«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهيمن
نشر في الفجر يوم 08 - 10 - 2013

هيمن على شيء أي سيطر عليه .. و(المهيمن( أي المسيطر، وهو اسم من أسماء الله الحسنى. فالحق سبحانه وتعالى مهيمن على كونه منذ لحظة خلقه .. وهيمنته مستمرة إلي أن تقوم الساعة، فينال كل عامل جزاء عمله. وهذه الهيمنة الإلهية لها صور وآثار لا تحصى .. منها أن كل شيء يحدث في الكون يحدث بأمره عز وجل .. الخلق كان بأمره كما جاء في الحديث القدسي: "كنت كنزا مخفيا فأردت أن اعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني" وبعد الخلق .. كل شيء يحدث في الكون يحدث بأمره عز وجل ومشيئته، وأمر الله عز وجل لا يقف دونه حائل، وهذا من مقتضيات الهيمنة كما قال عز وجل: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون "82" (سورة يس(
وكما قال: والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون (سورة يوسف 21(
جميع المخلوقات الكونية تؤدي عملها بأمره عز وجل .. السفن العملاقة التي تجري في البحر، تجري بأمره .. فإذا قيل أنها تسير وفقا لقانون الطفو كقول أدعياء العلم!! نقول لهم إن أمر الله هو الذي أوجد هذا القانون .. فهو الذي شاء للأجسام الأقل كثافة من الماء أن تطفو على السطح، والأكبر كثافة أن تغوص .. ولو شاء أن تغوص كل الأجسام في الماء لغاصت .. ولرصد العلماء هذه الظاهرة وصار القانون أن جميع الأجسام تغوص في الماء، لذلك يقول سبحانه وتعالى:وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون "41" وخلقنا لهم من مثله ما يركبون "42" وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون "43" إلا رحمةً منا ومتاعاً إلي حينٍ "44" (سورة يس(
ويقول أيضا: وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره (سورة إبراهيم 32)
الشمس والقمر وسائر الكواكب والنجوم كلها تدور في فلكها بأمره عز وجل .. وهذه المسألة أعيت الشيوعيين الملحدين والذين يفسرون نشأة الكون تفسيرا ماديا حيث جاءوا عندها وتساءلوا: إذا كنا قد فسرنا نشأة الكون على أنها حاصل وتراكمات للعديد من التفاعلات الكيميائية عبر ملايين السنين .. فكيف نفسر هذا النظام المحكم الدقيق لحركة الأفلاك؟ ولكن القرآن الكريم يجيب على هذا التساؤل إجابة شافية فيقول: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين "54" (سورة الأعراف(
فإليه ترجع عاقبة الأمور .. هو الذي يفصل فيها بإرادته .. وإرادته نافذة، ومشيئته متحققة .. وفي ذلك يقول جل وعلا: ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلي الله ترجع الأمور "109" ( سورة البقرة(
ويقول سبحانه: ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وإلي الله ترجع الأمور (سورة الأنفال 44(
والله عز وجل لا يهيمن على الظواهر الكونية فحسب .. بل تمتد هيمنته لتشمل الأحداث البشرية .. كلها تحدث بأمره، وفي ذلك يقول جل وعلا: ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير "22" لكلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ "23" (سورة الحديد(
ومن مظاهر هذه الهيمنة الإلهية أيضا أنه سبحانه وتعالى يعلم كل صغيرة وكبيرة في كونه .. وهذا أمر بديهي لأنه الخالق؛ ولأن كل ما يقع في الكون يقع بأمره .. وقد أكد عز وجل هذه الحقيقة فقال: وعنده مفاتح الغيب لا يعلهما إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ "59" (سورة الأنعام(
