المصريون بالأردن يواصلون الإدلاء بأصواتهم خلال اليوم الثاني لجولة الإعادة لانتخابات النواب    محافظ كفر الشيخ يلتقي أهالي البرلس ويستمع لمطالبهم لتحسين مستوى الخدمات    أسعار الذهب تعاود الصعود مع ترقب بيانات أمريكية    رئيس الوزراء يتابع جهود التنسيق بين السياستين المالية والنقدية لدعم النشاط الاقتصادي    سوريا.. انفجار قنبلة بسيارة تابعة لوزارة الدفاع في دير الزور    الأردن: مصادقة الكنيست على تشريع يستهدف أونروا خرق للقانون الدولي    عاهل الأردن يدعو واشنطن إلى ضم المملكة لبرنامج الدخول العالمي    الزمالك يهزم الأوليمبى 26 - 17 بدورى مرتبط اليد    سكاي: يونايتد وسيتي يتنافسان على سيمينيو.. وشرط جزائي لرحيل اللاعب في يناير    السواد يعم قرية الجبلاو بقنا بعد دفن ضحايا سقوط ميكروباص في الترعة    إحالة أوراق متهم بقتل سيدة في طما إلى مفتي الجمهورية    مصرع شاب تحت عجلات قطار المنوفية    "أم كلثوم.. الست والوطن" فيلم جديد عن كوكب الشرق بالوثائقية    نائبًا عن رئيس الوزراء... وزير الأوقاف يشهد الجلسة الختامية لمؤتمر الإفتاء الدولي    حلمي عبد الباقي يرد على توجيه اتهامات له في التحقيق: غير صحيح    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    وزير الصحة يبحث الموقف التنفيذي لمشروع ميكنة "التأمين الشامل"    بيان رسمي جديد من إدارة الزمالك بعد إجراءات النيابة العامة    صدور رواية "ظل الإمام" للكاتبة نهلة النمر عن مركز الحضارة للتنمية الثقافية    نداهة فرسان الشرق بالرقص الحديث في مسرح الجمهورية    محافظ أسيوط ورئيسة القومي للطفولة والأمومة يفتتحان مقرًا جديدًا لدعم حقوق الطفل|فيديو    قضايا الدولة تشارك النيابة الإدارية في فعاليات ندوة مناهضة العنف ضد المرأة    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل جواهرجى البحيرة إلى يوم 12 يناير    اعتدى على أطفال وصورهم.. تجديد حبس مدرب أكاديمية الكرة بالمنصورة    البورصة تخسر 22 مليار جنيه بختام تعاملات منتصف الأسبوع    إغلاق ملف فيتوريا رسميًا.. تسوية نهائية بين المدرب واتحاد الكرة في «CAS»    ذا بيست.. دوناروما أفضل حارس مرمى في العالم 2025    زلزال بقوة 3.8 درجة على مقياس ريختر يهز أنطاليا التركية    وزير التعليم ومحافظ أسوان يواصلان جولتهما التفقدية بزيارة المدرسة المصرية اليابانية    إطلاق النسخة الثانية من جائزة «الراوي» في احتفالية مميزة بالقاهرة    نهاية قصة "توشيبا العربي" بعد سنوات من التعاقد بمصر    الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدين التهجير القسري وتوضِّح سُبل النصرة الشرعية والإنسانية    اتحاد طلاب دمياط يساهم لأول مرة فى وضع جداول امتحانات الفصل الدراسى الأول    الكشف علي 177 حالة بمبادرة "من أجل قلوب أطفالنا" بمدارس القليوبية    الصحة تُحذر من تخزين المضاد الحيوي واستعماله مرة أخرى    المؤبد ل«عامل» بتهمة قتل شاب في مشاجره بالسلاح الناري بالمنيا    * رئيس هيئة الاستثمار يثمن دور "نَوَاه العلمية" في تعزيز الابتكار والمعرفة ويؤكد دعم الهيئة المستمر للقطاع العلمي    ركيزة في بناء الوعي.. محافظ الغربية يستقبل مدير أوقاف الغربية الجديد    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    هل تلتزم إدارة ترمب بنشر ملفات إبستين كاملة؟ ترقّب واسع لكشف الوثائق قبل الجمعة    ب 90 مليون جنيه، محافظ بني سويف يتفقد مشروع أول مدرسة دولية حكومية    حماس: نطالب بالتحرك العاجل لردع الاحتلال عن استمرار خروقاته    محافظ أسوان: صرف علاج التأمين الصحي لأصحاب الأمراض المزمنة لمدة شهرين بدلا من شهر    ديفيد فان فيل: هولندا ستكون مقر لجنة المطالبات الدولية المرتبطة بحرب أوكرانيا    من المنزل إلى المستشفى.. خريطة التعامل الصحي مع أعراض إنفلونزا h1n1    وزير الرياضة يبحث مع السفير الإماراتي تعزيز التعاون المشترك    توروب يتمسك بمستقبل الأهلي: شوبير عنصر أساسي ولا نية للتفريط فيه    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: الاعتماد مسار شامل للتطوير وليس إجراءً إداريًا    تفاصيل افتتاح متحف قراء القرآن الكريم لتوثيق التلاوة المصرية    دغموم: الزمالك فاوضني من قبل.. وأقدم أفضل مواسمي مع المصري    عاجل- دار الإفتاء تحدد موعد استطلاع هلال شهر رجب لعام 1447 ه    ارتفاع تأخيرات القطارات على الوجه القبلي بسبب الإصلاحات    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    «التضامن الاجتماعي» تعلن فتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه    الجيش الأوكراني يعلن إسقاط 57 مسيرة روسية    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر في سوق العبور للجملة    محمد القس يشيد بزملائه ويكشف عن نجومه المفضلين: «السقا أجدع فنان.. وأتمنى التعاون مع منى زكي»    نقيب أطباء الأسنان يحذر من زيادة أعداد الخريجين: المسجلون بالنقابة 115 ألفا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة المصارة
نشر في الفجر يوم 22 - 06 - 2013

لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ

هذه الكلمات المكلومة وإن قالها أبو البقاء الرندي في رثاء نهاية دولة الإسلام في الأندلس إلا أننا يمكن أن نسقطها على بدايتها في الأندلس.

فها هي جيوش العباسيين تخوض البلاد ثورة على دولة بني أمية والتي كانت فيها نهايتها بعد معركة الزاب جمادى الآخرة عام 132 ه، ولم ننتظر من قلوب العباسيين رحمة، بل كانت الدماء والأشلاء في كل مكان في أحياء دمشق، ولم يترك العباسيون أحدًا من بني أمية صغيرا كان أو كبيرا إلا نالته السيوف الثائرة، ولم يفلت من الموت إلا شاب صغير في ريعان شبابه وفتوته، وقد كان مرشحًا للخلافة في دمشق، لذلك كانت سيوف العباسيين أكثر تربصا له، إلا أن الله تعالى كتب له عمرا جديدًا، ليبني دولة آبائه في المغرب بعد أن طمس نورها العباسيون في المشرق.

إنه صقر قريش عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن سليمان بن عبد الملك بن مروان.

عبد الرحمن بن معاوية .. في الطريق إلى الأندلس
كانت قصة هروب عبد الرحمن الداخل من سيوف العباسيين مثيرة وعجيبة، يحكيها المقري التلمساني فيقول: " خرج مستتراً إلى مصر، فاشتد الطلب على مثله، فاحتال حتى وصل برقة، ثم لم يزل متوغلاً في سيره إلى أن بلغ المغرب الأقصى، ونزل بنفزة، وهم أخواله، فأقام عندهم أياماً ثم ارتحل إلى مغيلة بالساحل، وقيل: بمكناسة، وقيل: بقوم من زناتة، فأحسنوا قبوله، واطمأن فيهم، ثم لحق بمليلة، فأرسل مولاه بدراً بكتابه إلى مواليهم بالأندلس عبيد الله بن عثمان وعبد الله بن خالد وتمام بن علقمة وغيرهم، فأجابوه واشتروا مركباً وجهزوه بما يحتاج إليه، وكان الذي اشتراه عبيد الله بن عثمان، وأركب فيه بدراً، وأعطاه خمسمائة دينار برسم النفقة، وركب معه تمام بن علقمة، وبينما هو يتوضأ لصلاة المغرب على الساحل إذ نظر إلى المركب في لجة البحر مقبلاً حتى أرسى أمامه، فخرج إليه بدر سابحاً، فبشره بما تم له بالأندلس، وبما اجتمع عليه الأمويون والموالي، ثم خرج إليه تمام ومن معه في المركب فقال له: ما اسمك وما كنيتك فقال: اسمي تمام، وكنيتي أبو غالب، فقال: ثم أمرنا وغلبنا غدوّنا إن شاء الله، ثم ركبوا المركب معه فنزل بالمنكب، وذلك غرّة ربيع الأول سنة 138ه" [1].

