رغم أن خلافات العشرينية نهال عطا مع زوجها في السنة الأولى من زواجهما كثيرة كادت تصل إلى "طريق مسدود"، إلا أنها الآن وبعد مضي خمسة أعوام على الزواج اكتشفت أنها "خلافات عابرة"، وفق قولها. الآن نهال تعيش مع زوجها بسعادة، ولا يمكن أن تستغني عنه في حياتها، تقول نهال «تزوجت منذ خمسة أعوام، وقد كانت السنة الأولى من زواجنا أسوأ سنة في حياتي، حيث شعر كل منا بأنه خدع في الآخر، وبأن كل ما كان في أثناء فترة الخطبة لم يكن سوى مسرحية، وقد توالت المشاكل إلى أن وصلت إلى حد التفكير بالطلاق".
وتضيف إن ما منعها عن الطلاق في النهاية هو أنها تفاجأت بأنها حامل، فشعرت بضرورة محاولة إصلاح الأمور مرة أخرى، واكتشفت بعد ذلك أن بعض التضحيات من الطرفين، وفهْم كل طرف لما يحبه ويكرهه الآخر، «كفيلة بتحسين الأمور”.
وتشير نهال إلى أنها تعيش الآن في سعادة مع زوجها وأبنائها، ولا تتخيل نفسها متزوجة من شخص غيره، او منفصلة عنه.
علا إبراهيم واجهت أيضا مصاعب كثيرة في السنة الأولى من زواجها، بسبب عدم إدراكها وفهمها لمعنى الزواج الحقيقي، إلى جانب تعلقها الكبير بأهلها، ورغبتها في البقاء في أحضانهم طوال الوقت، وفق قولها.
تقول علا إنها كانت في بداية حياتها الزوجية تشعر بالملل في منزلها، وترغب في البقاء عند أهلها، خصوصاً قبل أن تنجب؛ إذ أدى بها هذا الوضع إلى مواجهة الكثير من المشاكل بينها وبين زوجها، حيث صار كل منهما يبتعد عن الآخر، إلى أن ساءت العلاقة بينهما.
وتضيف أن زوجها في النهاية جلس إليها وأخبرها أن حياتهما الزوجية تسير نحو الانهيار، وأنه لا بد من أن يسعيا معا لإنقاذها، وإصلاح عيوبها وما طرأ عليها من سوء، وهكذا، وبعد محاولات كثيرة بينهما، وبعد معاناة نفسية استمرت نحو عامين عادت العلاقة بينهما إلى وضعها الطبيعي، وبدأت تشعر بمعنى الحياة الزوجية، وأسرار بناء الأسرة السعيدة.
في هذا الشأن يقول الاختصاصي الاجتماعي ومدير جمعية العفاف الخيرية، د. مفيد سرحان، إن الدراسات الإحصائية أشارت إلى أن معظم حالات الطلاق تتم قبل الدخول، وفي السنوات الثلاث الأولى من الزواج، ولاسيما في السنة الأولى منه.
وفي رأيه أن السبب في ذلك يعود إلى "سوء الاختيار" من قبل الطرفين، حيث لا يتم هذا الاختيار على أسس صحيحة وسليمة، بسبب النظرة الخاطئة لمؤسسة الزواج ومؤسسة الأسرة لدى كثير من الشباب.
بالإضافة إلى عوامل أخرى، ك”تدخل الأهل في حياة الزوجين، وكذلك الظروف المادية الصعبة، وتراكم الديون المترتبة عن متطلبات الزواج”، وكلها أسباب تخلق، وفق سرحان، مشاكل في السنة الأولى من الزواج، ناهيك عن أن غياب ثقافة الأسرة، وافتقار المناهج الدراسية التي تتعلق ببناء الأسرة، وضعف الوعي لدى الأبوين، من الأسباب التي تعيق بناء الأسرة على أسس صحيحة.
ويضيف سرحان أن ضعف الاهتمام المجتمعي والإعلامي بهذه القضايا من الأمور التي تسهم في نشوء هذه الخلافات، لافتاًإلى أن ذلك يتطلب وجود توعية كافية يجب أن توجه للمقبلين على الزواج.
اختصاصية العلاقات الزوجية، د.نجوى عارف، تقول إنه من الطبيعي أن تنشأ بعض المشاكل في السنة الأولى من الزواج، لاختلاف طبع الشخصيتين، واجتماعهما تحت سقف واحد لأول مرة.
وتشير عارف إلى أن نسبة الطلاق في السنة الأولى من الزواج تكون «مرتفعة نسبيا” لأنها مرحلة تعارف، ينشأ خلالها الكثير من الخلافات بسبب اختلاف وجهات النظر والطباع، خصوصاً وأن كل طرف يرغب في أن يتمسك بعاداته، أو يفرض رأيه ورؤيته على الطرف الثاني.
وتشير عارف أيضا إلى أنه لا بد من التفاهم بين الطرفين في فترة الخطبة على بعض النقاط التي يمكن أن تؤدي إلى الخلاف بعد الزواج، مع السعي للتفاهم حولها دون إشراك الأهل فيها.
وتضيف عارف إن على الزوجين أن يتوقعا منذ البداية حدوث بعض المشاكل في السنة الأولى من الزواج وما بعدها، لأنهما يخوضان حياة جديدة، مختلفة عن الحياة التي تعوّدا عليها، وهو أمر طبيعي يجب أن يتعاملا معه بكامل الوعي، حتى لا تتعرض علاقتهما لمشاكل هما في غنى عنها، حفاظا على استمرار الحياة الطبيعية بينهما.
وترى عارف أن ضمان استمرار العلاقة لا يتحقق، خلال السنة الأولى على الخصوص، إلا بالتضحية، وتقديم بعض التنازلات من الطرفين، وهو ما يمكن أن يتحقق بالتحاور، ومحاولة كل طرف فهم وجهات نظر الطرف الثاني، لأن الحياة ما بين شريكين هي تفاعل وتشارك وتعاون، وليس قوانين صارمة يسعى كل طرف فرضها على الطرف الثاني.
وتعتبر عارف أن الحياة الزوجية التي تبدأ بعد حفلة الزفاف، تحتاج إلى جهد ورؤية مستقبلية واضحة المعالم، ولذا يجب على كل طرف أن يكتسب مهارات جديدة تحصن الزواج وتقويه، وليس من الصعب أن يحضّر كل طرف نفسه، بشتى الوسائل المعرفية والعلمية والتثقيفية المتاحة، لخوض هذه المرحلة الجديدة من الحياة.
في ذلك يقول الاختصاصي التربوي النفسي، د. موسى مطارنة، إنه «من الطبيعي” أن تكون السنة الأولى من الزواج سنة غير مستقرة في مجتمع ما يزال الزواج فيه «تقليديا، لم يسبق فيه أي احتكاك أو تعارف حقيقيين ما بين الطرفين”، وإن كانت فيه بعض العلاقات المسبقة فهي «لا تزيد على علاقة المجاملة القائمة على إظهار كل طرف للطرف الآخر، أحسن ما عنده”.
ويضيف مطارنة أنه يجب أن يتوفر في علاقة الزواج النضج الكافي عند الطرفين، حتى يستطيع كل طرف أن يحتوي الطرف الثاني ويستوعبه، بل ويكمله أيضا، لأن الانسجام بينهما قد لا يتحقق بسهولة في البداية، فالعلاقة بينهما قد تمر بكثير من الاضطرابات، خاصة في السنوات الأولى، ولذا فاستمرار العلاقة مرهون بمدى قدرة الزوج والزوجة على تجاوز العقبات التي تعترضهما في السنوات الأولى من الزواج.