ويقول سبحانه: وما تكون في شأنٍ وما تتلوا منه من قرآن ولا تعلمون من عملٍ إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتابٍ مبين "61" (سورة يونس(
ومن هيمنته سبحانه وتعالى أنه يتولى كونه بالرعاية والحفظ .. حتى يظل هذا الكون على ما هو عليه من ثبات ومن نظام محكم دقيق .. ولو كان تبارك وتعالى ممن تأخذهم سنة أو نوم لاختل النظام الكوني وانتهى إلي الفناء والعدم، ويخبرنا الحق جل وعلا عن هذا الثبات الكوني والذي هو حادث بهيمنته عز وجل فيقول:والشمس تجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم "38" والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم "39" لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلكٍ يسبحون "40" (سورة يس(
المخلوقات الكونية جميعها تلتزم مداراتها الخاصة، فلا يخرج كوكب عن مداره ليصدم كوكبا آخر .. كل مخلوق يعرف مكانه ويعرف عمله فلا يخرج عن هذا ولا ذاك. وقد ذكرنا من قبل أن من الصفات الخاصة للحق جل وعلا القيومية والتي تعني قيامه بنفسه قياما مطلقا .. أي لا يحتاج إلي غيره في شيء .. فهو جل وعلا موجود غير مخلوق .. فلا خالق له حتى يشعر بالافتقار إلي خالقه وهو سبحانه لا يجوع فيحتاج إلي طعام .. أو يعطش فيحتاج إلي شربة ماء .. ولا يتعب فيلتمس الراحة في استرخاء أو نوم أو حتى سنة من النوم .. ولا يشعر بوحشة فيحتاج إلي مؤنس أو صاحبة أو ولد.
وكما أنه تبارك وتعالى قائم بذاته فإنه مقيم لغيره .. فمخلوقاته قائمة به منذ أن خلقها ووفر لها مقومات حياتها .. وهو الذي تكفل برعايتها وحفظها حتى تؤدي غاية الله من خلقها. وحفظ المخلوقات من أظهر الآثار على هيمنة الحق جل وعلا على كونه، فلو أنه لم يتول هذه المخلوقات بالرعاية والحفظ لما دامت على ما هي عليه، ويخبرنا عز وجل عن هذا الحفظ فيقول: الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيءٍ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم "255" (سورة البقرة(
وهذه الآية الكريمة تشير إلي حفظ الحق جل وعلا لملكه سواء أريد بهذا الحفظ .. الحفظ من الخلل والأعطاب والفناء، أو أريد به الحفظ من حيث العدد والصفات وما إلي ذلك، فالحفظ بمعنييه متحقق بالنسبة لله عز وجل. ويجب أن نأخذ قول الحق (وسع كرسيه( في إطار ليس كمثله شيء، والكرسي في اللغة من الكرس، والكرسي هو التجميع، ومنه الكراسة وهي عدة أوراق مجمعة.
وكلمة "كرسي" استعملت في اللغة بمعنى الأساس الذي يبني عليه الشيء، فمادة (الكرس( الكاف والراء والسين تدل على التجميع، وتدل على الأساس الذي تثبت عليه الأشياء، فنقول: اصنع لهذا الجدار كرسيا، أي ضع لهذا الجدار أساسا يقول عليه. وتطلق على القوم العلماء الذين يقوم بهم الأمر فيما يشكل من الأحداث، والشاعر العربي قال: "كراسي في الأحداث حين تنوب" أي يعتمد عليهم في الأمور الجسيمة. وحين ينسب شيء من ذلك للحق سبحانه وتعالى، فإن للسلف هنا كلاما، وللخلف كذلك.
يقول السلف: كما قال الله نأخذها ولكن نضع كيفيتها وتصورها في إطار (ليس كمثله شيء( وبعضهم قال: نؤولها بما يثبت له صفة من الصفات، كما يثبتون قدرة الحق بقوله الحكيم: يد الله فوق أيديهم (من الآية 10 سورة الفتح)
أي أن قدرة الله فوق قدرتهم، وكما قال سبحانه عن قدرته في الخلق: والسماء بنيناها بأييدٍ وإنا لموسعون "47" (سورة الذاريات)
إن كمال قدرة الله أحكم خلق السماء، والحق سبحانه مقدس ومنزه عن أن يتصور المخلوق كلمة (يد( بالنسبة له. ونحن نقول: الله قال ذلك فيجب أن نأخذها كما قال، لأنه سبحانه أعلم بذاته ونفسه، ونحيلها إلي كونه تعالى ليس له شبيه أو نظير.
