اعلن الرئيس التونسي المنصف المرزوقي الجمعة خفض راتبه الى الثلث فيما تشهد المالية العامة مرحلة "خطيرة" وفق الحكومة، فيما ابدى خصومه السياسيين تخوّفهم من إستعمال الرئيس المؤقت لمنصبه والوسائل المتاحة له من خلال القصر الرّئاسي، في الدّعاية الإنتخابيّة، ممّا سيمكّنه من حظوظ أوفر بالمقارنة مع بقيّة المرشّحين. وجاء في بيان للرئاسة ان "بعد ان ذكر ان تونس تواجه ازمة مالية واقتصادية اشار المرزوقي الى ان رئاسة الجمهورية انطلقت بالتنسيق مع رئاسة الحكومة في سلسلة من التحركات الدبلوماسية لايجاد ما يفرضه الواقع من حلول ولو كانت وقتية".
واضاف البيان ان المرزوقي "اعلن عن التخفيض في المرتب القانوني لرئيس الجمهورية الى الثلث"، مؤكدا انه "اعطى تعليمات بمزيد من التقليص في نفقات رئاسة الجمهورية قدر الامكان".
وقد اعلن الناطق باسم الرئاسة عدنان منصر سابقا ان الرئيس يتقاضى راتبا شهريا قيمته الاجمالية ثلاثين الف دينار (اكثر من 13500 يورو) اي عشرين الف دينار صاف (اكثر من تسعة الاف يورو).
وقد انتقدت بعض وسائل الاعلام نفقات الرئاسة واعتبرت انه لا يمكن مقارنتها بنفقات المواطن من العامة في حين كانت البطالة والفقر من الاسباب الاساسية لقيام الثورة في 2011.
وقال عدد من قياديي حزب المؤتمر من أجل الجمهورية إن مرشح حزبهم للانتخابات الرئاسية المقبلة سيكون الرئيس المؤقت الحالي المنصف المرزوقي الذي يتهمه معارضوه بأنه يستغل منصبه لقيادة حملة انتخابية سابقة لأوانها، كما تم طرح فكرة استقالته من منصبه قبل الانتخابات حتى لا يستغل مقدرات الدولة من موقعه في الرئاسة للتأثير في نوايا التصويت وتوجهات الناخبين.
ولئن كان انطلاق سباق الاستحقاق الانتخابي مبكّرا، فانّ للمرزوقي عدة مبرّرات لاستعجاله الدخول في السباق، أولها تغيّر المعادلة السياسية برمتها بقدوم الحكومة المؤقتة برئاسة المهدي جمعة والمصادقة على الدستور.
ويتصور المرزوقي انّ المعطيات الجديدة على الأرض تفرض عليه قراءة جديدة وإعادة رسم خطط سياسية للابقاء على حظوظه لتجديد بقائه في قصر قرطاج لولاية ثانية.
ويحاول المنصف المرزوقي استمالة التونسيين من خلال استغلاله للاحداث لصالحه من ذلك العفو الرئاسي على مساجين الحق العام واستقبال عدد من جرحى الثورة اثر الجدل الذي اثير حول الحكم في ملف شهداء الثورة.
ويرى مراقبون ان الرئيس المؤقت متمسك بكرسي الرئاسة وقصر قرطاج حتى انه رفض الاستقالة من منصبه كما يقتضيه القانون اذا كان راغبا في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة.
ويؤكد هؤلاء ان المنصف المرزوقي وحده من ينطلق من موقع جدّ متقدم عن الجميع في سباق الرئاسة يساعده طاقم من الموظفين والمستشارين والتمويل العمومي،وأخطر ما في الأمر، انه يتقلّد منصب رئيس الجمهورية المؤقت، فجعل من الجهاز التنفيذي، معنيا بلعبة الاستحقاق الانتخابي، عكس ما اتفقت عليه جلّ القوى السياسية.
ويسعى المنصف المرزوقي لرسم صورة جديدة له، شخصية سياسية توافقية، رئيس لكل التونسيين "السافرات، المحجبات، المنقبات"، كما قال في خطاب تعيينه كرئيس للجمهورية في 2011.
ومن اجل تعزيز هذه الصورة سعى المرزوقي في كلّ إطلالاته الصحفية، بياناته، خطاباته، منذ اغتيال النائب محمد البراهمي، الى ان يظهر كشخصية مترفعة عن الصراعات السياسية لكن ذلك تعذّر قولا وممارسة، كما تعذّر ان تحتفظ مؤسسة الرئاسة بحيادها وان تتجنب التجاذب السياسي. إذ أن جلّ مستشاري الرئيس المؤقت، إضافة لرئيس ديوانه السابق عماد الدايمي، او الحالي عدنان منصر، كانت لهم إطلالات خصّصوها إما للدفاع عن حزب المؤتمر او للانتقاد أحزاب المعارضة.
ويؤكد المتابعون للشان السياسي في تونس ان هذا "الطموح" السياسي لرئيس الجمهورية المؤقت، لا يتعارض مع مبدإ الديمقراطية، ولا مع القانون، لكنه "أخلاقيا" يثير عدّة إشكاليات، فالفرقاء السياسيون في البلاد اتفقوا على ان يقع تحيد "الجهاز التنفيذي" عن الاستحقاق القادم، لضمان تساوي الحظوظ ونزاهة الانتخابات، لكن رئيس الجمهورية المؤقت والمحيطين به خرقوا هذا التوافق.