■ الفريق أعد بنكاً للقيادات التى ستتولى إدارة مصر قبل أن يبت فى أمر ترشحه ■ طرحوا الفكرة فى البداية تحت عنوان «مفوضية المستقبل» وتولاها مصطفى حجازى فى القصر الرئاسى حتى لا يتم الربط بين بنك القيادات والسيسى لم يكن تصريح الفريق السيسى العودة لنظام مبارك جديدا أو حتى تغييرا فى موقفه، على الاقل لم يكن جديدا بالنسبة للبعض.
وليس صحيحا أن نتائج الاستفتاء على الدستور، وامتناع نسبة كبيرة من الشباب عن المشاركة هى التى دفعت الرجل بتأكيد عدم عودة نظام مبارك. فقبل نتائج الاستفتاء والسيسى يدرك أن مصر متشوقة ومستحقة لوجوه جديدة، وأن شباب مصر لهم استحقاقات يجب أن تؤدى وأن دورا أكبر فى انتظارهم، فالرجل منذ أشهر وهو مهتم، أو بالأحرى مهموم، بالبحث عن قيادات شابة نزيهة وكفء للمشاركة فى إدارة مصر بعد 30 يونيو. وجوه لم تتورط فى نظام مبارك الفاسد، ولا أسرعت بركوب موجة الإخوان، ولا حتى هرولت لعرض نفسها وبضاعتها الرخيصة وخدماتها مدفوعة الأجر على الفريق السيسى.
لقد كانت أزمة اختيار القيادات فى كل مكان ومنصب وموقع فى مصر من أولويات الرجل.
بل إن الفريق السيسى بحث عن هذه القيادات حتى قبل أن يحسم أمر ترشحه للرئاسة، فلن يكن الفريق السيسى يبحث عن رجال أو معاونيه أو حكومته، ولكنه كان يبحث عن قيادات ووجوه جديدة تملأ الساحة المصرية، وتوفر ما يشبه البنك للحكومة والرئيس لاختيار القيادات الجديدة التى لم يلوثها فساد مبارك أو مرسى وجماعته، ولكى يضمن السيسى أن يمتنع المنافقون والمشتاقون والراكبون فوق ظهر أى سلطة، فقد فضَّل الفريق أن تتم العملية بعيدا عنه، وأن تجرى بسرية وهدوء ومن خارج مؤسسة الجيش، ولذلك فقد نجحت عملية الخداع الإستراتيجى نجاحا مبهرا، وبلغ من درجة نجاحها أن عدداً كبيراً ممن تم اللقاء بهم أو طلب منهم ترشيح قيادات شابة فى مجالاتهم لم يعرفوا حتى الآن بحقيقة الأمر، ولم يشكوا للحظة أن هذه الأسماء سترسل بعد ذلك إلى جهات أمنية أو بالأدق جهاز المخابرات للفحص الأمنى.وأظن أن الإعلان أو الكشف عن هذه العملية سيصيب كل أعضاء حزب (عبده مشتاق) بصدمة، وستكتشف أن كل جهودهم لركوب موجة المستقبل باءت بالفشل.
30 يونيو لحظة كاشفة
مع بدء تشكيل الحكومة بدأت الأزمة، فمعظم الشخصيات العامة الشهيرة عملت ما بين نظامى مبارك ومرسى، فلول مبارك أو فلول مرسى، وقد حاول الببلاوى عند تشكيل الحكومة الابتعاد قدر المستطاع عن الوزراء السابقين فى الحكومتين، وقد كشفت التجربة أن الوصول للقيادات الشابة المحترفة الكفء القادرة على الإدارة من أصعب المهام فى مصر، وهذا الأمر يشمل الوزراء فى الحكومة حتى رؤساء البنوك مرورا بالشركات والمؤسسات العامة، فإذا لم يكن لهؤلاء الشباب صلة قوية بالإعلام وإذا لم يكونوا ضيوفاً على شاشات التوك شوك فمن الصعب الوصول لهؤلاء الشباب، لم يفقد السيسى الأمل قط فى أن مصر مليئة بالكفاءات، وأن كل من حرقوا فى عهدى مبارك ومرسى لا يتعدون نقطة فى بحر.
لا يرفض السيسى الاستفادة من مواطنين اكفاء شرفاء كانوا أعضاء عاديين فى الحزب الوطنى أو عملوا فى وزارات أو شركات أو هيئات بالحكومة قبل ثورة 25 يناير، ولكن السيسى كان يعلم أنه من غير المقبول أن يعاد إنتاج نظام مبارك من خلال قيادات حزبية أو وزارية أو كتاب وصلوا لرئاسة التحرير أو مجالس الإدارات بمدحهم مبارك أو وريثه، كان السيسى مثل كل المصريين الوطنيين يؤمن بأن مصر لم ولن تخلو من الكفاءات، وأن المشكلة تكمن فقط فى الوصول إليهم.
بدأت رحلة تجميع بنك القيادات والكفاءات من خلال مؤسسة الرئاسة، وبعيداً عن الفريق السيسى، فى ذلك الوقت بعد أقل من ثلاثة أشهر على 30 يونيو، وجه بعض الكتاب والخبراء انتقادات مهمة وحادة لخلو مؤسسة الرئاسة من الكفاءات فى مختلف المجالات، واقترح الأستاذ عادل حمودة أن تعيد مؤسسة الرئاسة التنظيم الرئاسى فى عهد الزعيم جمال عبدالناصر، وقد كانت مؤسسة الرئاسة فى عهده لا تخلو من كفاءات وشباب فى جميع المجالات، وطالب آخرون بأن يتم تدعيم مؤسسة الرئاسة بعدد كبير من الكفاءات من خلال تنظيم إدارى مؤسسى.وخلال هذه المناقشات بدأت عملية اكتشاف أعضاء نادى القيادات أو الكفاءات، ولذلك بدا للبعض أن هذه العملية ترتبط بمؤسسة الرئاسة وبالرئيس فى عهد الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور.
