قام الشيخ عبد الحليم محمد عبدالحليم , خطيب مسجد ذو الجلال والإكرام بحى المناخ ببورسعيد , بكتابة مقال يثبت به مشروعية تهنئة المسلمين للمسيحيين في أعيادهم , رداً على بعض الفتاوى التي تحرم تهنئة الأقباط في أعيادهم , وكان ذلك هو نص المقال : أبدأ أولا بسرد الأدلة على مشروعية تهنئة المسيحيين بأعيادهم وهى كثيرة منها :-
( 1 ) قوله تعالى ( وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱ-;-للَّهَ كَانَ عَلَىٰ-;- كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ) النساء 86 وجه الدلالة : إذا كان الأخوة المسيحيون يهنئوننا فى أعيادنا فحقهم علينا بنص القرآن أن نهنئهم بأحسن من تهنئتهم لنا ، بمعنى أنهم إذا هاتفونا فقط ذهبنا نحن إليهم ، وإذا جاءوا إلينا بدون هدية ذهبنا نحن لهم بهدية ، أو على الأقل رد التحية كما جاءت منهم ، والآية عامة تشمل المسلم وغير المسلم ، كما أن الأمر فيها صريح ، وهو يفيد الوجوب كما قرر الأصوليون .
( 2 ) قوله تعالى (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ) البقرة 83 وجه الدلالة : كلمة الناس عامة تشمل المسلم وغير المسلم ، والقول الحسن له صور كثيرة أبرزها التهنئة ، ومن ثم فالآية عامة وصريحة فى مشروعية تهنئة المسيحيين بأعيادهم .
( 3 ) قوله تعالى ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة 8 وجه الدلالة : هؤلاء لم يقاتلوننا فى الدين ولم يخرجونا من ديارنا بل هم شركاء لنا فى الوطن ، وحقهم بنص القرآن أن نبرهم ونقسط إليهم ، والسؤال : أليس من البر الذى هو جماع الخير تهنئتهم بأعيادهم وأفراحهم ومواساتهم فى آلامهم وأحزانهم !!!!
( 4 ) قوله تعالى : (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ) المائدة 5 وجه الدلالة : الإسلام يدعو إلى التعايش بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب المسالمين الملتزمين بقواعد الدولة وقوانبنها ، ولهذا أباح الله طعام أهل الكتاب لنا وطعامنا لهم ، فإذا كان مباحا لنا تبادل الإطعام والبر بكل صوره وأشكاله فهل يعقل أن يبيح لنا الدين كل هذا ويحرم مجرد التهنئة !!!!
( 5 ) قوله تعالى : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ )المائدة 5 وجه الدلالة : الإسلام أباح للمسلم أن يتزوج الكتابية ، وأمره بحسن المعاشرة فقال (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء 19 ، والسؤال : هل يعقل أن يبيح الدين كلا من الزواج والطعام والقيام والنوم والإنجاب منها ويحرم مجرد التهنئة !!!! - كذلك أقاربها الذين هم أصهار الإنسان ، يشاركهم العمل مثلا ويتناوب على زيارتهم وبرهم فإذا جاء عيدهم هجرهم !!!!
( 6 ) الإسلام أباح للمسلم أن يوصى بثلث ماله لغير المسلم ، والسؤال : هل يبيح للإنسان أن يعطيه من ماله ولا يبيح له أن يهنئه بعيده !!!!!
ثانيا : حجة المنكرين المخالفين تكمن فى قولهم أن مجرد التهنئة إقرار بشرعية أعياده التى تخالف صريح دينك . يجاب على ذلك بأمور ثلاثة :- (1)التهنئة ليست إقرار بأمر يخالف عقيدتى فنحن نؤمن بقول الله تعالى : " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ " ، ونؤمن أيضا بقوله تعالى : " وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ " فالتهنئة ليست إقرار بما يخالف العقيدة ، بل هى من باب الترابط الإجتماعى ، والإخاء الإنسانى .
(2)إذا كنتم تقولون أن مجرد التهنئة إقرار بأمر يفضى إلى الكفر ، فما قولكم بما حدث بين النبى ووفد نصارى نجران حين جاء وقت صلاتهم فصلوا فى المسجد النبوى تجاه المشرق بإقرار من النبى الكريم صلى الله عليه وسلم الذى قال : " دعوهم " . - هل صلاتهم فى مسجد النبى وبإقرار النبى وعلى مرأى ومسمع من النبى إقرار بشرعية ما يقولون فى صلاتهم !!!!!!!
(3)ما قولكم فى هذا الحديث الشريف :عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قُلْتُ:إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ، وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ : " نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ " . هل قول النبى لأسماء صلى أمك مع كفرها إقرار بصحة كفرها !!!!
إذا لا علاقة البتة بين التهنئة والإقرار بشئ يخالف العقيدة ، وبناءا على ما سبق فأرى أن التهنئة تدور بين أمرين هما الوجوب والاستحباب .