الإدارية العليا تبدأ نظر 300 طعن على نتائج المرحلة الثانية لانتخابات النواب    قرار هام من القضاء الإداري بشأن واقعة سحب مقررين من أستاذ تربية أسيوط    انتخابات متعثرة.. إلا قليلًا    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    الرئيس السيسي يوجه بإطلاق حزمة التسهيلات الضريبية الثانية    استقرار أسعار الخضراوات داخل الأسواق والمحلات بالأقصر اليوم 7 ديسمبر 2025    هيئة الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بإمساك بعض السجلات    أسعار الأسماك بسوق العبور اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025    مصر تنضم إلى مركز المعرفة للتغطية الصحية الشاملة UHC Hub    وزير الخارجية يبحث تطورات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي    كلمة مصر هى العليا    تقارير: الدورى السعودي يستعد لاستقطاب محمد صلاح براتب أكبر من رونالدو    جيش الاحتلال يكثف عمليات هدم الأحياء السكنية ويوسع "الخط الأصفر" في قطاع غزة    هزتان ارتداديتان قويتان تضربان ألاسكا وكندا بعد زلزال بقوة 7 درجات    القوات الروسية تسقط 77 طائرة مسيرة أوكرانية الليلة الماضية    ارتفاع عدد قتلى حريق بملهى ليلي إلى 25 بينهم 4 سائحين بالهند    الفراعنة قادمون فى كأس الأمم الإفريقية بالمغرب    حبس الحكم العام و3 من طاقم الإنقاذ في غرق لاعب السباحة يوسف محمد على ذمة التحقيقات    حسام حسن VS حلمى طولان    من باريس إلى السعودية.. خيارات محمد صلاح في انتقالات يناير بعد خلافه مع سلوت    موعد مباراة ريال مدريد أمام سيلتا فيجو في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    تعرف علي تشكيل ريال مدريد المتوقع أمام سيلتا فيجو في الدوري الإسباني    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى 20 درجة    كثافات مرورية للقادم من هذه المناطق باتجاه البحر الأعظم    ضبط 16 طن زيت طعام في 5 مصانع غير مرخصة ب3 محافظات    أمن المنافذ يواصل جهوده.. ضبط جرائم تهريب وتنفيذ 189 حكما قضائيا فى يوم واحد    الأمن يضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل ترويجها بالسوق السوداء    التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا بمحافظات الجمهورية خلال نوفمبر الماضي    «ميلانيا» تفتح أبواب الجحيم    الحكم على «الست» قبل المشاهدة.. باطل    روجينا تبدأ تصوير مسلسل "حد أقصى" وتحتفل بأولى تجارب ابنتها في الإخراج    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    وزير الصحة يعلن اليوم الوضع الوبائى لإصابات الأمراض التنفسية    مستشفى كرموز تجح في إجراء 41 عملية لتغيير مفصل الركبة والحوض    وزارة الصحة توضح أعراض هامة تدل على إصابة الأطفال بالاكتئاب.. تفاصيل    تعليمات من قطاع المعاهد الأزهرية للطلاب والمعلمين للتعامل مع الأمراض المعدية    هل تعلم أن تناول الطعام بسرعة قد يسبب نوبات الهلع؟ طبيبة توضح    المتهم بقتل زوجته فى المنوفية: ما كنش قصدى أقتلها والسبب مشاده كلامية    تداول 16 ألف طن و886 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    حضر التلاميذ وغاب المدرسون، استياء بين أولياء الأمور بسبب غلق أبواب مدرسة بمطروح    وزير الرياضة يهنئ محمد السيد بعد تتويجه بذهبية كأس العالم للسلاح    نظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    الخشت: تجديد الخطاب الديني ضرورة لحماية المجتمعات من التطرف والإلحاد    مواعيد مباريات الأحد 7 ديسمبر 2025.. ختام المجموعة الأولى بكأس العرب وريال مدريد وقمة إيطالية    نظر محاكمة 9 متهمين بقضية خلية داعش عين شمس اليوم    رئيس جامعة حلوان: منتدى اتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية منصة لتبادل الخبرات    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    كان معاه 20900 جنيه.. "اهل مصر" تنشر اعترافات أحد سماسرة الأصوات بقنا    جيروم باول يتجه لخفض أسعار الفائدة رغم انقسام الفيدرالي الأمريكي    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 7 ديسمبر    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الإيراني تطورات الملف النووي والحلول الدبلوماسية لخفض التصعيد    إنقاذ شخص من الغرق في نهر النيل بالجيزة    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    "ولنا في الخيال حب" يفاجئ شباك التذاكر... ويُحوِّل الرومانسية الهادئة إلى ظاهرة جماهيرية ب23 مليون جنيه    الإمام الأكبر يوجِّه بترميم 100 أسطوانة نادرة «لم تُذع من قبل»للشيخ محمد رفعت    خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعا عن الحرية الإنسانية    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد يونس يكتب:مع جراحى باحن إليك
نشر في الفجر يوم 22 - 08 - 2013