مفوضية المستقبل
بدأت العملية من خلال المستشار السياسى والاستراتيحى للرئيس الدكتور مصطفى حجازى، وبدأ الطرح فى شكل مبادرة ذات اسم موحٍ (مفوضية المستقبل)، ومن خلال هذه المبادرة التقى حجازى عدداً كبيراً من الشباب من كل المجالات أطباء وأستاذة جامعات ومديرين تنفيذيين فى الحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص، وشملت المقابلات رجالاً ونساء من القطاع المالى والاقتصادى، وطلب حجازى من بعض الذين التقى بهم ترشيح أسماء أخرى من الشباب ذوى الكفاءة والخبرة والوطنية فى كل المجالات، وبدا للبعض أن عجلة العمل فى مفوضية المستقبل ستبدأ على الفور، فقد كان لدى حجازى مشروع بالأفكار والمشروعات المبدئية التى تحتاجها مصر فى المستقبل القريب، وأضاف حجازى أفكاراً وأسماء جديدة. وطلب من نسبة ممن قابلهم الدكتور مصطفى حجازى سيرة ذاتية ومهنية مكتوبة.
وقد بدا الأمر لبعض ممن قابلهم حجازى مثيرا للدهشة.لأنه بدا خارج نطاق الطبيعة الانتقالية للرئيس عدلى منصور ومؤسسته، وربما كانت هذه المهمة أحد أسباب شائعة أن الدكتور مصطفى حجازى قد يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، ولكن الدكتور حجازى كان من ضمن أجندته اكتشاف القيادات الشابة وتقديم نموذج للوظائف العامة ومن يتولونها، وهذا الاهتمام سابق على توليه مهامه فى القصر الرئاسى.
ولكن الدكتور مصطفى حجازى كان أحد روافد فكرة بنك الكفاءات أو القيادات، ففيما بعد اشترك آخرون فى فكرة البحث عن شباب وكفاءات فى كل المجالات، وسار الآخرون على نهج حجازى، طلبوا ترشيحات شابة من بعض الشخصيات العامة، وقد تجمعت كل هذه الأسماء أو القيادات الشابة وقد وصل عددهم إلى ما يقترب من 120 اسما فى مختلف المجالات، وأجرت جهة أمنية رفعية المستوى وفوق مستوى الشبهات تحريات أمنية على هؤلاء الشباب للتأكد من عدم تورطهم فى أى شبهات فساد أو علاقة بالإخوان.
ضربة لعبده مشتاق
وفيما كانت خطة إعداد بنك القيادات والكفاءات أو بالأحرى اكتشافها تجرى على قدم وساق وبسرية ورؤية وقواعد، بينما كانت هذه العملية تسير كان الكثيرون يحاولون اللحاق بركاب السيسى، ركب أكثر من عبده مشتاق موجة السيسى، البعض حلم بعودة مكانته التى سلبتها منه ثورة الشعب المصرى فى 25 يناير، وآخرون تصوروا أن 30 يونيو ستفتح لهم الطريق لتولى المناصب و(نهب) المكاسب. ولكن السيسى كان يفكر بطريقة مختلفة، كان يفكر لمصر قبل أن يفكر لنفسه، لم يكن السيسى يبحث عن حكومته أو رجاله، فهؤلاء هم عقول مصر وثروتها وقوتها الناعمة، هؤلاء هم مجرد بداية لإعلاء قيمة الكفاءة والنزاهة معا.ولاختيار الشخص المناسب فى المكان المناسب، للاستفادة منهم فى مؤسسة الرئاسة أو دهاليز الحكومة والمؤسسات أو تقديم أفكار وتنفيذ مشروعات بعينها فى مرحلة المستقبل، باختصار هؤلاء الشباب والكفاءات يؤكدون أن مصر لم ولن تصاب بالعقم بعد نظام الرئيس المخلوع مبارك، وأن مصر لديها ثروة من الكفاءات داخل وخارج الجهاز الحكومى تستطيع أن تنهض بالمستقبل، وأن تنفذ خارطة المستقبل بعقول وأيدى شبابها.. شباب لم يتلق مكافآت أو بالأحرى رشاوى من نظام رفضه الشعب المصرى، وثار عليه..شباب ربما لا تعرف طريقه الفضائيات، وليس طرفا فى خلافات و(شرشحة) معارك الحاضر، ولكنه طرف أصلى وفاعل ومستحق للمستقبل..شباب لم يعرف طريق أمانة السياسات ليصعد فى بؤرة الضوء، ولم يقف على أبواب السياسيين ليقفز للمناصب العليا.. شباب معظمه لم يمارس العمل السياسى داخل الأحزاب، ونسبة كبيرة منهم أرادت خدمة مصر من خلال مبادرات وأفكار للمستقبل.. مبادرات اختلط فيها حب الوطن بخبرات وكفاءات الشباب، ولكن حتى هذه المبادرات ماتت بالسكتة القلبية.
وهؤلاء الشباب بخبراتهم ونزاهتهم وكفاءتهم وأفكارهم سيكونون فى الصفوف الأولى من عملية تنفيذ خارطة الطريق. وجوه شابة جديدة وفاعلة ومبشرة بدلا من الوجوه التى كرهها المواطنون، وبدلا من الشخصيات العابرة للأنظمة والثورات، فمصر الجديدة بحاجة إلى بناء جديد بأيدى وعقول ووجوه جديدة.