■ الانتهاء من صفقة السلاح الروسى بعد الانتخابات البرلمانية ■ مصر ضمنت خلال زيارة موسكو الفيتو الروسى فى مواجهة «ندالة الأمريكان».. وتجاهل أوباما دعوة مصر للمؤتمر الأمريكى الأفريقى
■ بوتين قال للسيسى ترشيحك للرئاسة «قرار مسئول».. والتسريب متعمد
منذ أن تولى نبيل فهمى منصبه كوزير خارجية لم أضبطه منشرحا أو متفائلا إلا بعد زيارة موسكو، كان نبيل فهمى يواجه المؤامرات على مصر باغتصاب شبح ابتسامة، ولكن ما أن عاد من روسيا أطلت الثقة والاطمئنان والسعادة، لم يكن مبعث التغيير أن نبيل فهمى كان من أهم الدعاة إلى إقامة علاقة أو بالأحرى استعادة العلاقة بين مصر وروسيا، ولكن لأن زيارة روسيا التى قام بها المشير السيسى ووزير الخارجية تمثل دفعة سياسية قوية لمصر، المسألة ليست صفقة سلاح رغم أهمية صفقة السلاح الروسى وضخامتها، وليست بناء مفاعل نووى مصرى طال انتظاره بشركات روسية، ولكن الأهم فى هذه الزيارة أن مصر تضمن شراكة أو علاقة مع إحدى الدول الخمس الكبرى فى مجلس الأمن.. دولة معها كارت الفيتو أو حق وقف أى مشروع قرار سياسى يمر عبر مجلس الأمن، ولذلك فإن الزيارة خلت من الإعلان عن تفاصيل صفقة السلاح أو القمح أو غيره من المشروعات، وبالمثل خلت الزيارة من صور التوقيع على الاتفاقيات الثنائية.. ربما لأن طرفى الزيارة يعرفان جيدا أن الرسائل الصادرة من هذه الزيارة أهم بكثير من صور التوقيع.. فى الحقيقة أن (مهابيل الإخوان) لم يفهموا مغزى عدم الإعلان عن صفقة السلاح أو المفاعل أو أى مشروعات بعد الزيارة، وراحوا يروجون على صفحاتهم أن الزيارة (فيشنك)، وفى المقابل رد السوايسة أن بوتين لم يعبر الرئيس المخلوع مرسى وهو رئيس جمهورية، وقابل السيسى فى منزله وهو وزير دفاع ونائب رئيس حكومة.
بعيدا عن مجالات المقارنة ووصلات الردح والغباء الإخوانى، فإن نتائج زيارة موسكو لم تخل من واحدة من أكبر صفقات السلاح، ولكنها تجاوزت حدود الطائرات والدبابات إلى نوع آخر غال وعزيز من الأسلحة السياسية وهو سلاح دبلوماسى خطير تملكه روسيا.
1- التصعيد الأمريكى
على الرغم من الإشارات المراوغة للأمريكان من ثورة 30 يونيو، وعلى الرغم من حاجة أمريكا لمصر خاصة فى قضية مكافحة الإرهاب، رغم هذا وذاك فإن النظام المصرى لا يثق فى الأمريكان، ويتوقع أن تهب رياح متآمرة على مصر بعد نجاحها فى المرور من عنق المرحلة الانتقالية، وتنفيذ بنود خارطة الطريق، لأن أمريكا والدول التى تعمل تحت عباءتها لا تزال تراهن على، أو بالأحرى تحلم وتتمنى توقف خارطة الطريق بالصدمة أو بالإرهاب بعملياته القذرة، ولذلك يمكن ملاحظة أن العمليات الإرهابية صارت أكثر دموية بعد نجاح مصر فى إنهاء أول خطوة من الخارطة وهى الدستور، فالإقبال والثقة التى أظهرها الشعب المصرى فى الاستفتاء على الدستور أرعبا الإرهابيين والقوى التى تقف ضد مصر، لأنهم ببساطة أدركوا أن مصر ماضية فى تنفيذ خارطة الطريق، ومصر لم ولن تستبعد مؤامرة ما على مصر تتخذ شكلا أو بالأحرى بعدا دوليا، ولذلك فإن ضمان سريان العلاقة أو الإعلان القوى للعلاقة بين مصر وروسيا.. إعلان على أعلى مستوى، وفى بيت رئيس إحدى الدول الخمس الكبار الذين يملكون حق الفيتو، ولهم صوت يجب أن يسمع فى المحافل الدولية.. مصر وروسيا بهذه الزيارة تدشنان بلقطة موحية بداية إعادة العلاقات الخاصة بين البلدين.. روسيا أيضا تضمن استمرار تواجدها فى المنطقة ومن داخل أكبر دولة عربية، لم يكن بوتين حريص على الإشارة إلى مسألة ترشح السيسى للرئاسة من باب البروتوكول أو اللطف الإنسانى، وبحسب معلوماتنا.. فإن بوتين قال للسيسى إن قرار ترشحك للرئاسة قرار مسئول، وأن التسريب الخاص بأن بوتين قال للسيسى (أعرف أنك تنوى الترشح للرئاسة وأتمنى لك التوفيق) كان مقصودا ومتعمدا، فكل من روسيا ومصر ترغبان أن تصل الرسالة للكثيرين، ومفاد الرسالة أن مصر لديها شركاء كثر وأقوياء، وأنها حافظت على العلاقة مع أمريكا ولكنها لا تقضى الوقت فى انتظار الرضا الأمريكى، فى هذا الإطار فإن الأمريكان تباطئوا فى تعديل قانون المعونة، والأهم أنهم لم يعيروا رغبة مصر فى حوار استراتيجى مع أمريكا الاهتمام اللازم، وكان آخر المواقف الأمريكية ضد مصر تجاهل أوباما دعوة مصر فى مؤتمر الحوار الأمريكى الإفريقى.. أمريكا زعمت أن القرار غير متعمد وليس تجاهلا لمصر، ولكنه يرجع إلى أن عضوية مصر معلقة فى الاتحاد الإفريقى.القاهرة لم تبلع تبرير واشنطن لأن هناك دولاً أخرى غير إفريقية مدعوة لحضور المؤتمر، ولذلك فإن مجرد تدشين أو الإعلان عن علاقات قوية بين مصر وروسيا فى هذا التوقيت هو (ضربة معلم).
