جانب الإجراءات الأمنية الناجحة التي تقوم بها القوات المسلحة في سيناء، يرى الباحث المصري أنه يجب سنّ قانون لمكافحة الإرهاب، وتطبيقه، في الجامعات على طلبة الإخوان وإغلاق المدن الجامعية التي يتحصنون بها.
ديفيد كاميرون لجأ إلى التحقيق مع الإخوان لامتصاص غضب دول الخليج تماما كما فعلت أميركا وأدرجت تنظيم بيت المقدس في التنظيمات الإرهابية حتى لا يتحدث أحد عن الإخوان
أكد غطاس أن مصر تعاني من 3 حدود تشكل لأول مرة مجتمعة خطرا على البلاد، الحدود الشرقية من حماس، والحدود الغربية تسيطر عليها تنظيمات القاعدة والجماعات الجهادية، والحدود الجنوبية مع السودان ولها شقان، الأول للنظام السوداني الإخواني، والآخر للإيرانيين الموجودين هناك، وتحديدا “فيلق القدس” الموجود بصفة دائمة على أراضي السودان، وعمليات تهريب الأسلحة دائمة عبر الحدود الثلاثة.
وبالحديث عن الوضع المضطرب في سيناء والحدود الشرقية لمصر، حمّل الباحث المصري سمير غطّاس حركة حماس مسؤولية كبرى فيما يجري هناك، قائلا إن “حماس الإخوان وتلعب نفس التكتيك، حيث تبدو وكأنها لا علاقة لها بالموضوع، لكن عمليا لها عملاء يقومون بالمهام نيابة عنها”، مؤكدا على أن حماس تسيطر على الأنفاق التي تهرب الأسلحة لمصر، ولا يستطيع أحد أن يدخل غزة أو يخرج منها دون علم الحركة. وأوضح، في هذا السياق، أن رائد العطار، المسؤول العسكري لحماس في رفح، يشرف على الأنفاق العسكرية وغيرها، وحتى الآن يتم حفر أنفاق جديدة كل يوم، بأمر من حماس.
وطالب غطاس حماس بتسليم ممتاز دغمش وأيمن نوفل ومحمد عبدالهادي الهاربين من السجون المصرية، وأن توقف المظاهرات العسكرية الداعمة للرئيس المعزول محمد مرسي وتوقف علاقتها بتنظيم “داعش”، إن أرادات إثبات حسن نواياها. واستنكر تستر قادتها خلف شعارات المقاومة وقال “عن أية مقاومة نتحدث وخالد مشعل مقيم في قطر”.
منذ اندلاع الثورتين في مصر وليبيا وسقوط النظام في كلا البلدين، استشرت الفوضى على الحدود بينهما وتحوّل الأمر في كثير من الأحيان إلى عنف وتهديد؛ وقد لقي كثير من المصريين، خصوصا الأقباط، مصرعهم في عمليات إرهابية في ليبيا.
وعلّق غطاس على ذلك مشيرا إلى أن ليبيا تحوّلت إلى مقر راع للإرهاب، برعاية واشنطن التي تعرف كل قادة القاعدة هناك وترصدهم. ومن مصلحة الولاياتالمتحدة الأميركية أن تبقى ليبيا شوكة في خاصرة مصر، والأجهزة الأمنية المصرية تعي ذلك؛ وقد تمكنت من القبض على الإرهابي صلاح شحاتة، أخطر الإرهابيين، الذين تسللوا من ليبيا إلى مصر في محاولة لإعادة بنية الجماعات الإرهابية.
حول المعلومات التي تواترت عن تجهيز “الجيش المصري الحر” على الحدود الليبية برعاية قطرية إيرانية لتهديد أمن مصر، قال غطاس، كنت أول من حذّر من “الجيش المصري الحر” وقلت وقتها، إنه فقاعة والأرقام التي تذكر بشأنهم فيها مبالغة، وهم 400 فرد فقط ومرصودون بالأماكن، ولكن لابد من الانتباه لهم، ومنع محاولات تسللهم إلى مصر، لكن بالقياس مع سوريا، فهذا الرقم لا يستحق الاهتمام، لأن الوضع مختلف تماما. الجيش المصري متماسك لم يخرج منه جندي واحد، وهؤلاء عبارة عن مرتزقة من عناصر الإخوان الذين يتسللون إلى ليبيا أو ممن يتم تجنيدهم من الباحثين عن عمل، وهؤلاء لا يشكلون أي خطر على مصر، إلا في حالة دخولهم البلاد، والأجهزة الأمنية المصرية تحاول ضبط الحدود، وهناك إجراءات أعلم أنها ستتخذ في صمت ضد هذه المجموعات.
