مع بداية القرن السابع الهجرى فى أقصى الشرق بسهول منغوليا، ظهر التتار..قوم انتشروا مثل الجراد، أمة من الجنس الأصفر، جمعوا لأنفسهم خليطاً من الأديان فى شكل ميثاق مشوه أسموه «الياسك»!. وحدَ صفهم وجمع كلمتهم الطاغية الأعظم جنكيز خان، ونشأت هذه القوة بشكل سريع لتصنع إمبراطورية بلا تاريخ وبلا حضارة، كانت فقط إمبراطورية إرهاب قامت على جماجم البشر وسفك الدماء.
بسرعة هائلة استولت جموع التتار على أغلب المناطق الشرقية من العالم ثم واصلت زحفها إلى أن وصلت فلسطين.. وبعد خمسين عاما فقط احتلوا جميع المناطق الإسلامية فى الشرق وفى الوسط ولم يبق إلا مصر وغرب إفريقيا والجزيرة العربية.. فلم تمض على غزوة التتار المخربة وسقوط بغداد أكثر من سنة واحدة حتى كانت جيوش التتار منحدرة كالسيل الجارف متجهة بغزوها نحو مصر، إلا أن قبائل العرب جميعا تجمعت بمصر وصاروا يدا واحدة مع الملك المظفر «قطز» للقاء التتار، وكان اللقاء فى «عين جالوت» ثم «بيسان» فانتصروا عليهم.
كانت حروبهم حرب إبادة للجنس البشرى ومحواً لكل ما هو حضاري.. حتى إن مكتبة بغداد العظيمة لم تسلم منهم، وهى أكبر مكتبة فى العالم فى ذلك الزمان وقد ذهب معها نصف علم العالم!
من صفات التتار أنهم بلا عهود ولا مواثيق ولا أحاسيس، مجرد وحوش على أشكال بشر.. لم يرحموا طفلا ولا أُما ولا شيخا، حتى إنهم قتلوا فى بغداد وحدها أكثر من مليون نفس مسالمة لم ترفع عليهم سلاحا! وكانوا عندما يحُلون على قُطر من الأقطار يدعون أنهم ما أتوا إلا ليفشوا السلام وينشروا العدل والحرية والمساواة! وقد صدق كثيرٌ من الناس وعودهم وفتحوا لهم أبواب المدن، فأخذ التتار ثرواتها واستحلوا نساءها وقتلوا رجالها.
فما أشبه الليلة بالبارحة حين يعيد التاريخ تدوير البشر واستنساخ الحضارات وإعادة ميلاد الطغاة.
أزعم أننى قرأت كثيرا عن جماعة الإخوان وعن تاريخهم المشئوم، ولى الفخر بأننى كنت من أوائل الناس الذين توقعوا تلك النهاية بعدما وقع الوطن فى براثن محمد مرسى والأربعين حرامى، ليس لأننى أنجم أو أضرب الودع، ولكن لأننى أقرأ التاريخ بعين المُحلل وتوقع الكاتب.
لكن هذه المرة دفع بى القدر لأكون شاهد عيان على تظاهرة من تظاهرات الإخوان التى يقوم بها الطلاب بشكل يومى فى جامعة الأزهر.
لقد بدأت المظاهرة بتجمهر حوالى مائة أو على أقصى تقدير مائة وخمسين طالباً، أشكالهم لا تمت بصلة لصفات الطالب المحترم.. فوجوههم يبدو عليها الإجرام وطريقتهم فى الحديث لا تنم إلا عن مجموعة بلطجية قسا عليهم الشارع فخلق منهم متسولين للحقوق.
هؤلاء الطلاب بلا شك مدفوعون بالمال أو بالشعوذة إلى تلك البلطجة التى يمارسونها، ومصر لا تعنى لهم سوى مكان ولدوا عليه، والأزهر لا يعنى لهم سوى جامعة أجبرهم المجموع على الالتحاق بها، ومحمد مرسى لا يعنى لهم سوى أكذوبة عاشوها صنعت لهم كياناً ممزقاً مشوهاً أسموه «الشرعية».
بدأت المظاهرة بهتافات مناهضة للجيش داخل أسوار الجامعة، ثم تحول الأمر فى ثوانٍ إلى زجاجات مولوتوف يتم إلقاؤها من داخل الجامعة على سيارات الأمن المركزى الواقفة على الرصيف الآخر من الجامعة، بل والمثير حقا أنهم كانوا يلقون أيضا بقنابل غاز على قوات الشرطة.
هنا اضطر الأمن المركزى إلى الرد عليهم بقنابل غاز.. وفجأة تحول الشارع إلى حالة من الهرج والمرج، على وجه الأخص عندما سقطت زجاجات المولوتوف على سيارات العاملين بشركة البترول المجاورة للجامعة، لتتحول أغلب السيارات إلى كتلة من النار فى دقائق معدودة..
واضطر أمن الجامعة «الضعيف جدا» إلى فتح البوابات لطلبة الإخوان ليخرجوا إلى الشارع تحت ضغط الشغب والاعتداءات من الطلاب على أفراد أمن الجامعة الذين لا يملكون فى أيديهم ولا حتى عصا يدافعون بها عن أنفسهم! بل ووصل بهم الأمر إلى حد أنهم سحلوا جنديا وسحبوه إلى داخل الجامعة وانهالوا عليه ضربا وسط استغاثاته وتوسلاته.
