دعا أحمد المسلماني المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية إلى الإعداد لمستقبل "مصر 2020" وحتى "مصر 2050"، وقال المسلماني إن مصر تحتاج إلى الانتقال من المليونيات السياسية التي قامت على أساس "الكم" إلى مليونية حضارية على أساس "الكيف".. والعبور من حقبة "النشطاء" إلى حقبة "الخبراء". وأضاف المسلماني، أن مصر تحتاج إلى مليون شخص مؤهل للمشاركة في الإدارة والقيادة والعمل العام ليصل عشرة بالمائة منهم إلى القائمة القصيرة للترشيحات ليتم اختيار ثلثهم في مجمل الوظائف من "الاتحادية" إلى "العزبة" ودعا إلى تقديم "مصر الحضارية" لا "مصر السياسية" ودفع "القادة الجدد" إلى المناصب العامة في البلاد لإنهاء تحالف عديمي الموهبة الذي جثم طويلاً على مقاعد الوطن.
جاء ذلك في مقال كتبه المسلماني لوكالة أنباء الشرق الأوسط تحت عنوان "القادة الجدد..الفكرة والحركة" وفي ما يلي نص المقال:
تحتاج مصر إلى أن تكون بلد المليون قيادة.. ذلك أن مائة مليون نسمة يحتاجون بالضرورة إلى أن يصل حجم النخبة العامة فيها إلى واحد بالمائة من السكان أي ما يعادل مليون شخصية ذات مستوى قيادي.
وإذا كانت مصر قد قدمت للعالم كله نموذجها العظيم في الديمقراطية المباشرة: "المليونيات"، فإنها تحتاج اليوم إلى أن تقدم لنفسها "مليونية جديدة".
لقد قامت المليونيات السياسية على أساس "الكم" وتحتاج المليونية الحضارية الإنطلاق على أساس "الكيف".. إنها عملية العبور من حقبة "النشطاء" إلى حقبة "الخبراء".. من "المخلصين" الذين صنعوا الحاضر إلى "المتميزين" الذين يصنعون المستقبل.
علينا أن نعرف أن حجم النخبة المصرية بات ضئيلاً ونحيلاً، وبات الرأى العام يشير إلى عشرات الشخصيات ممن يتصدرون شاشات الفضائيات وأروقة الندوات والمؤتمرات على اعتبارهم- حصرياً- الحجم الإجمالي للنخبة المصرية.
إن ضمور النخبة المصرية على هذا النحو بات مُخجِلاً في الشكل ومُفزعاً في المضمون.. وأضحى الأمر بكامله يحتاج إلى إعادة النظر.
سيقول البعض إن هناك الآلاف من المتميزين في كل المجالات لكنهم لا يتصدرون المشهد، وأن الإعلام ساهم في إعادة تدوير "نخبة المائة ضيف" حاجبًا ومانعًا نخبة المليون قيادة.. وأنه لو أتيحت الفرصة للكفاءات المصرية لانتهت محنة الضمور والانحسار.
وأعترف ، ثانيةً ، أن هذا القول صحيح تمامًا.. ولكن الصعود بهذا "القول" إلى صعيد السياسة يحتاج إلى مبادرة وآلية وخريطة طريق. ولقد حاولت بعد ثورة 25 يناير المجيدة أن أكون واحدًا ممن يدفعون في هذا الطريق لأجل توسيع وتمديد مساحة النخبة المصرية.
وقد أسستُ "مركز القاهرة للدراسات الإستراتيجية" لهذا الغرض، وحاول بعض الشباب الذين عملوا معي أن يضعوا إطارًا ل"نادي النخبة" بهدف تعبئة الموارد البشرية الوطنية رفيعة المستوى لهذا الهدف.. لكن الأحداث التي تلاحقت وتجربة حكم الرئيس السابق محمد مرسي لم تترك الفرصة الكافية لذلك. ولما قامت ثورة 30 يونيو المجيدة ولما تشرفت على أثرها بالعمل مستشارًا للسيد رئيس الجمهورية، قمتُ بطرح الهدف ذاته عبر مبادرة "القادة الجدد".
كانت أول دعوة لي بهذا الشأن في حفل تكريم أوائل الثانوية العامة في 22 يوليو 2013، وكانت أول دعوة "سياسية" لي بالشأن ذاته في لقائي مع رئيس ورموز حزب التجمع في أول سبتمبر 2013. ولقد كان لمبادرة "القادة الجدد" بعد أن طرحتها أمام الرأى العام في حزب التجمع صدى واسعًا لدى أوساط الشباب الذين التقيت وفدين منهم في رئاسة الجمهورية، وقد ضم الوفدان شبابًا من أحزاب وحركات وقوى سياسية ومجتمعية متعددة، وتشرفت باستقبالهم في قصر الاتحادية في يومي 17 و22 سبتمبر 2013.
ولقد تواصل معي منذ حديثي الأول مع أوائل الثانوية العامة وحتى اليوم عددًا متميزًا من ذوي التعليم المرموق وذوي العقليات والمهارات الرفيعة.. وقد أبلغني بعضهم مؤخرًا بشروعهم في تأسيس وتبني مبادرة "القادة الجدد" عبر منتدي غير حكومي وبدء الإجراءات الرسمية اللازمة لذلك.