2- صفقات السلاح
لم ترغب كل من القاهرة أو موسكو تحديد معالم صفقة السلاح التى تبلغ 3 مليارات دولار، وربما لم تتم خلال الزيارة مناقشات تفصيلية فى هذا الملف الخطير والمهم للشعب المصرى كله بشكل عام وللجيش المصرى بشكل خاص، والمفاوضات حول صفقة السلاح مرت بمراحل سرية، فقبل زيارة وزيرى الدفاع والخارجية الروسيين لمصر.جرى تبادل رسائل أشبه بجس النبض، وتدخلت أطراف عربية فى هذه الرسائل منها السعودية، والمثير أن اسم الجزائر يتردد أيضا فى الرسائل والوساطات، وبحسب المعلومات فإن القاهرة ترجمت زيارتى وزيرى الدفاع والخارجية بأنها إشارة لا تحتمل اللبس على موافقة روسيا على تزويد مصر بالسلاح، وبحسب المعلومات أيضا فإن الإعلان عن تفاصيل الصفقة لن يتم قبل الانتخابات البرلمانية أو بالأحرى مع انتهاء خارطة الطريق، ولكن التسربيات حول هذا الملف تبعث على التفاؤل، خاصة مع ضخامة رقم الصفقة، وبحسب المعلومات فإن الصفقة فى نهاية المطاف ستصل إلى أرقى المقاتلات الروسية ميج 29، وهى تعادل اف 16 الأمريكية، وقد منحت روسيا الميج 29 لكل من الجزائروسوريا، وتشير التسريبات أيضا إلى (تى 50) وهى معادلة للآباتشى الأمريكية.
ولا شك أن عودة الدب الروسى لمصر لم تقتصر على الأسلحة ففى الغالب فإن العلاقات العسكرية بين البلدين قد تشمل تدريبات، والاستفادة من الخبرة الروسية فى هذا المجال.
3- المفاعل وقضايا المنطقة
لدينا عيوب التاريخية فى الدبلوماسية، والعيوب موروثة للأسف من عهد الرئيس المخلوع مبارك للرئيس المعزول مرسى، فنحن نقيس نجاح أى زيارة خارجية يقوم بها رئيس أو مسئول بمعيار خاطئ ومهين، فنحن نتصور أن كل زيارة يجب أن نفوز فيها (بهبرة) قمح أو قرض أو بناء المفاعل النووى، ولكن زيارة موسكو أعادت الأمور إلى نصابها، فعندما تتلاقى دولتان مثل روسيا ومصر فإن الأجندة يجب أن تكون إقليمية ودولية، ولهذا كان ملفات سوريا وفلسطين والعراق والإرهاب موجودة بقوة فى المحادثات الثنائية وهذا كان من جانب الاهتمام والتقدير الروسى لمصر كأكبر دولة فى العالم العربى، وقوة إقليمية كبرى، وبالمثل فإن مصر ثورة 30 يونيو لم تكرر إهانات مبارك ومرسى بالحديث عن مساعدات أو تفاصيل صفقات، وهذا تطور إيجابى جديد لم تلتقطه صفحات الإخوان، فقد اعتادوا أن يتباهوا بما يجمعه مرسى فى زياراته الخارجية من قروض ومنح، ولكن الدول الكبرى لا تلخص أو تقتصر زيارتها المهمة على ملفات داخلية فقط، وهذا ما حدث فى زيارة موسكو الأخيرة.
ولكن التباحث حول الوضع الإقليمى والملفات العربية والإقليمية الساخنة لا ينفى أن هناك تفاهمات مبدئية حول المفاعل النووى، لم ترفض روسيا مساندة مصر فى بناء المفاعل النووى، بل ربما يكون التعاون بين روسيا ومصر فى ملف المفاعل النووى هو أول أشكال التعاون، ومن المتوقع أن تتم هذه الخطوة بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة، لأن مشروع الضبعة على رأس المشروعات القومية فى برنامج المشير السيسى.
فى النهاية فإن العلاقة بين مصر وروسيا تحتاج إلى رؤية مختلفة من المصريين، فنحن نفتتح بهذه الضربة طريقاً مهماً وخطيراً ومعقداً.. لأنه يتعلق بميزان القوى السياسية والاستراتيجية فى منطقة اعتادت أمريكا أن تمرح فيها لوحدها، وبالمثل فإن هناك حساسيات التفوق فى سباق التسلح، وفى هذا الملف، فإن أمريكا حرصت طوال فترة تبعيتنا لها على تفوق إسرائيلى فى سباق التسلح، فلا تستعجلوا عودة الدب الروسى لمصر بشكل كامل خلال أسابيع أو أشهر، فنحن نخطط لإعادة التوازن لعلاقات مصر الخارجية، وليس لمجرد صورة وزيارة من نوع زيارات مرسى ومبارك.