عبد الرحمن الداخل .. في بلاد الأندلس
نزل عبد الرحمن الداخل رحمه الله على ساحل الأندلس بمفرده، واستقبله هناك مولاه بدر، وكان يحكم الأندلس في ذلك الوقت يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وكالعادة كان في الشمال يقمع ثورةً من الثورات وبمجرَّد أن دخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس بدأ يُجَمِّع الناس من حوله؛ محبِّي الدولة الأموية، وابربر، وبعض القبائل المعارضة ليوسف بن عبد الرحمن الفهري، كما كان قد وصلت إلى الأندلس فلول من الأمويين الهاربين، إلى جانب التحالف المأخوذ مع اليمنية.

كان على رأس اليمنيين في ذلك الوقت أبو الصباح اليحصبي، وكان المقرُّ الرئيس لهم في إِشْبِيلِيَة، وهي المدينة الكبيرة التي كانت تُعَدُّ حاضرة من حواضر الإسلام في ذلك الوقت، فذهب عبد الرحمن بن معاوية بنفسه إلى إِشْبِيلِيَة، واجتمع طويلاً مع أبي الصباح اليحصبي، فبايعه أبو الصباح وقبل القتال أرسل عبد الرحمن بن معاوية عدَّة رسائل إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهري يطلب وُدَّه، وأن يُسَلِّم له الإمارة، ويكون الفهري رجلاً من رجاله في بلاد الأندلس، بحُكْمِ أنه حفيد هشام بن عبد الملك، لكن يوسف الفهري رفض ذلك، وجهَّز جيشًا وجاء ليحارب عبد الرحمن بن معاوية ومَنْ معه [2].

معركة المصارة
كان عبد الرحمن الداخل شابًا ذا نجابة وذكاء وفطنة، وقد علم بعيونه بتحركات يوسف الفهري، فجهَّز جيشه وكان قرابة الثلاثة آلاف فارس وعسكر بقرية المصارة على نهر قرطبة يوم الاثنين لست خلون من ذي الحجة 138ه/ 9 مايو 756م، وفي المقابل عسكر جيش الفهري على الجانب الآخر للنهر، وأقاما ثلاثة أيام متناطرين، والنهر حاجز بينهما بحمله. وفي اليوم الرابع وهو يوم الخميس تاسع ذى الحجة، هبط ماء النهر وانحسر في بعض المواضع، فتأهب الفريقان للحرب.

لم يغب عن عبد الرحمن الداخل ما تمثله هذه المعركة من خطورة وما سيعقبها من نتائج، لذلك عمل لها كل ما يملك من حيلة ودهاء، وقد عرض يوسف الفهري على عبد الرحمن الداخل الصلح، لاقتراب أيام عيد الأضحى، فأظهر عبد الرحمن قبول الصلح، فبات الناس على ذلك ليلة العيد، وكان قد أسر خلاف ما أظهر، واستعد للحرب.

وكان لعبد الرحمن الداخل خيلًا أشهب يسميه الكوكب، فقالت اليمنية: "هذا فتىً حديث السن تحته جواد وما نأمن أول ردعةٍ يردعها أن يطير منهزماً على جواده ويدعنا"، فوصلت المقالة إلى عبد الرحمن الداخل من أحد مواليه فذهب بنفسه إلى أبي الصباح اليحصبي زعيم اليمنية،وقال له: " إن فرسي هذا قلق تحتي، لا يمكنني من الرمي، فقدم إلي بغلك المحمود أركبه"، فلما رأى اليمنية ما فعله عبد الرحمن اطمأنت نفوسهم، وعلموا أنه لا يريد هربا بل يرد قتالا.

