عبد الرحمن بن معاوية بن هشام الأموى القرشى الملقب ب "صقر قريش"، كان أحد الأمراء الأمويين المرشحين للخلافة فى عاصمة الدولة الأموية فى دمشق، جده الخليفة هشام بن عبد الملك عاشر الخلفاء الأمويين.. هرب من العباسيين عند قيام دولتهم، إلى الأندلس حيث دخلها، وسمى بذلك "عبد الرحمن الداخل"، وأكمل فترة الخلافة الأموية هناك فى الأندلس، وحكم بين عامى756 و788م. ولد فى تدمر سنة 113ه (731م) فى خلافة جده، نشأ فى بيت الخلافة الأموى بدمشق، وكان الفاتح الكبير مسلمة بن عبد الملك عم أبيه يرى فيه أهلاً للولاية والحكم وموضعًا للنجابة والذكاء، وسمع عبد الرحمن ذلك منه مشافهة، مما أثّر فى نفسه أثرًا إيجابيًا. عندما أقام العباسيون دولتهم على أنقاض الدولة الأموية، كان هدفهم تعقب الأمويين والقضاء على أفراد البيت الأموى، فقتلوا الأمراء وأبناء الأمراء بل وأحفادهم، وكل من توقعوا أن يكون أهلاً للإمارة خشية محاولة أحدهم استرداد مجدهم لاسيما فى الشام، لهذا بذلوا الجهود المضنية لتحقيق هذا الهدف. نجح عبد الرحمن بن معاوية بن هشام، فى الاختباء فى قرية منعزلة قريبة من الفرات فى سوريا، وكان معه ابنه الطفل سليمان ذو الأربع سنوات، وأخ أصغر مع أختين، وعندما اكتشفت الشرطة مكانهم هرب عبد الرحمن مع أخيه هشام بن معاوية عبر بعض البساتين، فلما تعقبتهما الشرطة، حاولا عبور النهر فأغرتهما الشرطة أن يرجعا ولهما الأمان فرجع أخوه وغُرر به وقتله العباسيون، وكان عمره ثلاث عشرة سنة، بينما نجح عبد الرحمن فى الوصول إلى الضفة الأخرى بسلام ولم تنطلِ عليه مكيدتهم. وصل الأمير الأموى إلى أخواله من قبيلة نفزة فى المغرب، وتجنب عند وصوله الظهور العلنى، وظل أربع سنوات يتنقل بين قبائل المغرب الأقصى والأوسط بسرية تامة، وإن كانت عينه على الأندلس التى كانت تمزقها الحرب الأهلية، ونجح فى تشكيل فريق مؤيد له، وبدأ يعدّ العدة لدخول الأندلس بعد أن كَوَّن جيشًا قويًا والتف حوله مؤيدوه. راسل عبد الرحمن بن معاوية الأمازيع فى الأندلس، وأعلمهم بخطته، ورحبوا بذلك لمعرفتهم بعدل الأمويين وإنصافهم لهم، وكانوا فى ذلك الوقت على خلاف شديدٍ جدًا مع يوسف بن عبد الرحمن الفهرى، لأنه فرّق بينهم وبين العرب فى شمال إفريقيا، فهم يريدون أن يتخلّصوا من حكم يوسف بن عبد الرحمن الفهرى الذى عاملهم بهذه العنصرية، وراسل كل الأمويين فى كل الأماكن، وأخبرهم بأنه يعزم على دخول الأندلس وإقامة الدولة الأموية فالتحق به كل الأمويين من الشام وغيرها من البلاد.. وفى ربيع الثانى سنة 138ه (755م) عبر عبد الرحمن بن معاوية بجيشه القوى ومن معه من القادة مضيق جبل طارق إلى داخل الأندلس بهيبة وعظمة الفاتحين المنتصرين، وانضم إليه أنصاره، وأخضع كل البلاد فى طريقه، وزحف إلى إشبيلية واستولى عليها وبايعه أهلها، ثم نجح فى دخول قرطبة العاصمة، بعد أن هزم جيش يوسف بن عبد الرحمن فى موقعة المصادرة سنة 138ه، ليؤسس بذلك إمارة أموية فى قرطبة منذ ذاك التاريخ. قامت على يد عبد الرحمن الداخل خلال حكمه للأندلس 25 ثورة بدعم العباسيين لزعزعة ملكه، واستطاع عبد الرحمن الداخل أن يخمدها كلها، وانتصر "الداخل" على العباسيين، حيث وقف لهم وحاربهم وانتصر عليهم وهزمهم شر هزيمة، وعرفوا بقوته وأنهم أمام قوة لا يمكن الوقوف فى وجهها، فلقبه العباسيون ب "صقر قريش"، وهو اللقب الذى اشتهر به بعد ذلك، حتى أن أبا جعفر المنصور قال عنه: "عبد الرحمن بن معاوية، دخل الأندلس منفردًا بنفسه، مؤيّدًا برأيه، مستصحبًا لعزمه، يعبر القفر ويركب البحر حتى دخل بلدًا أعجميًا فمصّر الأمصار وجنّد الأجناد، وأقام ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة عزمه".. وتوفى فى مثل هذا اليوم عام 788م.