تنشرالفجر تباعاً خلال شهر رمضان المبارك مجموعة من الفتاوى التي زوّدتنا بها دار الإفتاء الفلسطينية .. 1- ما حكم من أكل أو شرب من الليل ظاناً أن وقت أذان الفجر لم يدخل، أو أكل آخر النهار ظاناً أن وقت أذان المغرب قد دخل، ثم تبيَّن له عكس ذلك؟
الجواب: فمن أكل أو شرب وهو يظن أن الفجر لم يطلع (لم يؤذن له) وقد كان طَلَع (أي أذن للفجر)، أو أفطر وهو يظن أن الشمس قد غابت، ولم تَغِبْ (أي لم يؤذن للمغرب حقيقة)، أو سمع أذان المغرب من التلفاز، لدولة تسبقنا في غروب الشمس، فظن أن هذا الأذان لبلادنا فأفطر، ثم تبين له عكس ذلك؛ فعليه القضاء وإمساك بقية اليوم؛ فعن أسماء، رضي الله عنها، قالت: «أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي يَوْمِ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، قُلْتُ لِهِشَامٍ: أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ، قَالَ: فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ» [سنن ابن ماجة، كتاب الصيام، باب ما جاء فيمن أفطر ناسياً، وصححه الألباني]، والله تعالى أعلم.
2- غالباً ما يحتاجُ المريضُ إلى تناول الأدوية، وتعاطي العلاج، وهو صائِمٌ؛ فما الذي يُفَطِّرُ الصَّائمَ من الأدوية والعلاج، وما الذي لا يُفَطِّرُه؟
الجواب: فقد اجتهد علماؤنا الأجلاء في بيان ما يُفَطِّرُ الصائم، وما لا يُفطِّره؛ قياساً على الطعام والشراب والجِمَاع، وما في حكمها، مِما أجمع أهل العلم على أنه مُفَطِّرٌ؛ كالدُّخَّان، والشيشة، والأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم، وغيرها، وجعلوا ضابط ذلك؛ أنَّ كلَّ ما دخل الجَوْفَ من المنافذ الطبيعية يُعَدُّ مُفَطِّراً، وذكروا أشياء كثيرة من ألوان المفطِّرات، على اختلاف بينهم فيما يُعَدُّ منها مُفَطِّراً، وما لا يُعَدُّ.
والمُرَجَّحُ الذي تطمئن إليه النفس، وتؤيده الأدلة الصحيحة، أن كثيراً مِمَّا عَدَّهُ العلماء من المفطِّرات ليس كذلك، وأنَّ القولَ بالتضييق في مجال المفطِّرات لَهُ وَجَاهَتُهُ؛ لِضَعْفِ ما اتَّكَأوا عليه من القياس، وعدم قيام الأدلة القوية على ما ذهبوا إليه، مع ظهور الحاجة إلى مَعْرِفتِه وبَيَانِه، وهذا مَذْهَبُ شيخِ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، وبه قال المُنَجِّدُ وغيره، وهو المعتمد عند كثير من المجامع الفقهية، ولجان الفتوى في العالم الإسلامي.
وحيث إن شريعة الإسلام تقوم على التيسير، ورفع الحرج عن المكلفين، وأنَّ المشقة تَجلِبُ التيسير، لقول الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك معللاً لرخصة إفطار المريض والمسافر، بقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وبناء عليه فإننِا نرى أنَّ الأمور الآتية لا تُعَدُّ مِن المُفطِّرات:
1 قطرة العين، والأذن، والأنف، وغسيل الأذن، إذا تَجنَّبَ ابتلاع ما نفذ منها إلى الحلق.
2 بَخَّاخُ الربو (الأزمة) الذي يستعمله مريض الربو عند الإحساس بضيق في الصدر.
3 حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، على أن يَتَجَنَّبَ ابتلاع الدم وغيره.
4 الحقن الدوائية الوريدية أو العضلية أو الجلدية، باستثناء الحقن الوريدية المغذية؛ كالجلوكوز.
5 التبرع بالدم ما لم يُضْعِفْ الصائم، أو أخْذُ عَيِّنَةٍ من الدم للفحص المُختبري.
6 منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل أو مواد أخرى.
7 إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء، أو إجراء عملية جراحية لها.
8 إدخال قسطرة في الشرايين لتصوير أوعية القلب، أو غيره من الأعضاء.
9 ما يدخل مجرى البول من قسطرة، أو منظار، أو صبغة للأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.
10 ما يدخل الشرج من حقنة شرجية، أو تحاميل، أو منظار، أو إصبع طبيب فاحص.
11 ما يدخل المهبل من تحاميل، أو غسول، أو منظار، أو لولب ، أو عند الفحص الطبي باليد.
12 التخدير الجزئي عن طريق الأنف، والتخدير المَوْضِعِي بالحُقَن.
13 العمليات الجراحية بالتخدير العام، إذا بَيَّتَ المريضُ نِيَّةَ الصيام من الليل، ولم يُعْطَ شيئاً من السوائل أو المحاليل المغذية، وهذا نادر حدوثه.
15 المضمضة، والغرغرة، وبَخَّاخ العلاج الموضعي للفم، إذا اجتنب ابتلاع شيء منها.
ولا يفوتنا في الختام أن نسجل الملاحظات الثلاث الآتية:
أ- ينبغي للطبيب أن ينصح المريض بتأجيل ما لا يَضُّرُّ تأجيلُه إلى ما بعد الإفطار، من صور المعالجات المذكورة سابقاً؛ عملاً بالأحوط.
ب- إذا كان المريض في الحالات السابقة مَمَّنْ يُضْعِفُه الصيامُ، أو يؤخِّرُ شِفَاءَهُ، أو يَزِيدُ مِنْ مَرَضِهِ، فإنَّه يُستحَبُّ لَهُ الترخُّصُ بالفطر لعُذر المرَضِ، ولا ينبغي له أن يَشُقّ على نفسه بالصيام وعدم تناول العلاج.
ج- يُنصح مريض الفشل الكلوي الذي يحتاج إلى غسيل الدم بالإفطار غالباً؛ لأنَّه يحتاج إلى شرب السوائل، وتنظيم الغذاء والدواء، وعليه الفدية، إلا إذا سمح له الطبيب المختص بالصيام، وفق تعليماتٍ ونصائحَ طبيةٍ يلتزمُ بها، والله تعالى أعلم.