ثم قال عبد الرحمن لأصحابه: "أي يوم هذا؟ قالوا: الخميس يوم عرفة، فقال: فالأضحى غداً يوم الجمعة، والمتزاحفان أموي وفهري، والجندان قيس ويمن، قد تقابل الأشكال جداً، وأرجو أنه أخو يوم مرج راهط، فأبشروا وجدوا".

وهنا تبرز صفات القائد الناجح الذي يعرف كيف يقذف بالحماسة في قلوب جنده. كما يعرف كيف يتعامل مع المشاكل التي تنتشر من بعض المغرضين في جيشه.

وفي المقابل في جيش يوسف الفهري كان اليأس قد تملك القلوب والمعنوايات القتالية قد انخفضت، فقد مشى العلاء بن جابر العقيلي إلى الصميل بن حاتم وكلاهما من وجوه قيس؛ فقال له: (يا أبا جوشن اتق الله! فوالله! ما أشبه هذا اليوم إلا بيوم المرج! وإن عاره لباق علينا إلى اليوم؛ فإن الأمور يهتدي لها بالأقران والأمثال: أموي وفهري وقيس واليمن! وهذا يوم عيد، ويوم جمعة؛ ويم المرج أيضا يوم جمعة! والأمر، والله! علينا، لا شك في ذلك! فاتق الله، واغتنم لنا الأمر لنكون فيه أعزاء لا أتباعا!).

وما هي إلا لحظات وقد أشرق صباح يوم الجمعة وهو يوم عيد الأضحى 10 ذي الحجة 138 ه/ 13 مايو 756م، دفع عبد الرحمن الداخل قواته لاقتحام النهر، وكان أول من اقتحمه منهم جند بني أمية، وكان يوسف الفهري يتفوق على خصومه بكثرة فرسانه، ولكن التفرق كان يسود جنده، وكانت جموع عبد الرحمن تضطرم على قلتها عزماً وحماسة، فنشبت بين الفريقين معركة من أشرس المعارك التي لم يشهدها المسلمون من قبل في الأندلس، وللأسف لم تكن سيوف المسلمين تحصد رقاب القوى الصليبية المتربصة بالشمال، بل كان المسلمون يحصدون رقاب بعضهم البعض.

ولما اشتد الكرب بين يدي عبد الرحمن الداخل، ورأى شدة مقاساة أصحابه، قال لهم محفزا: "هذا اليوم هو أُس ما يبنى عليه، إما ذل الدهر وإما عز الدهر، فاصبروا ساعة فيما لا تشتهون تربحوا بها بقية أعماركم فيما تشتهون".

ومع أن معركة المصارة كانت معركة عنيفة ولكنها كانت قصيرة، فلم يأت الضحى حتى مزقت خيل يوسف، وهزم جيشه هزيمة شديدة، ونهبت أسلابه، وقتل كثير من وجوه القيسية والفهرية. وفر يوسف صوب طليطلة، حيث كان ولده عبد الرحمن، وفر الصميل صوب جيان[3].

نتائج معركة المصارة
كانت معركة المصارة هي معركة الظفر بالنسبة لعبد الرحمن الداخل، فقد دخل قرطبة وصلى الجمعة في الجامع، ثم نزل بالقصر في قرطبة، وبويع في الحال بالإمارة [4].

وإن من أعظم نتائجه هذه المعركة أن عرف الناس مدى ما كان يتمتع به عبد الرحمن الداخل من كريم النبل وعظيم المنّ وكرم الأخلاق الرفيعة التي لم يرها الأندلسيون منذ زمن، فمع أن عبد الرحمن الداخل قد انتصر على أعدائه وكسر شوكتهم، وإن من عادة المنتصرين أن يتتبعوا فلول المنهزمين، إلا أن عبد الرحمن الناصر حمل جنده ما استطاع على الاعتدال والقناعة، وحمى أسر خصومه وحريمهم وأموالهم من العيث، فقال لهم: "لا تستأصلوا شأفة أعداءٍ ترجون صداقتهم، واستبقوهم لأشد عداوةً منهم، يشير إلى استبقائهم ليستعان بهم على أعداء الدين" [5].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.