والعلماء قالوا عن الكرسي: أنه ما يعتمد عليه، فهل المقصود علمه؟ نعم. وهل المقصود سلطانه وقدرته؟ نعم، لأن كلمة (كرسي( توحي بالجلوس فوقه، والإنسان لا يجلس إلا إذا استتب له الأمر ولذلك يسمونه (كرسي الملك( لأن الأمر الذي يحتاج إلي قيام وحركة لا يجعلك تجلس على الكرسي، فعندما تقعد على الكرسي، فمعنى ذلك أن الأمر قد استتب، إذن فهو بالنسبة لله السلطان، والغلبة والقهر، والقدرة.
أو نقول: مادام قال: (وسع كرسيه السماوات والأرض( فالقصد دخول السماوات والأرض في وسعه واحتماله .. ونحن نعلم أن السماوات والأرض وما فيهن كائنات كبيرة بالنسبة لنا .. فعندما يقول الحق عز وجل: أن الكرسي قد وسعها .. نفهم من ذلك أن الكرسي أعظم من السماوات والأرض أي دخل في وسعه السماوات والأرض.
ولذلك يقول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال: يا أبا ذر: ما السماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة. وان فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة.
والبشرية بكل ما وصلت له من إنجازات علمية قد وصلت إلي القمر فقط وهو مجرد ضاحية من ضواحي الأرض، ومفصول عنا بمسافة تقاس بالثواني الضوئية. ولقد تعودنا في حياتنا أن نستخدم وحدات الميل والكيلومتر لقياس الأطوال والأبعاد الكبيرة، لكننا اكتشفنا أن هذه الوحدات ليست ذات نفع في قياس أبعاد النجوم، فالشمس مثلا تبعد عن الأرض ثلاثة وتسعين مليون من الأميال، لذلك وضع علماء الفلك وحدة ملائمة لقياس أبعاد النجوم وهي ما نسميه بالنسبة الضوئية .. ونحن نذهل عندما نعرف أن بعض النجوم يصل ضوؤها إلينا في خمسين سنة ضوئية، كل ذلك ونحن لم نصل بعد إلي السماء الدنيا، فما بالنا ببقية السماوات؟
إذن فحدود ملك الله فوق تصورنا .. لذلك نتساءل أي عظمة هي عظمة كرسي ذي الجلال والإكرام؟ الحق عز وجل يقول: (وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما( ومعنى أده الشيء .. أي أثقله. وحتى نفهم ذلك هب أن إنسانا يستطيع أن يحمل عشرة كيلو جرامات، فإن زدنا هذا الحمل إلي عشرين من الكيلو جرامات فإن الحمل يثقل عليه، ويجعل عموده الفقري معوجا حتى يستطيع أن يقاوم الثقل، فإن زدنا الحمل أكثر فقد يقع الرجل على الأرض من فرط زيادة الوزن!
