سلسلة من الدراسات الصادرة عن أطباء متخصصين في الطب النسائي وطب الأطفال والطب النفسي، كشفت أهمية التغييرات النفسية التي تشهدها المرأة خلال مرحلة الحمل. كل هذه الدراسات تُجمع على أمر واحد: يتجلّى التغيير النفسي في مرحلة الحمل في اختلال التوازن النفسي الذي كانت شخصية المرأة قائمة عليه قبل مرحلة الحمل. مع التذكير بأن الحمل ليس مرضاً؛ هذا التبدّل في الشخصية النفسية يمكن مقاربته من ناحية أهميته بحالة مرضية. علماً أن هذا النمط الجديد الطبيعي يسمح للمرأة الحامل بالتأقلم مع فكرة قدوم الطفل. يشرح Racamier Paul-Claude، وهو أحد أهم الباحثين في مجال علم النفس، تحليلاً عميقاً للتغييرات النفسية التي تشهدها المرأة خلال فترة الحمل والتي يصفها بمصطلح "الأموميّة" (Maternalité) اذ يقول أن حبّ الأم لطفلها هو مجموعة عوامل معقّدة وتحقيقه ليس بديهياً. خلال هذه المرحلة، تتعدّل بنية المرأة الحامل النفسية وتتحرّك تصوّراتها في اللاوعي وتتفاعل في ما بينها. هذه التفاعلات النفسية الداخلية تُعرّض المرأة خلال هذه المرحلة إلى أحاسيس مُستجدّة ومُفرطة مع العالم الخارجي. وهذا ما يُعطي أهمية قصوى لدور الزوج في تصوّره للعائلة ومحيطه الإجتماعي وردود فعله حيال نظرته إلى زوجته كإمرأة حامل ومرافقتها طوال مدة الحمل وما بعد ذلك، ما يُساهم في سير الأمور بإنتظام أو يُصعّبها خلال كامل مرحلة الأمومة. في أوائل الحمل، لا يُمكن المرأة أن تشعر بوجود طفلها المستقبلي جسدياً بشكل ملموس أو محسوس؛ إذ إن تصوّراتها لما سيحصل والتعامل النفسي مع الأمومة التي تنتظرها، تقوم حصراً على الصعيد النرجسي الخاص بشخصها. تتمحور إهتمامات المرأة الشابة حول نفسها وحول إدراكها للتطوّرات في جسدها والتغييرات في أذواقها؛ في حين تدور هواماتها المستجدةّ عليها، حول ذاتها وغالباً ما تكون مصحوبة بأحساسيس متنوعة ومتناقضة. في آن معاً؛ يتزايد تقديرها للذات ويتفاقم قلقها نتيجة التغييرات التي تطرأ على صورتها عن جسدها وغرابة هواماتها بفعل الحمل. يتميّز الفصل الأول من الحمل بنشاط هورموني كبير، ويتجلّى إرتفاع مستويات البروجسترون (progestérone) من خلال زيادة في حساسية الثديين وحجمهما. وفي هذه المرحلة يكون الغثيان، والتقيّؤ، وزيادة التبوّل الليلي والإحساس بالتعب مصدر إزعاج لها. ورغم هذه الإضطرابات العرضية، فالحمل المرغوب فيه يساهم في تعزيز الروابط العاطفية والحبّ بين الشريكين ولا يتعارض بأي شكل من الأشكال مع النشاط الجنسي. إلا أن الحياة الجنسية قد تشهد بعض التغييرات. فالنساء في مرحلة الحمل يشعرن بإزدياد أو تراجع في الرغبة الجنسية وهو أمر مرتبط بتصوّراتهن النفسية وتفاعلهن مع جسدهن ومع الحمل. بينما تعتبر نساء أخريات أن ممارسة الأعمال الجنسية خلال الحمل قد تُشكّل خطراً عليهن وقد تُعرّضهن للإجهاض. لسوء الحظ، هذا المعتقد الخاطئ يدفع المرأة إلى الحدّ من الحياة الجنسية