المؤسف حقا هو سقوط عدد لا بأس به من عساكر الشرطة مغشياً عليهم جراء اختناقات من قنابل الغاز، والمُذهل حقا هو كيف تدفع الشرطة بهؤلاء لتأمين مظاهرات يُلقى بها قنابل غاز دون أقنعة غاز أو كمامات أو أى نوع من الحماية! أإلى هذه الدرجة أصبح الجندى المصرى أو دعونى أقول المواطن المصرى رخيصاً؟!
لن أنسى أبدا دموع وتأوهات المواطنين المسالمين الذين خرجوا ليجدوا سياراتهم وقد التهمتها نيران الهمجية والغوغائية! لن أنسى دعوات النساء ولعناتهم التى صبوها على الإخوان وكل من انتخبوا مرسى وفرقته البهلوانية.
استوقفتنى فكرة أن الطلاب معهم مولوتوف وشماريخ وقنابل غاز؟ استوقفنى أن كلاً منهم يحمل على ظهره حقيبة بها كل الإسعافات الأولية والكمامات ومضادات الغاز.. وكأنهم مجهزون لدخول الحرب! فى حين وقف الجنود عُزلاً يقومون بواجبهم ويستمعون إلى السباب والشتائم من قبائل الإخوان القذرة، فى صمت مُخز.
سألت أحد أفراد أمن الجامعة عن كيفية دخول هؤلاء الطلبة إلى جامعة الأزهر بتلك الأسلحة؟ وكيف يُسمح لهم بالدخول أصلا دون كارنيهات؟
فأجابنى بكل برود: «هما بيشتروا أزايز الحاجة الساقعة من جوه، ويفضوها ويخلطوها بالبنزين اللى بيجبوه من تانكات الموتوسيكلات اللى بيدخلوا بيها، ولما بنوقفهم على البوابة علشان نطلب الكارنيه، بيشتمونا وبيضربونا»!..ياللهول.
تحكى لى صديقة تقوم بالتدريس بطب الأزهر، أن الطالبات والطلبة يمنعونهم من دخول المحاضرات، ويكتبون على سياراتهم، بل ووصل بهم الأمر إلى الكتابة بعبارات تسىء للجيش والشرطة على عربة جمع القمامة!
لقد وصل الأمر بطلاب الأزهر على وجه الخصوص وطلاب الإخوان فى باقى الجامعات إلى أدنى مستوى للتدنى الأخلاقى، فخرجوا من نطاق طلاب العلم إلى بلطجية الأزقة.. وهنا وجب ردعهم بالقوة ووضعهم تحت طائلة القانون دون تفكير.
إن الفشار الذى تم توزيعه على فتيات الإسكندرية والورد الذى تم تصويرهن به وهن يرفعن علامة رابعة، خير دليل على أن (المسخرة) لا تؤدى سوى إلى (مزيد من المسخرة)! هؤلاء الفتيات بكل أسف ضحايا بيوت نسى فيها الأب والأم مراقبة سلوكيات بناتهن أو تقويمهن عند الخطأ، ونحن بكل أسف أصبحنا ضحايا دولة انهارت فيها كل أركان الدولة.
أتعجب لقرار قرأته على الإنترنت وأتمنى إن كان غير صحيح أن يخرج علينا د.جابر نصار ليكذبه.. القرار نصه الآتى: «إلغاء البند «31» من لائحة جزاءات المدينة الجامعية والتى تجعل من الاعتصام والاشتراك فى المظاهرات والتحريض عليها مخالفة تأديبية، واعتبار ذلك حقا أصيلا للطلاب ومن مكتسبات الثورة المصرية، وتؤكد جامعة القاهرة اعتزازها بطلابها وتهيئة المناخ المناسب لكى يمارسوا أنشطتهم فى جميع المجالات دون قيود حتى تتكامل شخصيتهم بما ينفع الوطن»!.
عزيزى د.جابر ولأنك رجل احترمته طويلا، أجد نفسى مضطرة إلى أن أتعجب من موقفك من عدم عودة الشرطة إلى الجامعات، وأتوجه إليك بالسؤال: هل بالفوضى والتخريب تتكامل شخصية الطلبة بما ينفع الوطن؟ وأدعوك لمراجعة موقفك. كما أتوجه إلى د.أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر باللوم الممزوج بالغضب لما يتم تحت سقف جامعة تنتمى لمؤسسة محترمة عريقة مثل الأزهر، وأطالبه بالاستقالة فورا إذا لم يكن بقدر المسئولية فى التصدى للهراء الذى يحدث بالجامعة كل يوم.
وجُملة: (أعرب د.أسامة عن أسفه لما يحدث من طلاب المحظورة)! باتت جُملة مُزرية تحمل فى باطنها لامبالاة لا نقبله، وتعبر عن موقف ضعيف وبليد للغاية.
أساتذة الأزهر الذين يساندون هؤلاء الطلاب يستحقون التحقيق معهم وإدانتهم إذا ثبت تورطهم فى إدخال أسلحة أو مساندة الطلبة، أما الطلبة المتورطون فيستحقون الفصل فورا دون أى تباطؤ أو تعاطف.
جاء التتار.. ورحلوا ولم يتركوا فى ذاكرة التاريخ سوى أنهم دُعاة باطل، وجاء الإخوان وهاهم يرحلون ولن يتركوا فى ذاكرة الشعب سوى أنهم بُناة باطل.