إن فكرة "القادة الجدد" هي فكرة المستقبل.. كيف يمكن بناء الجمهورية الجديدة? كيف تتجاوز مصر حالة "الإنتظار" إلى وضع "الإنطلاق"، وكيف نصيغ خريطة نهضة حقيقة لمصر 2020 وحتى مصر 2050 على نحو ما يخطط العالم المتقدم، لقد كنت عضواً في ذلك الفريق البحثي الذي وضع الدراسة الشهيرة "مصر 2020" برعاية الدكتور "كمال الجنزوري" عام 1998.. وقد عملت مع أساتذتي "إسماعيل صبري عبدالله" و"إبراهيم العيسوي" و"مختار الحلوجي" في الجزء الخاص بالعلاقة بين العلوم السياسية والعلوم الطبيعية. ولكم كان محزنًا أن يتوارى هذا المشروع الكبير، وأن يأتي الدكتور "عاطف عبيد" لاحقًا ليهيل التراب على ما سبق.. ولتضيع جهود مائة باحث وخبير بين أيدي مسئول غير مسئول.
ولقد حاولت مع عدد من النشطاء في أعقاب ثورة يناير تأسيس مبادرة باسم "طنطا 2020".. وفي ما بعد التقيت نشطاء متميزين من محافظة القليوبية بدأوا بالفعل مشروع "بنها 2020".. ومؤخرًا التقيت نخبة شبابية باهرة لديهم مشروع متكامل يمتلئ بالمعرفة والأمل باسم "كفر الشيخ 2020".
إنني واحد ممن يملكون الكثير جدًَا من الأمل.. ولكني كثيرًا ما أجد شبابًا أكثر أملاً وثقة في أنفسهم وفي بلادهم.. وإنه لمن الضروري أن يجتمع هؤلاء النابهون جميعًا في إطار شامل لإطلاق قادة المستقبل.. أو القادة الجدد.
وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية توجد مؤسسة بهذا الإسم.. مهمتها تأهيل المدرسين ومسئولي العملية التعليمية لدعم قدرات ومهارات الأطفال ليكونوا قادة المستقبل.. إنهم يقولون لكل الأطفال: "أنتم مؤهلون جميعًا للنجاح.. أنتم مؤهلون جميعًا للقيادة"..
بلادكم تنتظركم". وتوجد أيضًا مؤسسة مشابهة وهي مؤسسة أهلية غير حكومية ولا تهدف إلى الربح وتقول إنها لا تدعم أي جهة سياسية، وقد أعلن مسئولوها أنهم انتهوا من إعداد (1600) من القادة الجدد في الفترة من عام 2006 وحتى عام 2013 وأنها تتطلع لإعداد عشرة آلاف من القادة الجدد حتى عام 2020.
وتحتاج مصر إلى مثل هذه المؤسسة لأجل تجديد وتعظيم النخبة المصرية. إن النخبة الجديدة ينبغي أن تكون جاهزة للسلطة والنهضة معًا.. وليس مفيدًا أن يكون الهدف هو مجرد التحصل على منصب أو الصراع على السلطة.. بل الهدف الأعظم والأنبل هو بناء الوطن وإنجاز المشروع الحضاري المصري.
تحتاج مصر إلى نخبة تكفي لمناصب: "الرئيس والرئاسة.. الحكومة والوزارت.. المحافظون والمحليات.. الشركات والمؤسسات.. الأحزاب والنقابات". تحتاج مصر إلى ما يقرب من ثلاثين وزيرًا وستين نائبًا ومائة وعشرين مساعدًا، كما تحتاج إلى العدد نفسه من المحافظين.. وتحتاج بلادنا إلى قيادات لعدد (183) مركزًا و(216) مدينة و(76) حيًا و(1179) وحدة محلية و(4641) قرية و(26757) كفرًا ونجعًا وعزبة. تحتاج المنطقة الجنوبية في القاهرة وحدها إلى قادة لعدد (8) أحياء و(9) أقسام.. وتحتاج المنطقة الشمالية إلى قادة لعدد (7) أحياء و(12) قسمًا.. وتحتاج المنطقة الشرقية إلى قادة لعدد (8) أحياء و(13) قسمًا.
تحتاج مصر إلى قادة في المجالس المحلية في خمسة مستويات: المحافظة والمركز والمدينة والحى والقرية. لدينا إذن ثلاثون ألف قرية وكفر ونجع وعزبة.. يحتاجون إلى مائة ألف ترشيح ليتم اختيار الثلث.
وهكذا بعملية حسابية بسيطة تحتاج مصر إلى مليون شخص مؤهل للمشاركة في الإدارة والقيادة والعمل العام.. ليصل منهم عشرة بالمائة إلى القائمة القصيرة للترشيحات ليتم اختيار ثلثهم في مجمل الوظائف من "الاتحادية" إلى "العزبة".. أى ثلاثون ألفًا من مائة ألف من مليون من مائة مليون نسمة.
اللحظة فارقة.. لنبدأ الآن- أو قبل الآن، لأجل تقديم "مصر الحضارية" التي غابت ملامحها وسط "مصر السياسية".. لأجل تقديم الذين يعلمون ويعملون والإطاحة بتحالف عديمي الموهبة الذي يتصور خطأ أنها اللحظة السانحة لكي ينمو ويتمدد.. بل إنها اللحظة السانحة لإنهائه تمامًا والدفع به إلى خارج التاريخ.