كنا داخل سيارتها آخر الليل عند سفح الهرم، عندما قالت لى ما ترجمته عن الإسبانية: أنا خلاص! ما بقيتش قادرة على العيشة دي! خلاص! حقيقى ما بقيتش قادرة! شىء ما، عذب بقدر ما هو ملبد بالأسى، كان يترقرق فى عينيها نصف المغمضتين، كأنهما نافورتان مجهدتان فى أواخر المساء تغالبان النعاس خوفاً حتى من الحلم، كانت ترتعش، الخدان والشفتان واليدان والساقان والقدمان، كلها ترتعش، ليس فقط من الفزع أو البرد أو الغضب، إنما أيضا من تهتك حاد فى أنسجة الروح، عندما أضافت: المرأة التى تستغيث بى فى صمت، كلما نظرت الىّ من على صفحة المرآة، ليست بالتأكيد هى أنا! ابتسامة الموناليزا، كما اعتدت انت دائماً أن تصفها، صارت أقرب ما تكون الى تقطيبة الجدة البائسة فى لوحة الرعاة لبيتر بروجل، تعالى معى إلى بلاد أخرى ليست غريبة عنك، بلاد تعرض من واقع تجاربك أن أحداً لن يضطهدك فيها لرأى أبديته فى بؤرة فساد عريتها أو موقف دافعت عنه، ولا يوجد أدنى احتمال فى أن تمر على أرضها بمحاولة اغتيال بشعة، كتلك التى تعرضت لها منذ سبعة أعوام، تعالى معى إلى بلاد لا تتطرق إلى ذهن أحد من كبارها فكرة أن يصفيك جسدياً بإشعال النار فى المنزل بأكمله، أو من خلال حقنك بالهواء فى الوريد، أو يبعث بمن يسكب البنزين فى عينيك، بكل ما يترتب على ذلك من أوجاع مزمنة لن تبرأ منها ما حييت!

ولم أجد فى صوتها المشروخ تلك الحديقة الشهرزادية التى طالما غفوت على حفيف أشجارها المستحمة بقطر الندى، أتظن أننى لا أسمعك بالليل، حين تغلق على نفسك باب حجرة المكتب، لتئن بمفردك من الألم؟ ألأننى أسكت تخيلت أننى لم آخذ بالى منذ الوهلة الأولى، من أنك لا تبالغ فى التظاهر بالمرح، إلا لتخفى ما بك من حرائق؟ تعالى معى نستظل بسماء أخرى لا تسرق تحت قبتها أعمارنا عصابات المزورين أو قتلة الأطفال أو خبراء التعذيب أو مصاصى الدماء أو النخاسين الجدد، ولا تمطر طوال النهار نكداً ومجازر وكوابيس ومحارق ومغارق وسحابات سوداء!