للثنائي. خلال الفصل الثاني، لا تزال المرأة الشابة بعيدة نسبياً عن الولادة. الحركات الأولى للجنين التي تشعر بها المرأة، تعطيها إثباتات ودلائل ملموسة على وجوده وتشعرها بالإطمئنان. دلائل تُشكّل بالنسبة الى الأم المستقبلية مُؤشرات مُطمئنة تسمح لها بأن تبدأ، في اللاوعي، بالتفاعل تدريجاً مع هذا الطفل القادم بحيث تتكوّن وتتبلور لديها رويداً رويداً تصوّراتها الخاصة به. هذه المرحلة من الحمل هي غالباً الأكثر راحة للمرأة الحامل؛ تعتاد خلالها على وضعها الجديد، لا سيّما وأن حجم الجنين ما زال صغيراً ولا تشعر بثقله. في هذه المرحلة، تستقر مستويات الهورمونات وتتراجع حدّة الأعراض المزعجة التي تنتاب المرأة. كذلك تخفّ حساسية الثديين وتزداد الإفرازات المهبلية البيضاء؛ لكن هذا لا يعني بالضرورة أن هذه الإفرازات تُحفّز التزليق خلال العمل الجنسي. ومن هنا الألم الذي قد تشعر به المرأة الحامل خلال الإيلاج. كما تُعبّر بعض النساء الأخريات عن إزدياد الرغبة وعن رعشة أقوى خلال هذه المرحلة. خلال الفصل الثالث من الحمل، تتضاءل هذه التصوّرات تدريجاً ليحلّ مكانها تخوّف المرأة من الولادة بحيث يتداخل هذا التخوّف مع الإثارة والترقّب. تتحضّر الأم المستقبلية للقاء المولود الذي أصبح في وعيها حيّاً. قد تمرّ المرأة عندها أحياناً بفترات من الإكتئاب وتنتابها أعراض جسدية نفسية المنشأ (Psychosomatiques) تُشكّل مؤشراً إلى القلق الذي ينتابها وإلى التناقض، الطبيعي، الذي تشعر به حيال الطفل. يتحضّر جسم المرأة لعملية الولادة المقبلة وتشعر بشكل آني بإنقباضات في الرحم. تصبح حركتها أكثر صعوبة بسبب تزايد وزن وحجم البطن وتستمر لديها الإفرازات المهبلية الغزيرة. والمرأة خلال هذه المرحلة وإن كانت تشعر بإرتفاع كبير في الرغبة في العمل الجنسي، إلا أنها تحتاج إلى فترة أطول من الوقت للوصول إلى مستوى كاف من الإثارة كما تخفّ حدّة الرعشة لديها. والعمل الجنسي عموماً لا يُشكّل تهديداً للحمل؛ إنما في حال النزف أو في حال كانت المرأة مُعرّضة لخطر الولادة المبكرة مما يفرض الحدّ من الجهد البدني، من الأفضل لها الإمتناع عن ممارسة الجنس. إنما وفي حال كانت المرأة تتمتع بصحة جيدة وفي غياب أي مضاعفات جانبية تُهدّد الحمل، لا يوجد ما يعوّقها أو يمنعها من عيش ومواصلة حياة جنسية طبيعية؛ إنما مع تزايد وزن البطن وحجمه، تصبح بعض الوضعيات خلال الفعل الجنسي شبه مستحيلة لأنها قد تكون مؤلمة، فيما بعضها الآخر يكون مساعداً في الإستمتاع الكلي. ونعود لنُذكّر بأن المرأة وبمجرد حملها، تتضاعف تفاصيل جسدها ويكبر حجم ثدييها وهي جميعها عوامل تزيد من إثارة الرجل. لكل إمرأة تجربتها ومشاعرها الخاصة خلال مرحلة الحمل. وهي تختلف من إمرأة إلى أخرى، إذ لكل منهن تاريخها وتركيبتها النفسية. كل ما تطرّقنا إليه أعلاه ليس سوى توجهات عامة وخطوط عريضة تتغلغل جذورها في التركيبة الشبقيّة لكل إمرأة.