أوضح سمير غطاس أن قطر حاولت الالتفاف على القرار الخليجي بسحب سفرائها، وأعتقد أن الأمور لن تعود كما كانت في السابق، لأن الدوحة لن تغير سياستها، لأنها لا تلعب الدور لنفسها، فهي أداة في مخطط ومحور استخباراتي أميركي، ونحن نتحدث عن بلد فيه أكبر قاعدتين أميركتين، وعلاقة قوية مع إسرائيل، ولو رفعت أميركا يدها عنها لسقطت وحدها دون تدخل من أحد، وتوقع بألا تطرد الدوحة قادة الإخوان، لكن هي خطوة لتهدئة الأمور، والدليل أن الجزيرة حتى الآن لم تغير خطها السياسي.
وتطرق غطاس إلى العلاقات القطرية الإيرانية وقال، إن مدير الأمن الإيراني كان في زيارة إلى الدوحة الأيام الماضية، والإيرانيون يستخدمون قطر لتمويل أنشطة تصب في مصلحة الإسلاميين في السودان، وهناك تنسيق قطري- إيراني حول تمويل ودعم الحوثيين في اليمن، والاتفاق بين الدولتين واضح، دعم الأقليات الشيعية في دول الخليج وتنشيطها، في مقابل أن يجمّد الإيرانيون نشاطهم في قطر.
واستبعد غطاس أن تتخذ بريطانيا إجراءات ضد الإخوان المسلمين، وقال لندن دعت فقط إلى بدء تحقيق، نتيجة للموقف السعودي والإماراتي من الجماعة، حرصا على مصالحها التجارية، لأن حجم التبادل التجاري بين بريطانيا والسعودية والإمارات وصل إلى 19 مليار إسترليني سنويا، ومن ثم لجأ ديفيد كاميرون إلى هذا الإجراء لامتصاص غضب دول الخليج، تماما كما فعلت أميركا وأدرجت تنظيم بيت المقدس في التنظيمات الإرهابية، حتى لا يتحدث أحد عن الإخوان.
وقال غطاس، بريطانيا هي من صنعت الإخوان المسلمين وهي راعيتهم الأساسية وهذه التحقيقات ستطول وتطول، وهناك جالية إسلامية كبيرة في لندن تساند الإخوان، لأن الجماعة لا تستند فقط إلى علاقتها مع النظام، لكن أيضا إلى ارتباطها الوثيق بالجالية الإسلامية الضخمة للغاية هناك، وهي بنية متشعبة في نسيج المملكة المتحدة، لافتا إلى أن السياسية البريطانية دائما ما كانت تحتوي وتدير عمل الإخوان المسلمين، وقد تلجأ لندن إلى التنسيق والتعاون في صمت وإلى إعادة توزيع مكاتب الإخوان وموضعة قياداتهم في بلدان أخرى من أوروبا.
وختم غطاس أن المخابرات التركية لاعب أساسي مع الإخوان بتوجيه من واشنطن وتستضيف اجتماعاتهم في إسطنبول، ومخابراتهم تنسق مع التنظيم الدولي الموزع على 42 دولة، مشيرا إلى أن التغلغل الإخواني في واشنطن أكبر مما نتخيل، ولا يوجد عضو في الكونغرس إلا وله مساعدون من الإخوان والأيام ستكشف بنية الإخوان في أميركا، لكن رغم كل ذلك فلا مستقبل لتنظيم الإخوان في مصر أو المنطقة العربية، لأنه ولأول مرة في تاريخ الصراع مع الجماعة تكون معركتهم الأساسية مع الشعب، وليس كما كانت خلال فترات سابقة مع الدولة والحكومة.