قلت: ليت هذا فى إمكاني! ليتنى أستطيع، كيف أرحل بعيداً، وأنا كلى هنا، موزع على ذرات التراب ونشوق العواجيز فى القرى، وعلى الغبار الذى يتساقط من الشفق فى الأمسيات الموحشة ليتناثر فوق أسطح البيوت المجللة كلها بالحداد؟ إلى أين أذهب، والوطن بالنسبة لى ليس فندقاً، إذا لم تعجبنا الخدمة فيه، بحثنا عن غيره؟ الوطن بالنسبة لى هو المكان الذى نعانى فيه بمحض إرادتنا! كيف أرحل بعيداً، وأنا مخلوط بعجينة الحناء ورماد الفرن وخميرة الخبيز والكحل فى عيون الصبايا وتشابك الحروف فى عبارات التهانى والعزاء؟ كيف وأنا بعد كل هذه السنين، ماأزال أتحين الفرصة لأقف على الرصيف أيام الاجازات، كما اعتدت فى طفولتى البعيدة، أمام النافذة التى طالما انتظرت، ليلاً أو نهاراً، صيفاً أو شتاء أن تطل من خلف شيشها بنت الجيران، لمن أترك الطرقات التى تجسدت بمرور الوقت، داخلى من الرأس حتى القدمين، على هيئة أوردة وشرايين تموج بالصخب، لمن أترك شارع الجبلاية، وكوبرى الجامعة وحوارى سيدنا الحسين والقلعة والمغربلين ودير الملاك، وبائعات الفل فى ميدان التحرير، وقوارب العشاق على صفحة النيل ساعة المغربية؟ من ذا الذى سأئتمنه على الكورنيش من المعمورة إلى العجمى، وعلى الشماسى وجرادل الأطفال الملونة وصخرة ميامى وقصور بنيانها فوق الرمال وبير مسعود؟ من ذا الذى سأئتمنه على الوعود والعهود والتنهدات، وعلى تلامس الأيدى والشفاة خلف الكبائن فى هجعة الظهر الأحمر، وعلى الذرة المشوية والفريسكا والسينالكو وغزل البنات وعبدالحليم يغنى من الترانزيستور: مع جراحى باحن إليك، باحن إليك، من سيروى بماء الحنين الأخضر كلاماً سكبته فى آذان صديقاتى، بكل ما فى الدنيا من صدق عن المستقبل الأقل قبحاً، أو الحياة الأقل ظلماً فى وطن أقل تعاسة؟ إلى أين أذهب وأنا أريد عندما يحين الأجل أن أرقد الى جوار أبى، وأن يؤنس فى وحشة القبر كل منا الآخر، استحضار ساعات طويلة قضيناها معاً فى الشرفة بالقاهرة أو الاسكندرية، أوبصحبة الفلاحين الحزانى فى ظل السواقى الحزينة، نتحدث بصوت خافت، كأنما نحن لا نريد أن نفرغ بأخبارنا فى هذا الزمن الأغبر أرواح أحبائنا النائمين تحت التراب، نتحدث همساً عن عذابات الفقراء ودونية الكهنة وشراهة رجال الأعمال ودموية العسكر ومذابح الطغاة وحلم التغيير، وعن الليل الذى لا نهاية له، وعن الشقاء الإنسانى، أقسم لك أننى - مهما حاولت- لن أستطيع! ليس هذا فى مقدورى أصلاً، ولا عمرى تصورت أن حدوثه وارد، أقسم لك بهاتين الغمازتين اللتين يحسدك عليهما قوس قز، أنا لا أتخيل مجرد فكرة الرحيل إلا بهدف الدراسة كما فعلت، لا أتخيل مجرد فكرة الرحيل إلى الأبد، تاركاً أرصفة الشوارع المهمشة أو المناطق العشوائية أو سكان القبور، تاركاً التفرقة العنصرية السافرة التى يمارسها نازيو الجيستابو الجديد فى «أزهى عصور الديمقراطية وحقوق الإنسان» ضد الملايين الثمانية من متحدى الإعاقة أو آلاف الجياع الذين ينامون شبه عراة تحت الكبارى فى عز الشتاء.

سافرى أنت بالسلامة، ولا تخافى على، لا يوجد ما يدعو الى الخوف على مثلى، ألست أنت من اتهمنى دائماً بتحجر المشاعر، ما الذى يقلقك إذن؟ اطمئنى على الآخر، وتأكدى من أننى لن أبتئس لفراقك، ولا سأفتقد لمسة يدك على جبهتى، وأنت تسألين: ماذا بك؟ هل أنت مريض؟ إلى متى ستظل تحمل الكرة الأرضية فوق رأسك المثقل بالهموم؟ اطمئنى على الآخر، وتأكدى من أننى لن أقطع البيت جيئة وذهاباً، المرة تلو الأخرى، كالمدمن الذى تأخر عليه موعد الجرعة، باحثاً على المخدة أو بين أسنان المشط أو حتى فى هواء الحجرات عن عطر ضفائرك، ولا سيقتلنى الشوق إليك، ولا سأبكى قليلاً على انفراد، كلما فتحت باب الشقة لأجدها بدونك، ولا أى حاجة خالص


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.