إذن فمعنى (ولا يؤوده حفظهما( أي أنه لا يثقل على الله حفظ السماوات والأرض .. إن السماء والأرض وهما فوق اتساع رؤية البشر، قد وسعهما الكرسي الرباني. وقال بعض المفسرين: إذا كان الكرسي لا يثقل عليه حفظ السماوات والأرض فما بالنا بصاحب الكرسي؟ هاهو ذا الحق سبحانه وتعالى يطمئننا فيقول:إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده إنه كان حليماً غفوراً "41" (سورة فاطر(
إنه الحق وحده تبارك وتعالى الذي يحفظ السماوات والأرض في توازن عجيب ومذهل، ولئن قدر لهما أن تزولا .. فلن يحفظهما أحد بعد الله، أي لا يستطيع أحد إمساكهما، فهما قائمتان بقدرة الواحد القهار، وإذا أراد الله أن تزولا فلا يستطيع أحد أن يمسكهما ويمنعهما من الزوال. وقد بدأ الحق جل وعلا آية الكرسي بإثبات بعض الصفات له وهي الحي .. القيوم .. وكونه تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم .. ويستلزم قيوميته أو قيامه سبحانه وتعالى بذاته وإقامته لغيره .. ويستلزم أن يكون له الملك حتى يتصرف في ملكه كيف يشاء. ويحدثنا تبارك وتعالى عن هذا الحفظ وهذه الرعاية الدائمة فيقول: ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين "16" كل شيطانٍ رجيمٍ "17" إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين "18"( سورة الحجر)
ويحدثنا عز وجل عن حفظه لبني آدم فيقول: وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظةً حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون "61" ثم ردوا إلي الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين "62" قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفيةً لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين "63" قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون "64" (سورة الأنعام(
ومن مظاهر هيمنة الحق عز وجل على ملكه أنه يملك أن يزيد فيه أو ينقص منه ما يشاء ويعطينا عز وجل مثال على ذلك في قوله تعالى: الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير "1" (سورة فاطر)
والكون ليس أزليا أبديا كما يعتقد بعض الملحدين .. فلا جدال في كونه مخلوق له بداية لم يكن موجودا قبلها، واستمراريته على هذا النحو من الثبات والانتظام ترجع إلي رعاية وحفظ الله له، وحين تشاء إرادته عز وجل لهذا العالم أن ينتهي .. سينتهي وسيختل النظام، وهذا ما سيحدث يوم القيامة، كما صوره الحق في العديد من الآيات القرآنية فقال سبحانه: إذا زلزلت الأرض زلزالها "1" وأخرجت الأرض أثقالها "2" وقال الإنسان ما لها "3" يومئذٍ تحدث أخبارها "4" بأن ربك أوحى لها "5" يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم "6" فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره "7" ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره "8" (سورة الزلزلة)
وقال عز وجل: إذا السماء انشقت "1" وأذنت لربها وحقت "2" وإذا الأرض مدت "3" وألقت ما فيها وتخلت "4" وأذنت لربها وحقت "5" يا أيها الإنسان إنك كادح إلي ربك كدحاً فملاقيه "6" (سورة الانشقاق(
وكما قال سبحانه: القارعة "1" ما القارعة "2" وما أدراك ما القارعة "3" يوم يكون الناس كالفراش المبثوث "4" وتكون الجبال كالعهن المنفوش "5" فأما من ثقلت موازينه "6" فهو في عيشة راضيةٍ "7" وأما من خفت موازينه "8" فأمه هاوية "9" وما أدراك ما هيه "10" نار حامية "11"( سورة القارعة(
جميع الآيات السابقة تصف لنا هول القيامة، ونفهم منها أن هذا الثبات وهذا النظام الدقيق المحكم الذي ظن الملحدون أنه أزلي أبدي سوف يتحطم وينقلب رأسا على عقب، وساعتها سيدرك الجميع أن الكون كان يسير بأمر الله ورعايته وحفظه، وأنه حين شاء له النهاية .. كانت النهاية. وينبغي ألا ننسى أن هيمنة الحق جل وعلا تمتد لتشمل قلوب عباده، ويوم القيامة خير دليل على ذلك .. فالناس في هذا اليوم قسمان:
قسم تبلغ قلوبهم الحناجر من شدة الخوف والرعب .. وقسم من الفزع يومئذ آمنون .. فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. وليس أدل على ذلك من أن الموقف يوم القيامة موحد على الجميع ولكن المشاعر شتى .. فندعوه سبحانه وتعالى أن يهيمن على قلوبنا يوم الفزع الأكبر ويهبنا الثبات والسكينة والطمأنينة .. فهو عز وجل كما وصف نفسه: هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23"(سورة الحشر(.
[ عودة للقائمة الرئيسيّة ]
//--


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.